آراء وتحليلات
الانفتاح الفرنسي على العراق.. هل يهدد نفوذ واشنطن؟
بغداد - عادل الجبوري
كثيرة هي الدلالات والمؤشرات والقراءات التي انطوت عليها الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للعراق، وما تخللها من تصريحات ومواقف وتعهدات، لا يمكن التعاطي معها على أنها جزء من الاستهلاك السياسي والتسويق الاعلامي الآني، بل، لا بد من تحليل مجمل معطياتها من زاوية استراتيجية عميقة، ربما لا تقتصر على العراق فحسب، وانما تمتد الى ما هو أوسع، لا سيما وأن الزيارة جاءت ضمن جولة شملت لبنان، الذي كان ماكرون قد زاره بعد وقوع انفجار مرفأ بيروت مباشرة في الرابع من شهر آب - اغسطس الماضي.
ولا شك أن أي قراءة أو تحليل للحراك والتوجه الفرنسي نحو المنطقة، ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار عدة أمور، حتى ترتكز الرؤية العامة على أرضية واقعية، ومن هذه الأمور، أن
الأمر الآخر، هو أن
اختيار الرئيس ماكرون كلاً من بيروت وبغداد كمنطلقات ومحطات أولى في اطار الحراك الدبلوماسي والسياسي الفرنسي على المنطقة، لم يكن اعتباطيًا وعفويًا، بل إنه على ما يبدو خضع لحسابات دقيقة، ارتبطت بقراءة وتقييم حجم العداء والمشاعر السلبية على الصعيدين السياسي والشعبي حيال واشنطن، فضلًا عن انطباعات راسخة بوجود فارق كبير بين منهج واشنطن ومنهج باريس في التعاطي مع مختلف القضايا والملفات، رغم تبعية وانسياق الأخيرة وراء الأولى في مراحل ومنعطفات عديدة.
وما تجدر الاشارة اليه هو أن زيارة ماكرون لبغداد، استبقتها زيارتان، الأولى لوزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان في تموز - يوليو الماضي، ومن ثم زيارة وزيرة الدفاع فلورانس بارلي أواخر شهر آب - اغسطس الماضي.
ولعل مشهد زيارة ماكرون لبغداد، كان ملفتًا وحافلًا، من حيث طبيعة الاستقبال الرسمي وتعدد اللقاءات والاجتماعات مع رؤساء السلطات الثلاث وزعماء القوى والتيارات السياسية المختلفة، فضلًا عما تحدث به وطرحه من مواقف وتوجهات ازاء العراق، وكل ذلك كان مختلفًا تمام الاختلاف عن الزيارات التي قام بها كبار المسؤولين الأميركيين للعراق، وفي مقدمتهم الرئيس دونالد ترامب، الذي جاء قبل أكثر من عام ونصف خلسة بعد منتصف الليل، وبطائرة مطفأة الأنوار، ولم يأت الى بغداد ولم يلتق بأي من الساسة والقادة العراقيين، واكتفى بلقاء سريع مع بضع مئات من الجنود الأميركيين في قاعدة عين الأسد العسكرية بمحافظة الأنبار!
الى جانب ذلك، فإن
قد يكون من غير الصحيح الاستغراق في التفاؤل والحماس للخطوات والمبادرات الفرنسية، لأن حسابات ومصالح دولة مثل فرنسا ليس بالضرورة أن تأتي منسجمة ومتوافقة مع المصالح الوطنية العراقية أو مصالح دول المنطقة، بيد أنه في ذات الوقت من المهم جدًا بالنسبة للعراق الانفتاح على مختلف الأطراف الاقليمية والدولية، لا سيما صاحبة التأثير الكبير، مثل الصين وروسيا وفرنسا وايران وغيرها، للاستفادة من مختلف التجارب والامكانيات، وللحد من النفوذ والهيمنة الأميركية وعدم رهن البلاد واخضاعها لمصالح ومزاجيات وأهواء واشنطن التي غالبًا ما تكون خلاف المصالح الوطنية، وهذا ما أثبتته وأكدته التجارب السابقة، وتؤكده وتثبته مجمل المواقف والتوجهات الراهنة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024