آراء وتحليلات
تقارب بين أنقرة و"تل أبيب".. وتباعد مع أوروبا
سركيس ابوزيد
ظھرت في الآونة الأخیرة بوادر على تقارب في العلاقات بین أنقرة و"تل أبیب"، وبالتالي إمكانیة دخول تركيا في اتفاق مع "إسرائیل" حول الحدود البحریة وحول التعاون في مجال نقل الغاز الطبیعي عبر تركیا، مما أشار الى تباعد تركيا عن أوروبا:
1 - لم تشارك "إسرائیل" في الاجتماع عبر الفیدیو الخماسي في 11 أیار الماضي بین مصر والإمارات وقبرص الیونانیة والیونان وفرنسا. وقد أصدر المجتمعون، الذین وصفتھم أنقرة بـ"محور الشر"، بیانا ندد بتركیا بسبب تنقیبھا عن الغاز في المنطقة البحریة لقبرص الیونانیة، وبسبب انتھاكھا المجال الجوي الیوناني، وبسبب الموقف التركي في لیبیا.
هذا الخلاف دفع الى تبادل الطرفين، التركي والإسرائیلي، غزلًا واضحًا حول تعزیز العلاقات بينهما في المستقبل. وقد أبدت "إسرائیل" استعدادھا للتفاوض مع تركیا لنقل الغاز الإسرائیلي إلى أوروبا عبر تركیا، خصوصًا أن ھناك خلافات بین "إسرائیل" وقبرص التركیة حول حدود المنطقة الخالصة بینھما في حقل "أفرودیت" الإسرائیلي المتعدي على المنطقة القبرصیة الیونانیة.
وتصدیر الغاز الإسرائیلي عبر تركیا یبقى الأقل تكلفة على "إسرائیل"، وذلك عبر خط أنابیب من الساحل الإسرائیلي إلى میناء جیحان التركي، ومنه عبر أكثر من خط غاز یعبر تركیا إلى أوروبا، خصوصا أن خط الغاز المقترح ّمده من حقول "إسرائیل" ومن شرق المتوسط إلى قبرص فالیونان فإیطالیا، والبالغ طوله ألفي كلم، والمعروف باسم "إیست مید"، كلفته عالیة جدا، وقد لا یبصر النور، رغم أنه تم التوقیع علیه بین دول "منتدى غاز شرق المتوسط".
في المقابل، كانت تركیا ترسل إشارات إیجابیة إلى "إسرائیل". للمرة الأولى منذ 13 عاما حطت في مطار إسطنبول أول طائرة نقل تابعة لشركة "العال" الإسرائیلیة في مطار إسطنبول، ناقلة من تركیا شحنة مستلزمات طبیة مخصصة للولایات المتحدة عبر "إسرائیل" لمواجھة جائحة "كورونا". وحافظت العلاقات التجاریة بین البلدین في العام 2019 على وتیرتھا التي كانت في العام 2018 . الصادرات التركیة إلى "إسرائیل" بلغت في العام 2019 رقما قیاسیا، إذ وصلت إلى 4 ملیارات و463 ملیونا و831 ألف دولار، وشكلت "إسرائیل" المرتبة التاسعة للصادرات التركیة، وذلك بزیادة 441 ملیونا و41 ملیون دولار عن العام 2018 ، متقدمة حتى على روسیا، الشریك التجاري الكبیر لتركیا، والتي جاءت في المرتبة العاشرة.
2 - العلاقات بین تركیا وأوروبا حالیا تقترب من منعطف جدید، على خلفیة ملفات ساخنة یجري التعاطي معھا بحساسیة مفرطة... وأبرز ھذه الملفات:
أ - التنقیب عن النفط في شرق المتوسط: تركیا تعدّ أوروبا منحازة لقبرص والیونان بشأن التنقیب عن النفط شرق البحر المتوسط، إذ تعتبر أن أنشطة تركیا في شرق المتوسط غیر قانونیة، لا سیما عملیات الحفر غیر المشروعة التي تقوم بھا سفینة "یاووز" التركیة داخل المنطقة الاقتصادیة والجرف القاري لقبرص. وسبق أن فرض الاتحاد الأوروبي علیھا حزمة عقوبات تحذیریة بسبب قیامھا بالتنقیب في المنطقة الاقتصادیة الخالصة لقبرص الدولة العضو فیه.
وعبّرت أوروبا عن قلقھا الشدید إزاء نشاط تركیا في شرق المتوسط، مؤكدة تضامنھا الكامل مع قبرص.
ب - ملف الھجرة، حیث تجري عملیة تفاوض بطیئة بین تركیا والاتحاد الأوروبي لإعادة تقییم اتفاقیة الھجرة وإعادة قبول اللاجئین الموقعة بین الجانبین في 18 آذار 2016 عقب الأزمة التي شھدتھا بسبب فتح أنقرة أبوابھا أمام المھاجرین الراغبین في التوجه إلى الدول الأوروبیة عبر الیونان. اتفاقیة الھجرة نصت على أن تمنع تركیا تدفقات المھاجرین غیر الشرعیین إلى الیونان وأوروبا عبر بحر إیجة، وأن یقدم الاتحاد الأوروبي 6 ملیارات یورو لمساعدة تركیا في تحمل أعباء اللاجئین السوریین، وأن یتم إعفاء المواطنین الأتراك من تأشیرة "شنغن". واشتكت تركیا عدم وفاء الاتحاد الأوروبي بالتزاماته وفي مقدمتھا الالتزامات المالیة التي طالبت بزیادتھا، بینما یستمر إردوغان في استخدام ورقة اللاجئین السوریین للضغط على الأوروبیین وابتزازھم. وبسبب وجود بعض الخلافات بین الطرفین، سیتم إعادة النظر في الاتفاقیة بأكملھا.
ت - ملف انضمام تركیا الى عضویة الاتحاد الأوروبي، وحیث لا یرید الأوروبیون عضویتھا الكاملة في الاتحاد بل شراكة ممیّزة معھا على عكس ما تسعى إلیه تركیا. تركیا بدأت مفاوضات عضویتھا عام 1994، لتتوقف المفاوضات عام 2012 وباتت في حكم المجمدة. وفي 23 تشرین الثاني 2016 أصدر البرلمان الأوروبي قرارا بتعلیق مفاوضات انضمام تركیا إلى عضویة الاتحاد في أعقاب تأزم العلاقات بین الجانبین عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي شھدتھا تركیا في 15 تموز من ذلك العام، مستندا إلى الإجراءات التي قامت بھا الحكومة التركیة، وحالة الطوارئ التي فرضتھا بعد المحاولة الانقلابیة الفاشلة.
رغم معارضة الاتحاد الأوروبي، یسعى إردوغان بعناد لتصبح تركیا عضوا كامل العضویة في أوروبا الموحدة، باعتبار أن تركیا عضو في حلف شمال الأطلسي، وجیشھا في الحلف ھو الأكبر بعد الولایات المتحدة من حیث الأعداد والأفراد العسكریین. وھي لیست مجرد قوة إقلیمیة، بل ھي قوة رئیسیة أوروآسیویة. وتنتشر "القوة الناعمة" التركیة في جمیع الاتجاھات: تعزز أنقرة موقعھا في البلقان. ھناك نفوذ تركي في جمھوریة كوسوفو غیر المعترف بھا، جزئیا عبر كرواتیا وبلغاریا. إضافة الى أن الشتات التركي ھو قوة فعالة للغایة في ألمانیا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى، حیث یعیش أكثر من ستة ملایین تركي في ألمانیا وحدھا، وأصبح العدید منھم مواطنین في تلك البلاد ویحتل بعضھم مواقع في السلطة. ونحو نصف ملیون من نخبة من الشركات التركیة - الأوربیة المتوسطة والكبیرة یشاركون بنشاط في الحیاة السیاسیة للبلدان المضیفة، ویصبحون نوابا للبرلمانات الإقلیمیة والفدرالیة، ویشغلون مناصب في الھیئات التنفیذیة. وبدعم من ھیئات تركیة تستمر عملیة الأسلمة في أوروبا. ولا تزال لدى تركیا ورقة رابحة في جعبتھا في شكل تیار غیر منضبط لمئات الآلاف من المھاجرین. في وقت سابق، طالب المسؤولون الأوروبیون أنقرة بإضفاء الطابع الدیمقراطي على النظام القضائي ومجالات الحیاة السیاسیة والعامة الأخرى، وبحل عادل للمشكلة الكردیة. والیوم وباستخدام سلاح اللاجئین السوریین یأمل أردوغان أن تخفف بروكسل من شروطھا لضم تركیا للاتحاد الأوروبي. لذلك اختارت تركیا اللحظة المناسبة لتذكیر أوروبا بدولة الثمانین ملیونا وبجیشھا القوي، وصناعتھا المتطورة بشكل كاف، والتي تلعب دورا مھما
في الشرق الأوسط، وتحتل دورا مھما في الاتصالات الاستراتیجیة العالمیة (روسیا - أمیركا).
أصبحت تركیا أیضا مركزا رئیسیا للطاقة ویمكن أن تلعب دورا مھما للغایة في سوق النفط والغاز الأوروبي في المستقبل غیر البعید. ومع ذلك یستبعد المراقبون أن تكون ھناك استجابة سریعة من بروكسل أو باریس أو برلین لطموحات إردوغان، ولكن من المحتمل أن تزید دول الاتحاد الأوروبي مساھماتھا في صیانة مخیمات اللاجئین السوریین، وقد یقدمون للرئیس التركي الدعم السیاسي لأفعاله في الشرق الأوسط.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024