معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

انقسامات أميركية - اسرائيلية حول
26/06/2020

انقسامات أميركية - اسرائيلية حول "ضم الضفة"

سركيس ابوزيد

اعتبارًا من أول تموز المقبل، ستباشر حكومة العدو تنفیذ المخطط الإسرائیلي لضم المستوطنات في الضفة الغربیة ومنطقة غور الأردن الاستراتیجیة. لذلك، ارتفعت حدة الضغوط الداخلیة والدولیة والإقلیمیة لمنع حصول ذلك، لأن مخطط الضم ینتھك مبادئ القانون الدولي الذي یحظر الاستیلاء على الأراضي بالقوة، ویھدد بتقویض عملیة "السلام" القائمة على "حل الدولتین". یُضاف الى ذلك وجود خلافات في الموقف والرأي داخل الكيان الاسرائيلي وتجاذبات انتخابیة بین الحزبین الدیمقراطي والجمھوري في الولایات المتحدة.

في "إسرائیل"، الخلافات عمیقة وتنطوي على أسس أیدیولوجیة حینًا، وعلى انعدام الثقة حینًا آخر. رئیس حزب "كحول لفان" بیني غانتس یختلف مع نتنیاھو حول حجم المناطق التي یؤید ضمھا لأسباب سیاسیة وأمنیة، وھو لن یدعم فرض السیادة الإسرائیلیة على المناطق المأھولة بعدد كبیر من الفلسطینیین، ولن یؤید خطوة لا یوافق علیھا قادة الأجھزة الأمنیة الإسرائیلیة، ویعتبر أن ھذه الخطوة تھدد العلاقات مع الأردن والولایات المتحدة، مشیرًا الى أنه قبل تنفیذ ھذه الخطوة یجب أن تُطرح بالتفصیل أمام قیادات الجیش والمخابرات كي تعطي رأیھا المھني بشأنھا، وأنه یجب إیجاد وسیلة عمل مع السلطة الفلسطینیة، وطرح خطوات لتحسین حیاة الفلسطینیین كجزء من فرض السیادة عملیًا.

وزیر العلوم والتكنولوجیا یزھار شاي من حزب "كحول لفان" أیضًا، وجه انتقادات لاذعة لمشروع الضم، قائلا: "أعتقد أن الخطوات التي یدفع بھا "اللیكود" متسرعة جدا. صحیح أن خطة الرئیس دونالد ترامب خطة ممتازة، وتشتمل على كل العناصر التي نحتاجھا من أجل سلام آمن مستقر ضامن لوجود "إسرائیل" لسنین طویلة بصفتھا دولة یھودیة دیمقراطیة، إلا أن تطبیقھا بشكل أحادي الجانب بتجاھل الفلسطینیین سوف یلحق ضررًا یصعب تصحیحه، وسوف یقوض الاستقرار في الشرق الأوسط.

مسؤولون في حزب "لیكود" الحاكم حملوا بیني غانتس ووزیر الخارجیة غابي أشكنازي مسؤولیة إضاعة الفرصة الذھبیة لتنفیذ الضم بدعم أمیركي. واعتبروا أن موقف غانتس وحزبه سیتحول إلى كارثة لمعسكر الیمین، في حال فشل الرئیس دونالد ترامب في الانتخابات المقبلة.  

في الولایات المتحدة، وفي موقف یعكس الانقسام الحزبي الأمیركي من قضیة ضم مستوطنات الضفة الغربیة، أعربت القیادات الجمھوریة في مجلس النواب عن دعمھا لخطة الضم. وقال ھؤلاء، في رسالة موجھة لرئیس الوزراء الإسرائیلي بنیامین نتنیاھو، إنھم یدعمون قراره كلیًا.

ھذه التصریحات، أغضبت الدیمقراطیین الذین سبق أن حذروا "إسرائیل" من أن أي قرار بضم المستوطنات سیؤذي العلاقات التاریخیة بین البلدین. وقد تزعم ھذه المواقف زعیم الأقلیة في مجلس الشیوخ تشاك شومر الذي یعد حلیفًا شرسًا لـ "إسرائیل" في الكونغرس. فقد عارض شومر خطة الضم بشراسة، معتبرًا أنھا تھدد الأمن والاستقرار في المنطقة، وتعرقل أي محادثات "سلام" محتملة. وتعاون شومر مع الدیمقراطیین البارزین روبرت منندیز وبنجامین كاردن، وھما أیضا من حلفاء "إسرائیل"، لإصدار بیان معارض لخطة الضم، لأنها عملیة أحادیة ستھدد الاستقرار في المنطقة، وتؤذي مصالح الأمن القومي للولایات المتحدة ھناك.

تؤكد رسالة الجمھوریین مدى تفاقم الخلافات في الولایات المتحدة حول العلاقة مع "إسرائیل"، والذي تم التعبیر عنه أیضا في استطلاع الرأي الذي نشرته صحیفة "واشنطن بوست"، ویظھر أن ثلثي الأمیركیین یعتقدون بضرورة إجراء مراجعة جدیدة للعلاقات القائمة بین الولایات المتحدة و"إسرائیل". وتثیر ھذه الخلافات قلقا لدى أوساط دبلوماسیة إسرائیلية، إذ تعتبرھا دلالة تغییر سلبي تجاه "إسرائیل". وقال المندوب الإسرائیلي الأسبق في الأمم المتحدة داني غیلرمان إن "الكنز الاستراتیجي لإسرائیل في الولایات المتحدة كان دائما وحدة الحزبین الجمھوري والدیمقراطي في تأییدنا ودعمنا. وللأسف الشدید، فقدنا ھذا الكنز في السنوات الأخیرة، وتحول التأیید لنا في السنوات الأخیرة من جانب حزب واحد، الجمھوري. وفرض الضم الیوم قد یفسر خطوة خاطفة بنظر الدیمقراطیین، قبل 4 أشھر من انتخابات الرئاسة الأمیركیة".

وحذر غيلرمان من أن "تنفیذ مخطط الضم قد یُعد صفعة للدیمقراطیین الذین یمكن أن یصبحوا في الحكم خلال أشھر. ولأن الدعم الأمیركي فائق الأھمیة، فإن ھدفنا الأعلى یجب أن یكون رأب الصدع مع أجزاء كبیرة من الجمھور الأمیركي، وضمنه الیھود، ولیس توسیعه".

فالجانب الأمیركي بات یتحفظ على توقیت الضم بسبب الأوضاع الداخلیة في الولایات المتحدة وموجة الاحتجاجات التي تشھدھا المدن الأمیركیة، والتداعیات المقدرة على الحملة الانتخابیة للرئیس دونالد ترامب الذي یسعى إلى ولایة ثانیة، إذ إن مخطط الضم تحول بین الحزبین الدیمقراطي والجمھوري إلى مادة سجال على عتبة الانتخابات.

المستجد الأمیركي الذي أربك نتنیاھو، ھو اشتراط البیت الأبیض الإجماع الإسرائیلي. وفي مواجھة ھذا الواقع المركّب، ینتھج نتنیاھو تكتیك التلویح بالانتخابات للضغط على غانتس، فإن نجح الأول في تمریر ضم ولو جزئي، یكون قد أسس لمسار یعزز به موقعه مع أنه سیتعرض لانتقادات من الیمین المتطرف، وإن نفذ وعیده بانتخابات مبكرة على خلفیة الموقف من الضم، یكون قد حدد عنوان الانتخابات ومحور التنافس فیھا، على أمل أن ینجح بذلك في التفاف جمھور الیمین حوله لتحقیق ما یطمح إلیه في الضفة. ووفق استطلاعات الرأي الحالیة، یحرز "اللیكود" ومعسكر الیمین الحلیف له تقدما ملحوظا یمنحه تشكیل حكومة یمینیة من حلفائه التقلیدیین، ما سیمنحه فرصًا إضافیة على المستوى الشخصي والسیاسي. وبطبیعة الحال، الذھاب إلى انتخابات مبكرة یعني أن تنفیذ الضم سیتأخر.

رغم ما سبق، یبقى سیناریو التأجیل حاضرًا، وھو ما تناولته صحیفة "معاریف" التي لفتت إلى الخلافات داخل الحكومة، والأمر ینسحب على إدارة ترامب. كما رأت الصحیفة أن الضم سیؤجل ولن یبدأ بحلول الشھر المقبل مثلما تعھد نتنیاھو. في ھذه الأجواء الملبّدة بالتقدیرات والسیناریوھات المفتوحة، نقلت تقاریر إعلامیة إسرائیلیة عن مساعد وزیر الخارجیة الأمیركي دیفید شینكر، أن "إسرائیل" ستأخذ بالاعتبار تحذیرات مسؤولین عرب من تنفیذ ضم واسع، وأن ھذه التحذیرات تشكل جزءا من الاعتبارات الإسرائیلیة. من الواضح أن السیناریو الذي یلمح إلیه ھو الضم الجزئي الھادف إلى تلبیة مطلب نتنیاھو، بالاستناد إلى اقتناع بأن حلفاء واشنطن في المنطقة سیعملون على تحویل ذلك إلى إنجاز لھم.

لا خلاف على مبدأ الضم، لا في "تل أبیب" ولا في واشنطن، لكن یدور التجاذب حول توقیته وحجمه وسیاقات تنفیذه وطریقة إخراجه: ھل یكون ضمن سلة متكاملة تتضمن مفاوضات شاملة؟ وإلى أي حد ستؤخذ بالحسبان مخاوف الأردن والسلطة الفلسطینیة؟ أم ستفرض الوقائع تدریجیا، على أن یضع ذلك السلطة أمام خیارین: الجلوس على طاولة المفاوضات انطلاقا من التسلیم بالوقائع المستجدة، أو الرفض لیكون ھذا ذریعة لتوسیع نطاق الضم مع تحمیل المسؤولیة لرام الله بتھمة تفویت فرصة التوصل إلى حل دائم. والحل الدائم ينتظر الانتخابات الاميركية والمساومات الاسرائيلية.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل