معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

الضغط على لبنان.. ما هو الهدف؟
02/07/2020

الضغط على لبنان.. ما هو الهدف؟

شارل ابي نادر

يشهد لبنان حاليًا وبشكل لافت وصادم وطارىء على تاريخه، ضغوطاً اقتصادية - نقدية - معيشية، أو سياسية - أمنية، مترافقة مع فوضى موجهة ومخططة، بشكل يفوق طاقته وامكانياته العادية كبلد صغير متواضع القدرات، وحيث لا يمكن إبعاد مسؤولية بعض اللبنانيين بكافة اتجاهاتهم، عن التسبب أو المساهمة بنسبة معقولة، بخلق الأرض المؤاتية لهذه الضغوط، التي لا شك أنها ترتبط بمشروع الكيان الاسرائيلي حول ضم الضفة الغربية وامتدادا الى "صفقة القرن" المزعومة، فما هي المعطيات التي تتعلق بهذا الارتباط؟ ولماذا لبنان أكثر من غيره مستهدف بشكل مُرَكَّز على خلفية مشروع "اسرائيل" لضم الضفة الغربية؟

بمعزل عن الضغوط المتواصلة على سوريا منذ سنوات، عبر الحرب أو الارهاب أو العقوبات والحصار، وبمعزل عن الضغوط الضخمة اقليميًا ودوليًا على ايران وأيضًا منذ عشرات السنوات، حربًا أو حصارًا أو عقوبات، والتي ترتبط حكمًا، لناحية ايران أو لناحية سوريا، بالمشروع الاميركي - الاسرائيلي لترويض من بقي من العرب والمسلمين غير مروض، فإن للبنان دورا مهما وأساسيا في "تسهيل" أو في "عرقلة" ضم الضفة الغربية، وذلك على الشكل التالي:

لناحية رفض لبنان التوطين

طبعًا، يشترك لبنان في استراتيجية ايران وسوريا وأغلب أطراف محور المقاومة بالوقوف بوجه توطين الفلسطينيين خارج أراضيهم، ولكنه يبقى "الحلقة الانسب" لـ"اسرائيل" كهدف للتوطين مقارنة مع أغلب الدول العربية التي تستقبل لاجئين فلسطينيين.

من هنا، وحيث يعتبر التوطين مرحلة أساسية ورئيسة للمساعدة على تسهيل مشروع الضم وعبرها "صفقة القرن"، يأخذ الضغط على لبنان بهدف التوطين أولوية من بين الضغوط على الدول الأخرى، لأنه يتميز بخصوصية اجراءاته المتعلقة بالاخوة الفلسطينيين، وقد يكون الأكثر تشددا من بين تلك الدول، لاعتبارات تتعلق بحساسية التنوع الطائفي اللبناني، وايضًا لاعتبارات تتعلق بصغر مساحته غير المناسبة لتوطين عدد كبير من الاخوة الفلسطينيين، والأهم أن لبنان في هذا الاطار برفضه التوطين، يعرقل ويعيق المخطط الاسرائيلي باكمال وتسهيل احتلاله وتهويده للاراضي المحتلة في فلسطين.

وعليه، يُعتبر الضغط الاقتصادي والسياسي والأمني على لبنان، وسيلة "فاعلة" لاخضاعه بنظر الاسرائيليين والأميركيين، بحيث يأملون أن "يرضخ" للمشروع ويسهل تنفيذه، مقابل انتشاله من الوضع النقدي والمالي القاتل الذي يعيشه، عبر منحه بعض القروض أو المساعدات التي ترفع بعض الشيء من قيمة عملته وتعيد اليه بعض التوازن المالي والنقدي والاقتصادي.

لناحية وجود حزب الله في لبنان

يأخذ هذا الموضوع حيزًا واسعًا من الضغوط الغربية - الاسرائيلية على لبنان، لناحية التصويب على أسلحة حزب الله النوعية التي ثبتت معادلة ردع وتوازن رعب بمواجهة "اسرائيل"، أو لناحية موقع الحزب كطرف قوي له حضوره من ضمن محور المقاومة، بمواجهة اغلب مشاريع استهداف دول المحور وعلى راسها فلسطين. وقضية فلسطين والحقوق العربية فيها، الاسلامية والمسيحية، هي بأساس عقيدة وعمل ومسيرة حزب الله، وهي كانت ولا زالت البوصلة الرئيسة التي توجه استراتيجيته ومسيرته ومشروعه، من ضمن التكامل بمواجهة "اسرائيل" ووجودها النافر والاستثنائي في تاريخ وجغرافية المنطقة.

ايضًا، ومن ضمن أسباب الضغط على لبنان وعلى حزب الله، وبهدف تسهيل وتمرير مشروع ضم الضفة الغربية، كون لبنان الدولة ملتزم كما حزب الله بمقاومة العدو الاسرائيلي وبمواجهة التطبيع معه، وباعتباره عدوًا اساسيًا ثابتًا، طالمًا أنه يحتل أراضيَ لبنانية وعربية، وطالمًا أنه مستمر بسياسة الاعتداءات والاختراقات اليومية للسيادة اللبنانية.

من جهة أخرى، يبقى لعلاقة حزب الله الجهادية مع فصائل المقاومة الفلسطينية، دور مهم في عرقلة واعاقة استراتيجية "اسرائيل" في مشروع الضم او في "صفقة القرن"، وذلك بطريقة غير مباشرة، من خلال تقوية موقف وموقع وجبهة الفصائل الفلسطينية، وذلك عبر ما لعبه حزب الله أو ما قدمه سابقًا أو اليوم، ككوادر أو كقادة أو كخبراء، في مساعدة مناورة فصائل المقاومة الفلسطينية ضد العدو، لناحية التدريب وتقديم خبراته في قتال "اسرائيل" ومواجهتها، أو لناحية الدعم في مناورة تحصين وتمتين خطوط الدفاع في غزة في الانفاق أو في التحصينات الهندسية الأخرى، أو لناحية المساعدة في ايصال أسلحة نوعية الى القطاع أو في تصنيع أو تطوير أخرى.

انطلاقا مما تقدم، لناحية موقف الدولة اللبنانية غير المتجاوب مع مشاريع اسرائيل المستهدفة للقضية الفلسطينية، وفي عدم القبول بالتوطين وفي الابتعاد عن الضغط على حزب الله ومعارضة موقفه وموقعه من القضية الفلسطينية، أو لناحية دورها (الدولة اللبنانية) كشريك اساسي ورئيسي بالكامل مع حزب الله في مواجهة "اسرائيل" واعتداءاتها ومشاريعها، أو لدورها في التمسك بحقوقها البحرية وعدم الاستسلام للضغوط الاميريكة حول ذلك، أو لناحية دور وموقع حزب الله بقدرته وباسلحته النوعية وبما يملك من امكانيات ردع، في مواجهة "اسرائيل"، بعدوانها الدائم على لبنان، أو بعدوانها ومشاريعها الهدامة والقاتلة للقضية الفلسطينية... انطلاقا من كل ذلك، يمكن وضع الضغوط الضخمة حاليا على لبنان، في الاقتصاد والمال والنقد أو في السياسة والامن والتسبب بفوضى غير مبررة، والهدف الوصول بالدولة اللبنانية الى الاستسلام والرضوخ و"رفع العشرة" طالبة تأمين ما هو ممكن لمنعها من الانهيار الكامل، مقابل الرضوخ وتسهيل مشاريع "اسرائيل" والولايات المتحدة الاميركية بحق القضية الفلسطينية والحقوق العربية المهدورة.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل