آراء وتحليلات
المحاكم الدولية.. وإشكالية اللجوء إليها في انفجار مرفأ بيروت
د.علي مطر
يطرح فريق الرابع عشر من آذار بشكل متكرر، وبعيداً عن اعتبارات السيادة الوطنية، مطلب التحقيق الدولي في انفجار مرفأ بيروت. دعوات هذا الفريق التي تأتي بشكل مريب بمجرد وقوع الانفجار، وقبل معرفة أية معطيات حوله، تنطلق من خلفيات سياسية لا قانونية، لأن القراءة القانونية للحدث لا تظهر وجود مرجحات قانونية تبرر اللجوء إلى محكمة دولية، إذ إن هذه الجريمة لا تنطبق عليها حتى الآن معايير الجريمة الدولية، كما لا توجد مسوغات قانونية تدفع نحو تشكيل المحكمة، إلا ما قد يؤشر إلى طريقة وصول المادة إلى لبنان. وهذا الأمر استطاع القضاء اللبناني اكتشافه. لذلك فإن الجريمة أتت بفعل تقصير مسؤوليين لبنانيين تتم محاسبتهم أمام القضاء المحلي، ومن خلال مؤشرات قانونية يمكن تفنيد هذه القضية التي تأخذ طابع التسييس الاذاري المعهود.
أولاً: الجريمة الدولية وأنواع المحاكم الدولية
الجريمة الدولية، هي كل فعل أو امتناع مخالف للقانون يضر فـي نفس الوقت بمصالح الجماعة المحمية بهذا القانون والذي يرسخ في علاقات الدول الاقتناع أن هذا الفعل ينبغي المعاقبة عليه. ويمكن تصنيف الجرائم الدولية استناداً الى واقع القانون الدولي، بأنها الجرائم التي يرتكبها أفراد بصفتهم الرسمية "أعضاء دولة" ضد مجموعة من الأفراد بدوافع عنصرية أو قومية أو غير ذلك، ويجب أن تتوافر لها أركان عدة شأنها شأن الجريمة الداخلية وهي:
1- الركن المادي: وهـو السلوك المادي اللامشروع الـذي تولـدت عنـه الجريمة.
2- الركن القانوني: أي أن التصرف المرتكب ينتهك نصاً قانونياً موجوداً ويجب الالتزام به.
3- الركن الدولي: هو المميز للاجرام الداخلي عن الجرائم الدولية ومضمونه أن يكون الفعل مخلا بقواعد القانون الدولي الجنائي، وللمصالح الأساسية للمجتمع الدولي.
4- النتيجة: وهي التغير في الأوضاع الخارجية التي كانت على نحو معين قبل ارتكاب الفعل ثم أصبحت على نحو اخر بعد الفعل.
وهناك أربعة أنواع من المحاكم الدولية:
1- المحكمة الجنائية الدولية التي تقاضي الأفراد المتهمين بجرائم العدوان، وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية، التي يرتكبها أفراد.
2- محكمة العدل الدولية وهي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة. وتتولى المحكمة الفصل طبقا لأحكام القانون الدولي في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول.
3-المحاكم الدولية الخاصة: وهذه المحاكم وُجدت منذ نشأة النظام الدولي الحديث بغرض تسوية المنازعات ما بين الدول وفي بعض الأحيان ما بين جهات دولية فاعلة أخرى. وأُنشئت أولى المحاكم الدولية بعد محاكمات طوكيو ونورمبرغ في تسعينيات القرن الماضي للرد على الجرائم التي ارتكبت خلال النزاع في يوغوسلافيا السابقة وعلى أعمال القتل الجماعي في رواندا. وأنشأ مجلس الأمن كلاً من المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة (ICTY) والمحكمة الدولية المماثلة لها لرواندا (ICTR). ويمكن الاطلاع على أمثلة عن هذه المحاكم المختلطة في كوسوفو، والبوسنة والهرسك، وتيمور الشرقية، وسيراليون، وكمبوديا، وفي لبنان في الآونة الأخيرة.
4-النوع الرابع هو المحاكم الوطنية ذات الولاية القضائية العالمية، وهي محاكم دول يطبق نظامها القضائي قاعدة الولاية القضائية العالمية، ويمكن اللجوء إليها عادة في حالة ارتكابات فظيعة لحقوق الإنسان، وفي حالة افتقاد القضاء الوطني شروط النزاهة والعدالة، حيث لا يتبقى أمام ضحايا تلك الانتهاكات سوى اللجوء إلى هذه المحاكم، وهي بعيدة عن الحالة اللبنانية الناتجة عن الانفجار في مرفأ بيروت، وهو ما أشارت إليه دراسة أعدها مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير.
ثانياً: إشكاية تشكيل محكمة دولية لتفجير المرفأ
إذا تمت القراءة والبناء على ما تقدم، مع غير ذلك من المطالعات القانونية التي لا مجال لذكرها، والتطرق إلى تجربة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتي أتت بشكل يخالف القانون الدولي والدستور اللبناني معاً، فإنه من الصعب القول بمبدأ تشكيل محكمة دولية خاصة لتفجير المرفأ، حيث لا توجد أركان جريمة دولية تستدعي تشكيل هكذا محكمة، ولا يمكن الحديث عن مسوغات محددة تسمح بهذه المحكمة، كما أن المحكمة الدولية الخاصة لا تحصل إلا من خلال جريمة تعرّض الأمن الدولي للخطر، وحيث إن ما حصل ليس جريمة دولية، إنما عمل صادر عن فساد محلي وتقصير من قبل مسؤولين محليين، وبالتالي لا يوجد مسوغ قانوني كبير لتشكيل هكذا محكمة فلا يوجد دواع لها.
ناهيك عما تقدم، فإن القانون اللبناني من حيث التشريعات غير قاصر وفق قواعده القانونية خاصة تلك الواردة في قانون العقوبات، عن محاكمة كل من يثبته التحقيق متورطاً بشكل أو بآخر بهدر المال العام أو التسبب بالايذاء الجسدي والنفسي أو التسبب بالقتل سواء المباشر أو غير المباشر. وقد وردت مواد المحاسبة على الجرائم في قانون العقوبات ويمكن النظر إلى المادة 212 التي تنص على أن فاعل الجريمة هو من ابرز الى حيز الوجود العناصر التي تؤلف الجريمة او ساهم مباشرة في تنفيذها. كذلك يمكن الرجوع إلى المادة 213 التي تتحدث عن المشاركة بالجريمة، والمادة الـ 257 التي تنظر في أمر المساهمة في الجريمة وغيرها.
ومن ناحية أخرى، يمكن الإشارة إلى أن لبنان له تجربة مريرة مع محكمة دولية مشبوهة ومسيسة، وبالتالي فإن إعادة التجربة عبر اللجوء إلى مجلس الأمن لتشكيل محكمة دولية جديدة، سيؤدي إلى توتير الأوضاع السياسية اللبنانية، وإلى شق الشارع اللبناني، ويؤدي إلى أزمة سياسية جديدة في لبنان. كل ذلك يجعل اللجوء إلى مجلس الأمن لتشكيل محكمة دولية، تسيطر عليها بشكل أو بآخر الولايات المتحدة الأميركية، كارثياً على لبنان لجهة التحقيق والاتهام، فضلاً عن التكاليف المالية الكبيرة التي لا يمكن أن تتحملها الحكومة على غرار ما حدث مع تأسيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
وقد يقول من يعمل على تسييس القضية، إن القضاء اللبناني فاسد، علماً أن من سيقول ذلك هو نفسه كان يشيد بالقضاء، ولكن في هكذا قضية ليست قضية سرقة من المال العام، وليست قضية محسوبية في مكان ما، إنما قضية تتعلق بالأمن الوطني وتتعلق بارواح كل اللبنانيين، لا يمكن لأحد أن يتحدث عن محسوبيات، بل لا بد أن الدولة اللبنانية ستكون مضطرة أمام شعبها وأمام المجتمع الدولي للمحاسبة، هذا ما سيدفع إلى تشكيل لجنة قضائية نزيهة بعيدة عن المهاترات السياسية، وتقوم بالتحقيق بشكل شفاف ونزيه، وبذلك سيكون التحقيق عبر المحكمة اللبنانية أفضل بكثير من تشكيل محكمة خاصة يوجد فيها أيضاً الكثير من التسييس من قبل دول معروفة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024