معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

خلفيات الدور الفرنسي اتجاه لبنان.. هل من ثقة؟
04/09/2020

خلفيات الدور الفرنسي اتجاه لبنان.. هل من ثقة؟

شارل ابي نادر

لم يكن انفجار مرفأ بيروت وما نتج عنه من خسائر كارثية في الأرواح والممتلكات والاقتصاد حدثًا عاديًا، يمكن المرور عليه مرور الكرام وكأنه انفجار تقليدي مر على لبنان مثله، ولكن يمكن القول إن تداعياته قد سببت كارثة وطنية وتاريخية غير تقليدية، تعجز عن مواجهتها أغلب الدول القادرة والمتمكنة اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، فكيف بلبنان الذي يعاني أساسًا من دون هكذا انفجار غير عادي، ما يعانيه من انهيار مالي واقتصادي واجتماعي، بالاضافة لما يعيشه حاليًا من تداعيات لوباء كورونا، على الصعيد الصحي والاجتماعي والاقتصادي.

ايضًا، لم تكن مفاجئة ردة فعل أغلب الدول الخارجية تجاه الكارثة، والتي هرعت لتقديم المساعدة الفورية، بما تضمنته من حاجات طبية وانسانية واجتماعية ضرورية، وقد تغاضت بعض هذه الدول عن الدور الذي كانت تلعبه ضد لبنان قبل الانفجار، من ضغوط اقتصادية ومالية، على خلفيات سياسية واستراتيجية تتعلق بفرض توجهات معينة ومحددة، يصب أغلبها ضمن استراتيجية الغرب وعلى رأسه واشنطن، نحو تقديم تنازلات خاصة بتمرير "صفقة القرن" والتطبيع مع العدو الاسرائيلي.

 المفاجىء في ذلك، والذي يدعو للتعجب والمتابعة، هو الدور الفرنسي الحالي تجاه لبنان، والذي تمثل في الشكل بداية بزيارتين للرئيس ماكرون في مدة قصيرة، وما قام به من جولات ميدانية تتعلق بمتابعة تداعيات الانفجار، وفي المضمون، لجهة ما قام به من ضغوط ومتابعات واجتماعات سياسية وديبلوماسية داخليًا وخارجيًا، نحو تسهيل الأجواء لتكليف رئيس حكومة جديد بعد استقالة الرئيس دياب على خلفية الانفجار، ولاحقًا في إطار مبادرة سياسية متشعبة، فيها أجندة واسعة من السياسة ومن الاجراءات الاقتصادية والقضائية والادارية، ترمي الى تحقيق نقلة نوعية لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة، بهدف تأمين الدعم الدولي الذي يحتاجه لبنان بقوة.

فهل يمكن الوثوق بهذا الدور الفرنسي والارتماء في أحضانه كما ظهر خلال زيارتي الرئيس ماكرون الى لبنان، وخاصة في الأخيرة منها؟  وكيف يمكن التعامل مع هذه المبادرة، والتي لا يمكن فصلها عن أهداف ومصالح فرنسية بداية، أو عن أجندة غربية، حتمًا لواشنطن أصابع فيها؟

جوهر المبادرة الفرنسية تجاه لبنان، والتي ظهرت في خطة عمل الادارة الفرنسية، عبر كلام الرئيس ماكرون أو عبر المتابعة الرسمية للادارة الفرنسية حول المواضيع المتعلقة بها، يمكن اختصارها (في الظاهر على الاقل حتى الان) بنقطتين: اجراءات مطلوب من الدولة اللبنانية القيام بها، والنتائج المقابلة لذلك، امتيازات ومكاسب في حال تنفيذ المطلوب، أو عقوبات وانهيارات في أكثر من مجال، في حال تخلفت الدولة عن تنفيذ المطلوب.

خلفيات الدور الفرنسي اتجاه لبنان.. هل من ثقة؟

من هنا، تأتي أهمية ما هو مطلوب من الدولة اللبنانية القيام به، حول الإصلاحات الإدارية والاقتصادية والمالية والقضائية، والتي فشل السياسيون اللبنانيون في إقرارها سابقًا، وفي هذا المجال، يملك اللبنانيون وخاصة الاختصاصيين منهم، من اقتصاديين وقانونيين، الحد الأدنى من مستوى الادراك لأهمية وضرورة تلك الاصلاحات، وكيف أنها ستكون حتمًا لمصلحة الدولة والشعب في لبنان، فيما لو نفذتها السلطة اللبنانية، الأمر الذي لا يمكن اعتباره لمصلحة فرنسا، أو لمصلحة أجندتها غير الظاهرة أو مشروعها الخفي، فيما لو كان ذلك واردًا.
 
لناحية العواقب التي تهددنا بها فرنسا فيما لو تخلفنا عن تنفيذ المطلوب، ادرايًا وماليًا وقضائيًا، فهي من جهة تتعلق بوقف التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وتعليق مقررات مؤتمر سيدر، ومن جهة أخرى، قد تكون متعلقة بفرض عقوبات على مجموعة من السياسيين اللبنانيين.

لناحية وقف التفاوض مع صندوق النقد الدولي، أو لناحية تعليق مقررات مؤتمر سيدر ومنح لبنان عبره عقودًا وقروضًا طويلة الأجل، فإن عدم تنفيذ الاصلاحات المطلوبة، سَيُبقي أبواب الهدر والفساد والسرقة مفتوحة على مصراعيها، الأمر الذي لن يحصّل الفائدة المرجوّة من أموال سيدر أو أموال صندوق النقد الدولي، والتي سوف تتبخر بسرعة البرق كما تعودنا.

 لناحية مصادرة أموال السياسيين اللبنانيين التي هربوها الى خارج لبنان بعد الازمة المالية التي ضربته، والتي حصلوا عليها أساسًا من خلال استغلال مراكزهم  ومواقعهم الرسمية في الإدارة والوزارات اللبنانية، فإن هذه المبالغ - الضخمة جدًا والقادرة على تحسين وضع الخزينة اللبنانية بنسبة كبيرة - هي أساسًا أموال الشعب والخزينة العامة، والتي فيما لو كانت قيمتها صحيحة كما تم الحديث (غير المؤكد)، فإنها تشكل رافعة ضخمة للمالية اللبنانية، نحن بأمس الحاجة اليها، وهذا أيضًا سيكون لمصلحة الدولة اللبنانية والشعب، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

من هنا، وحتى الآن، فإن الاصلاحات المطلوب من لبنان تنفيذها، تقع في مصلحة الدولة أولًا، الأمر الذي لا يمكن منطقيًا رفض المبادرة الفرنسية بسببه.

أما لناحية ما يمكن أن تكون فرنسا قد خططت للوصول اليه من نقاط غامضة عبر استعمال هذه المبادرة كغطاء ظاهر، والتي من الممكن أن تتعلق بالمسّ بالسيادة اللبنانية أو بسلاح المقاومة أو بالدفع نحو التطبيع مع العدو الاسرائيلي، حيث تندرج هذه النقاط عادة في اطار الاستراتيجية الاميركية تجاه لبنان، فإن اللبنانيين، من مسؤولين رسميين في السلطة حاليًا، وخاصة رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، أو من مسؤولي المقاومة، لديهم من الخبرة والحكمة الكافية لفهم ومواجهة هذه المشاريع الخارجية الحساسة، والمرتبطة بالاشتباك والصراع مع العدو، أو بالمشاريع المرتبطة معه بطريقة غير مباشرة، من ترسيم حدود برية أو بحرية، أو من نقاط خفية أخرى، كان يحاول دائما مقاربتها من خلال ربط نزاع خفي برعاية أميركية.
 
وهكذا، يمكن القول إنه لا خوف من المبادرة الفرنسية، فاللبنانيون الصادقون والوطنيون، لديهم ثقة كبيرة بأنفسهم وبأنهم لن يفرطوا بسيادتهم وبمبادئهم الثابتة، وهم بالمرصاد لأي محاولة غربية أو فرنسية تحاول تجاوز تلك المبادىء، إنما ما يهمهم فقط هو الوضع الاقتصادي والمالي المُنهار، والذي يحتاج لمعالجة فورية، وخارجية بالتحديد، حيث لم يعد ينفع أي مسار داخلي لتلك المعالجة المطلوبة، ولا مشكلة بأي مساعدة خارجية  الاّ من العدو الصهيوني، والأهم هو الثبات على المبادىء التي لن ينجروا الى التنازل عنها فهي المسلمات الأساسية التي ضحوا كثيرًا في سبيل تحقيقها.

ايمانويل ماكرون

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل