آراء وتحليلات
من معادلة الردع إلى معادلة الرعب
عبير بسّام
كما في كلّ مرّة، لا يمكن أن يمرّ خطاب سيد المقاومة السيد حسن نصر الله، مرور الكرام. اذ استحضر السيد نصر الله في عاشوراء هذا العام معادلة أخرى مع العدو الاسرائيلي، هي "معادلة الرعب". وستقود هذه المعادلة المرحلة القادمة من الصراع مع الإسرائيلي، والتي تجلت في حرف وكلمتين: "على رجل ونص". معادلة الرعب جاءت خلال مرحلة تاريخية حرجة، يتهافت فيها بعض العرب نحو التطبيع. وفي هذه الأجواء اللئيمة، وضعت المقاومة قواعد الرعب الجديدة، والتي لا بد أنها ستحدد منحى جديداً في الحرب مع العدو الصهيوني.
لنبدأ من التأكيد الصريح للسيد نصر الله، أن المقاومة لن تعترف بالكيان الاسرائيلي ولو اعترفت الدنيا كلّها، لأن الاعتراف به كدولة، هو أمر باطل، وهذا هو التزام المقاومة والتزام حزب الله، الذي لن يحيد عنه. هذا الإعلان في زمن التطبيع ليس سهلاً، اذ تضمن التأكيد على أن فلسطين يجب أن تستعاد من النهر إلى البحر.
الأمر الثاني الذي تضمن كلاماً مبطناً عن الرعب: عندما تحدث عن السلام المذل الذي توقعه دول عربية اليوم. فعلى الرغم من توقيع الإمارات اتفاقية سلام مع "اسرائيل"، فقد عارضت "اسرائيل" وبشدة استحواذ دولة الإمارات العربية على طائرات "ف 35" المتطورة. الأمر ليس اعتباطياً أو بسيطاً، فـ"اسرائيل" تعيش حالة متجذرة من الرعب تدعى إيران وتجربة الثورة الإسلامية في إيران.
اذ كانت إيران في عهد الشاه دولة صديقة لـ"اسرائيل" وأمريكا، وكانت السكين المسلط لطعن المقاومات العربية في الظهر، وهي بعد الثورة، أصبحت الحديقة الخلفية للمقاومة العربية ضد "اسرائيل"، وغدت العون الحقيقي والمدّ الثوري لها. وبالتالي فقد انتهت المعدات الأميركية وتكنولوجيا السلاح الأميركي والإسرائيلي بيد عدو "اسرائيل" الجديد في الإقليم ألا وهي ايران "الثورة". ومن يعلم! فقد تنتقل تجربة الثورة الإيرانية المعادية للصهاينة إلى الإمارات وغيرها من الدول التي ستوقع أو وقعت معاهدات السلام مع الكيان الغاصب.
الأمر الثالث، الذي شدد عليه السيد خلال خطاباته المتتالية خلال العام 2020، ألا وهو الدعوة للصهاينة للوقوف "على رجل ونص"! ولهذا معنى كبير وعميق. أن يقف الصهاينة هذه الوقفة معناه أنهم عاجزون لا يستطيعون اتخاذ خطوة للأمام، كما أنهم عاجزون عن العودة إلى الخلف. فالعدو لا يعرف كيف يطور قدراته في مواجهة المقاومة، ولا يعرف كيف يمكنه العودة إلى ما قبل 2006. وما يدعيه الصهيوني حول أمن الشمال ليس إلا تخبطاً. فالمقاومة اليوم تمسك بزمام المبادرة من إصبع الجليل وحتى بئر السبع وصحراء النقب. وحتى قوة الصهيوني النووية في داخل المنطقة ليست إلا سلاحاً معطلاً لا يمكن الاعتماد عليه.
وأما المجسمات التي يصرف الإسرائيلي عليها الوقت والجهد من أجل التمويه وصرف انتباه المقاومة عن موقع وتحركات الجنود الصهاينة، فهي دليل على مدى الرعب الذي وصل إليه الإسرائيلي. بات يصنع الروبوتات ويحرك السيارات عن بعد، وهو يجهل ويخاف توقيت العملية ضده، ولحظة الموت التي ستغافله، والصهاينة يخافون الموت ويرهبونه. فالميدان بحسب السيد هو الذي يحدد تحقيق الأهداف وليس الدعاية الإعلامية. وما على الصهاينة سوى انتظار ساعة الحقيقة، وعلى كل جندي صهيوني تحسس رأسه.
لقد كشفت المواقف اللبنانية الأخيرة، ومن قبلها الانتخابات اللبنانية، بناء على القانون النسبي الذي طرح، أن الانقسام في لبنان ليس طائفياً، وإنما هو انقسام بين محورين. واحد مع المقاومة وآخر ضدها. واحد مع نهضة ومنعة لبنان وآخر مع منعة المصارف والمال فيها. واحد ضد الفساد وآخر يكرس الفساد باسم التغيير العشوائي، لأنه لا يعلم ما يريد. وبناء على ذلك، كانت موافقة السيد نصر الله على الاقتراح الفرنسي حول عقد سياسي جديد ما بين اللبنانيين.
فالنظام الطائفي في لبنان أثبت فشله في حماية البلد ومحاربة الفساد فيه. ورأى السيد نصر الله أن في الطرح مخرجا جيدا للنقاش الدائر حول: أي لبنان يريده اللبنانيون؟ وماذا يريد اللبنانيون؟. ووضع أسسا لتحديد هذين المعضلتين. وهل يريد اللبنانيون ذلك عبر المظاهرات واستخدام الشارع لقياس حجم القوى على الأرض؟ أم من خلال الطرق العلمية المعتمدة في العالم، ألا وهي الاستفتاء، أو استطلاع الرأي؟ أم من خلال وضع قانون انتخابي جديد يعتمد النسبية، ولبنان دائرة واحدة، وخارج القيد الطائفي، والذي من شأنه أن يحدد فعلياً ما يريده اللبنانيون؟
مع العلم أن السيد نصر الله طمأن إلى أنّ أيّ تغيير في العقد السياسي اللبناني لن يكون إلّا برضى اللبنانيين جميعاً، وأن الأخذ بالنصيحة الفرنسية لا يكون إلا من خلال الحوار اللبناني- اللبناني.
لقد أوضح السيد الهدف النهائي لالتزام معادلة الردع التي كرستها المقاومة مع الكيان الصهيوني، فهي ليست للانتقام، وإنما تثبيت ميزان الردع والمعاقبة. اذ لا يمكن التغاضي عن التجاوزات الإسرائيلية لجميع المعايير السياسية والأخلاقية والأمنية حين تستهدف المقاومين في أي مكان من العالم. وحتمية معاقبة "اسرائيل"، المتفلتة من القوانين الدولية. لذا كان على الكيان الصهيوني أن يفهم معادلة الرعب الأخيرة التي أعلنها السيد صراحة أن امتداد مساحة الرّد بات من الناقورة إلى الجولان.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
19/11/2024