معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

أميركا على عتبة الثورة الشعبوية ـ الفوضوية
19/06/2020

أميركا على عتبة الثورة الشعبوية ـ الفوضوية

صوفيا ـ جورج حداد

في تعريف لينين للوضعية الثورية التي تسبق اندلاع الثورة كحتمية تاريخية، يقول إن الوضعية الثورية الاجتماعية تتمثل بميزتين رئيسيتين وهما:

1ـ ان الحاكمين لا يعودون يستطيعون الحكم كما في السابق.
2ـ ان المحكومين لا يعودون يستطيعون العيش كما في السابق.

ويرى لينين أن التنظيم الثوري الطليعي هو الذي يلتقط اللحظة التاريخية للوضعية الثورية الاجتماعية ويعمل لتفجير الثورة وطرح برنامجه وايديولوجيته.

وقد قدم لنا القرن العشرون ثلاثة نماذج رئيسية للثورة المظفرة هي:

ـ1ـ الثورة الروسية في 1917 ذات الطابع البروليتاري (العمالي) بقيادة فلاديمير لينين.
ـ2ـ الثورة الصينية في 1949 ذات الطابع الفلاحي (الريفي) بقيادة ماو تسي تونغ.
ـ3ـ الثورة الايرانية في 1979 ذات الطابع الاسلامي المذهبي (الشيعي) بقيادة الامام الخميني.

وطبعًا توجد اختلافات جوهرية بين هذه الثورات الثلاث، ولكنها تلتقي في نقطة رئيسية وهي توفر العامل الذاتي للثورة، أي وجود تنظيم ثوري طليعي وقيادة ثورية كارزمية يقودان الثورة.

واذا نظرنا الى الحالة الثورية الراهنة في أميركا فإنه تنطبق عليها تماما معايير الحالة الثورية كما وصفها لينين، الا أنها تختلف تمام الاختلاف عن النماذج الثورية الروسية والصينية والايرانية، خصوصًا لجهة عدم وجود تنظيم ثوري طليعي وقيادة ثورية كارزمية وايديولوجية محددة تؤطر الوضعية الثورية القائمة. وكما يقول عالم الاجتماع الأكبر كارل ماركس فإن شجرة الحياة الخضراء هي أغنى بكثير من جميع النظريات الثورية، التي تبقى لا أكثر من انعكاس رمادي للحياة.

إن ما يمكن تسميته "الاحتجاجات المعادية للعنصرية" في الولايات المتحدة الأميركية، والمتداخلة بشكل عضوي عميق بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والقومية والاتنية والحضارية ـ الدينية في أميركا، ليست شيئًا آخر سوى انقلاب حقيقي يزحف على اميركا. ولكن لا يمكن لأحد التنبؤ مسبقًا الى أين يسير والى أين سيصل هذا الانقلاب، ومن ثم سيكون من العبث التفكير بامكان التحكم به وتوجيهه في اتجاه سياسي ـ ايديولوجي نمطي معين، لا دينيًا ولا عنصريًا ولا فكريًا ولا سياسيًا.

ومنذ أن دخل البيت الأبيض فإن دونالد ترامب لم يستطع أن يحصل على سلطة كاملة لأن ما يسمى "الدولة العميقة"، التي يسيطر عليها حتى الآن "الحزبدمقراطيون" عملوا كل ما يمكن من اجل عرقلته. والدولة العميقة في اميركا تمسك بيديها "السي آي أيه" و"الاف بي آي" والعشرات غيرهما من الاجهزة والوكالات التابعة للدولة الاميركية. وقد وجهت الدولة العميقة الضربات لترامب منذ تنصيبه الرسمي في الرئاسة. وبدأ ذلك باتهامه بـ "العلاقة مع روسيا" وان الروس تدخلوا لصالحه في الانتخابات الرئاسية التي فاز بها، وعمل الدمقراطيون على عزله بهذه التهمة. واخيرا جاءت الذروة في الاحداث الراهنة، التي ينشط فيها انصار الملياردير اليهودي جورج سوروس في خدمة الدمقراطيين. ويتضح أكثر فأكثر أن أميركا تقف الآن على عتبة حرب أهلية جديدة.

لقد كانت الولايات المتحدة الاميركية، منذ تأسيسها كدولة، منقسمة بعمق عرقيا واجتماعيا. وتتعايش على اراضيها مجتمعات متنازعة تفصل بينها قرون كاملة. فبعضها لا يزال يعيش مشكلات ما قبل القرن التاسع عشر في حين ان النخبة البيضاء الانغلو ـ ساكسونية ـ اليهودية تخطو نحو تجاوز القرن 22.

ويعمل الديمقراطيون، وهم في الوقت ذاته انصار "العولمة"، على استخدام التمييز العنصري لأجل فرض سياساتهم التوسعية داخليا وخارجيا. وربما من المفيد ان نذكر ان أطروحة الدكتوراه لهيلاري كلينتون كانت بعنوان "ادارة انتفاضات ذوي البشرة السوداء". ويرجح الكثير من المراقبين ان الاحتجاجات الجماهيرية الحالية في اميركا يمكن ان تتطور الى ثورة. ولكنها لن تشبه ابدًا أيًا من الثورات المعروفة سابقا.

واذا قدر لترامب أن ينتصر في الانتخابات الرئاسية في الخريف القادم، فستكون لديه امكانية أكبر للسيطرة على روافع ادارة الدولة، وهذا ما سيمكنه من السيطرة على الدولة العميقة. وبالنسبة للديمقراطيين، الذين يمثلون الضمانة السياسية الرئيسية للنخبة العولمية، فتلك ستكون معركة حياة أو موت، بمواجهة ترامب الذي يمثل النخبة الانغلو ـ ساكسونية التي تتبنى استراتيجية "الانعزال" لأميركا، وتعمل على تحطيم الاتجاه العولمي. وهذا ما يدفع الديمقراطيين لأن يخوضوا حتى النهاية معركة الاحتجاجات الراهنة، داخل اميركا وخارجها، ويستخدمون كل امكانياتهم وعلاقاتهم ونفوذهم لأجل ذلك. وبدون هذا العامل من كان يتصور أن تخرج المظاهرات الاحتجاجية أمام السفارات الاميركية في اوروبا الغربية ذاتها، وهو ما لم يحدث في روسيا والصين والبلدان الاسيوية والافريقية المعادية والمتضررة من السياسة الاميركية؟ ولا شك أن وباء كورونا ومضاعفاته الاجتماعية أعطى الموجة الاحتجاجية دفعة قوية.

ومن المعروف أن "السوروسية"، كجزء رئيسي من الدولة العميقة في الولايات المتحدة الاميركية، لعبت دورًا أساسيًا في ما سمي "التحولات الدمقراطية ـ الليبيرالية" في المنظومة السوفياتية والاتحاد السوفياتي السابقين. واذا ما قدر للنخبة "الانعزالية" الاميركية التي يمثلها دونالد ترامب ان تسيطر على الدولة العميقة في اميركا فهذا سينعكس تماما على الوضع الدولي باسره الذي سيشهد تغيّرات عميقة في الوضعية الجيو ـ سياسية والجيو ـ استراتيجية العالمية.

وان الوحدة النفعية المصطنعة للدولة الاميركية الحالية التي تقوم على نهب دول وشعوب العالم بأسره، هذه الوحدة ستوضع بحدة على "جدول الاعمال الاميركي" في الشارع وفي السلطة معا. وقد بدأت نذر ذلك تظهر بوضوح في التعارضات بين ادارة ترامب وحكام الولايات حول طرق مواجهة وباء كورونا والاحتجاجات المعادية للعنصرية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل