معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

المتوسط الملتهب: تنسيق سعودي مصري فرنسي ضد تركيا في لبنان؟
22/08/2020

المتوسط الملتهب: تنسيق سعودي مصري فرنسي ضد تركيا في لبنان؟

سركيس ابوزيد  

تدور اشتباكات سیاسیة كلامیة بین فرنسا وتركیا على أرض الأزمة اللیبیة. وماكرون ینبّه دائما الى المخاطر التي یمثلھا الوجود التركي في لیبیا الذي لا یمكن القبول به، لأنه یشكل تھدیدا لأفریقیا ولأوروبا، متھما تركیا بنقل مرتزقة متشددین من سوریا الى لیبیا. وردت تركیا باتھام فرنسا باعتماد نھج تدمیري في لیبیا، والسعي لتعزیز الوجود الروسي ھناك.

وترى باریس أن تركیا تتصرف بشكل غیر مقبول عبر استغلال الحلف الأطلسي، ولا یمكن لفرنسا السماح بذلك. وترى أن النفوذ التركي یشكل تھدیدًا استراتیجیًا للمصالح الفرنسیة والأوروبیة على السواء، وأن تركیا، في حال نجحت في مشاریعھا، فإنھا ستجذّر حضورھا في لیبیا، وستجعل منھا منصة للتمدد باتجاه بلدان أخرى تشكل، تقلیدیا، مناطق نفوذ فرنسیة. وستكون باریس، ومعھا روما، الخاسرتين الأكبر لأنھما كانتا الأكثر حضورا أوروبیا في لیبیا.

وتعول باریس على الدور الأمیركي. بید أنھا لا تعرف تماما ما تریده واشنطن، حیث ھناك من یرى في الدور التركي وسیلة لصد عودة النفوذ الروسي إلى لیبیا وجنوب المتوسط. ویأمل الفرنسیون أن توضح واشنطن مواقفھا لأنه من غیر الدعم الأمیركي سیكون من الصعب على الأوروبیین ثني أنقره عن خططھا.  

فيما تھتم أنقرة بـ"بقایا الحكم العثماني" في لیبیا، حیث قدمت لحلفائھا مختلف أنواع الدعم، المالي والعسكري والسیاسي، وجعلت منھم قوة لا یُستھان بھا. وھي قوة تنضوي تحتھا رایات مختلفة من الفصائل المتشددة (أھمھا تلك التي یقودھا عبد الحكیم بلحاج، كان مقربا من أسامة بن لادن، یقیم في إسطنبول ویتنقل منھا إلى لیبیا وأماكن أخرى، یحمل جواز السفر التركي، كما یملك شركة طیران تقوم بنقل المسلحین من سوریا إلى لیبیا). لا یخفي إردوغان، الذي أرسل جیشه إلى سوریا والعراق ولیبیا والصومال وأفغانستان والبوسنة، دعمه بعض المتشددين تحت غطاء "الاسلاميين"،  خاصة "في الأماكن التي وطئتھا أقدام العثمانیین". وھو ما یعكس الجانب العقائدي لتحركاته، عله یحقق له مكاسب اقتصادیة تساعده على تجاوز أزمته الاقتصادیة والمالیة الخطیرة.

وتعد الأوساط العسكریة، الأمیركیة والأوروبیة، الطائرات التركیة المسیّرة المتواجدة بكثافة ھناك سببا رئیسا في الانتصارات التي حققتھا قوات حكومة "الوفاق". وھذه الانتصارات تسببت بتوترات جدیة، أولًا بین تركیا وشریكتھا في "الأطلسي" فرنسا، ومع روسیا التي اتھمھا إردوغان أكثر من مرة بإرسال مرتزقة إلى لیبیا لدعم قوات حفتر. كما حركت ھذه الانتصارات الرئیس المصري عبد الفتاح السیسي، الذي أعلن سرت - الجفرة خطًا أحمر لا یسمح بتجاوزه. ودفع ذلك القاھرة لحشد قوات كبیرة على الحدود مع لیبیا، وإرسال كمیات كبیرة من الأسلحة والمعدات إلى قوات حفتر. وقد تلقت مصر دعمًا من الإمارات وفرنسا والسعودیة لموقفھا في الأزمة اللیبیة.

لم ترتب تونس والجزائر من تدخلات تركیا في الفترة الماضیة، على اعتباره نزاعًا لیبیا ـ لیبیا مدعومًا من أطراف خارجیة متعددة. الیوم الخطر جدي، آخذتَین في الاعتبار أن تركیا لن تتوانى عن مد نفوذھا للداخل لو حدثت اختلالات أمنیة ھناك.

یسأل البعض، لماذا یخاطر الأتراك بالحرب في منطقة بعیدة؟ جزء من استراتیجیة تركیا، أن یكون لھا نفوذ في منطقة شمال إفریقیا المھمة لأمن أوروبا، وجودھا یمنحھا نفوذا على دول الاتحاد الأوروبي، ویجبرھا على القبول بمطالبھا.

وسبق ورأینا كیف استخدم إردوغان، ملایین اللاجئین السوریین لفرض مطالبه السیاسیة والمالیة على الأوروبیین. وھذا السیناریو سیتكرر عند سیطرته على لیبیا، وسیبتز الأوروبیین، ویھدد مصر وتونس والجزائر والسودان.  

وتقول مصادر دبلوماسیة مصریة إن فرص تغییر أنقرة لسیاستھا تجاه مصر تكاد تكون معدومة في ظل حكم الرئیس إردوغان، فیبدو أن العداء الذي یكنه لمصر مسألة لھا أبعاد شخصیة لا علاقة لھا بمصالح تركیا الحقیقیة. وما یزید من تعقید الأمور ھو وجود تیار في المجتمع التركي یبالغ في أھمیة دور تركیا في النظام الدولي الجدید الجاري تشكیله، حیث ینظر إلى أن القوى الكبرى (الولایات المتحدة، والاتحاد الأوروبي وروسیا) تسعى إلى تحجیم القوة الصاعدة لتركیا التي یعتبرھا التیار نقطة التوازن بین الشرق والغرب من جھة والشمال والجنوب من جھة أخرى، وارتباطا بذلك ینظر إلى العالم العربي كالفناء الخلفي الذي یمكن من خلاله لتركیا أن تشكل منصة للتصدي لتلك القوى. وھذا یعكس، وللأسف، عقلیة استعماریة تحلم بإقامة العثمانیة الجدیدة. من هنا جاء الدور التركي لتوسيع نفوذه في المتوسط والعالم العربي خاصة في ساحتي اليونان ولبنان.

1 - نشهد حالة من التوتر بین الیونان وتركیا في شأن التنقیب عن الغاز. وقد شددت باریس على أن وجودها العسكري هناك یھدف إلى تأكید التزام فرنسا سلامة الملاحة البحریة في البحر المتوسط واحترام القانون الدولي.  
 
باریس اعتبرت على لسان ماكرون أن تركیا تنتھك سیادة قبرص والیونان بعملیات التنقیب كما أن باریس تعتبر تركیا عامل ضرب للاستقرار في لیبیا ومیاه المتوسط، وھي تنتھك قواعد عمل الحلف الأطلسي، إضافة إلى أنھا من أشد البلدان انتقادا للسیاسة التركیة في سوریا والعراق. تتجه انظار فرنسا نحو ألمانیا لمعرفة ما إذا كانت برلین ستنجح ھذه المرة في وقف التصعید بین الجانبین. ومن جھة أخرى، ترى باریس أن تجمید النزاع یفترض تدخلا أمیركیا مباشرا، وھي تعتقد أنه سیحصل، حیث إن الرئیس الأمیركي الغارق في معركة انتخابیة غیر محسوبة النتائج، لن یسمح بحرب في المتوسط بین بلدین حلیفین نظریا وكلاھما یمتلك سلاحا أمیركیا.

ولا ینتھي التصعید عند الحدود الیونانیة ـ التركیة، بل له امتدادات قبرصیة ومصریة ولیبیة وإسرائیلیة. من ھنا، تنتظر باریس موقفا أوروبیا واضحًا مما تعتبره تصرفا تركیا لا یمكن السكوت عنه، لأنه یضرب بالقانون الدولي عرض الحائط ويعتدي على حقوق عضوین في الاتحاد الأوروبي (الیونان وقبرص). لكن مسألة فرض عقوبات اقتصادیة على أنقره ما زالت بعیدة المنال بسبب الانقسامات الأوروبیة.

2 - من جهة أخرى، انضم لبنان مؤخرا الى خارطة النقاط الساخنة بین فرنسا وتركیا في المتوسط.. انكشف التنافس بینهما على الساحة اللبنانیة بعد انفجار بیروت التي زارھا على الفور الرئیس الفرنسي إیمانویل ماكرون، وتبعه في الیوم التالي نائب الرئیس التركي ووزیر الخارجیة موفدین من إردوغان الذي لم یأت لأسباب أمنیة.

ولكن إردوغان ّوجه انتقادًا عنیفًا لزیارة الرئیس الفرنسي وقال: إن لماكرون أھدافا استعماریة في لبنان، ووصف زیارته  بـ"الاستعراضیة"، وقال: ما یریده ماكرون ھو عودة النظام الاستعماري في لبنان، أما نحن فلا یھمنا التقاط صور أمام الكامیرات، مؤكدا تواجد بلاده في لبنان انطلاقا من روابط الأخوة الأزلیة بین البلدین.

رد الفعل ھذا من جانب إردوغان ھو انعكاس للتوتر الكبیر المتصاعد مع ماكرون في المتوسط، كما یؤشر الى وجود تنافس على أرض لبنان، خاصة بعدما حصل انكفاء ملحوظ في الأنشطة السعودیة والخلیجیة، فاستفادت تركیا وتقدمت لملء الفراغ... فهل يحصل تنسيق سعودي مصري فرنسي ضد تركيا في لبنان؟

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات