آراء وتحليلات
سياسات ترامب المتهورة.. انقسامات داخلية وعزلة خارجية
بغداد: عادل الجبوري
اذا كانت هناك سمة بارزة وواضحة وجلية للعيان في السياسة الأميركية في عهد الرئيس الخامس والاربعين دونالد ترامب، فهي التخبط والفوضى والارتجال في اتخاذ القرارات على مختلف الصعد والمستويات.
وقد بدا ذلك واضحًا الى حد كبير منذ الشهور الاولى لدخوله البيت الابيض قبل أكثر من ثلاثة أعوام، وكان بإمكان كل من يتابع ويراقب تفاعلات الوقائع والأحداث على الساحتين الداخلية الخارجية، أن يكتشف أن ترامب حطم الرقم القياسي في اجراء التغييرات في ادارته، فمعظم كبار المسؤولين الذين تم تعيينهم في ادارة ترامب، اما استقالوا أو أقيلوا، كوزراء الخارجية والدفاع والصحة والعدل، ورؤساء المخابرات ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ومستشاري الامن القومي وعدد من كبار مستشاري وموظفي البيت الابيض والقادة العسكريين. ومن أبرز الأسماء التي غادرت أو أرغمت على المغادرة، وزير الخارجية ريك تيلرسون، ووزير الحرب جيمس ماتيس، ووزير العدل جيف سيشنز، ومستشار الامن الداخلي سكوت برويت، ووزير الصحة توم برايس، ورئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) جيمس كومي، والبعض من هؤلاء كشفوا عن أخطاء ترامب وسلبياته، كما فعل المستشار السابق للأمن القومي جون بولتون في كتابه الاخير الموسوم (من قاعة الحدث: مذكرات من البيت الأبيض)، الذي فجر موجة جدل واسعة، وأثار استياء وغضب ترامب وعدد من المراقبين له، أبرزهم وزير الخارجية مايك بومبيو، بسبب ما تضمنه من خفايا وأسرار، فضلًا عما أفصح عنه بولتون في اللقاء التلفزيوني الذي أجرته معه مؤخرًا شبكة (CNN) الاخبارية الاميركية، وقد سبق بولتون مسؤولين أميركيين بالحديث مبكرًا عن سلبيات وأخطاء ترامب وما يمكن أن تسبب سياساته من أضرار وكوارث على الولايات المتحدة الاميركية.
وامتد التخبط والاضطراب والفوضى الى طريقة التعاطي مع جائحة كورونا والتظاهرات الاحتجاجية الواسعة ضد سياسات التمييز العنصري على خلفية مقتل الرجل الاسود جورج فلويد على يد أحد عناصر الشرطة في مدنية مينيبوليس التابعة لولاية مينيسوتا قبل عدة اسابيع.
وأبعد من ذلك، فإن ترامب أظهر قدرًا كبيرًا من الحماقات في التعاطي مع الملفات الخارجية، الى الحد الذي أظهر ضعفًا فاضحًا لواشنطن في سياساتها الخارجية، فهو لم يجنِ أي مكسب من تصعيده ضد ايران وتشديد الضغوطات عليها وانسحابه من الاتفاق النووي، وكذلك فإن حروبه ومعاركه مع الصين وروسيا عادت اليه بخسائر كبيرة، ولم يختلف الأمر كثيرًا في تعاطيه مع كوريا الشمالية وسوريا، ومن ثم فنزويلا التي هدد كثيرًا رئيسها نيكولاس مادور وأفصح عن دعمه اللامحدود للمعارضة، قبل أن يتراجع ليبدأ بمغازلة الرئيس الفنزويلي وابداء الاستعداد للقائه. والأمر نفسه مع ايران، اذ انه في الوقت الذي كان فيه يؤزم المواقف معها، كان يسعى جاهدا للقاء وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، مثلما اكد ذلك بولتون في مذكراته، ومع الصين التي كادت أن تصل الخلافات والتقاطعات معها الى نقطة اللاعودة بسبب شركة هاواوي وجائحة كورونا وقضايا اخرى، لم يخف ترامب رغبته وحماسته لانجاح الاتفاقات التجارية معها، وحتى مع حلفاء واصدقاء واتباع الولايات المتحدة من الذين تستفيد كثيرا من امكانياتهم المالية الهائلة مثل المملكة العربية السعودية، فإنه غالبا ما يتعامل معهم باستعلاء وعنجهية واستخفاف، وبطريقة التاجر الجشع الذي لا يعير اهتمامًا إلا لما يدخل الى جيبه من أموال.
ويمتد السلوك الانفعالي المتهور لترامب الى المنظمات والمؤسسات الدولية، ما دامت لا تنسجم مع توجهاته ولا تنساق وراء نزواته.
فمنذ توليه رئاسة الولايات المتحدة مطلع عام 2017، انسحبت الأخيرة من اتفاقية باريس للمناخ في مطلع حزيران - يونيو 2017، وبعد حوالي ثلاثة شهور أعلنت انسحابها من منظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، وفي التاسع من ايار - مايو 2018 انسحبت من الاتفاق النووي مع ايران، ومع بداية ذلك العام كانت قد تنصلت من دعم وتمويل منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) بفعل ضغوطات "تل ابيب" واللوبي الصهيوني في واشنطن، وفيما بعد انسحبت من مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، وأخيرًا وفي ذروة جائحة كورونا انسحبت من منظمة الصحة العالمية، في ذات الوقت الذي فتحت فيه جبهة مواجهة مع المحكمة الجنائية الدولية عبر فرض عقوبات على موظفين فيها.
وكل ذلك وغيره راح ينعكس بصورة مؤشرات أولية واضحة على انحسار فرص ترامب في السباق الانتخابي نحو ولاية ثانية في البيت الابيض، في ظل صورة مرتبكة وقاتمة، ومنافس قوي مثل مرشح الحزب الديمقراطي ونائب الرئيس السابق جو بايدن.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024