آراء وتحليلات
بعد انفجار المرفأ.. جمعيات تفرخ بالمئات وتبيع الناس الأوهام
د. علي مطر
نقاش كبير فتح في لبنان مع انفجار مرفأ بيروت، حول فوضى الجمعيات الأهلية والمدنية، التي تكاثرت وتعددت، وما رافقها من فوضى أيضا واستنسابية في تلقي وتوزيع المساعدات الدولية وغيرها، التي تم حصرها في أغلب الأحيان بما يسمى منظمات المجتمع المدني. ولا شك أن الجمعيات الأهلية والمدنية عادة ما تلعب دور المساند لمؤسسات الدولة في مثل هكذا كوارث، حيث تعجز دول كبرى عن التصدي وحدها لكوارث ضخمة كحادثة انفجار المرفأ الذي وصل عدد الشهداء جراءه إلى 190 شهيداً فيما وصل عدد المفقودين إلى 3 وبلغ عدد الجرحى 6500 جريح فيما خلف الانفجار نحو 300 ألف شخص بلا مأوى، وبحسب منظمة "اليونيسف" لا يزال هؤلاء يواجهون "نقصاً في الوصول إلى خدمات المياه الآمنة والصرف الصحي".
أما على صعيد الممتلكات، فقد تضرّر بشكل مباشر من كارثة المرفأ نحو 70 ألف وحدة سكنية أي أكثر من 200 ألف شقة سكنية، وتتراوح الأضرار فيها بين "الدمار والأضرار البسيطة"، ويتراوح متوسط تكلفة إعادة اعمار أو ترميم المبنى الواحد بين 25 ألف دولار و200 ألف دولار، ويبلغ إجمالي إعادة تجهيز 200 ألف شقة ملياري دولار. كما يتراوح عدد المحال التجارية المتضررة بين 1500 و2000 محل فيما لا يوجد احصاء دقيق لعدد السيارات المتضررة. ولحقت الأضرار بنحو 34 مدرسة كما تضررت 9 مستشفيات. كذلك بلغ عدد البيوت التراثية المتضررة 600، 80 منها متضررة بشكل كبير، و520 متضررة بشكل بسيط إلى متوسط، وفق الأرقام التقريبية لمديرية الآثار في وزارة الثقافة، وتكلف أعمال الترميم لهذه البيوت 300 مليون دولار.
مئات الجمعيات وآلاف المتطوعين بدأوا عقب انفجار مرفأ بيروت بالمساهمة في عمليات رفع الأنقاض وتقديم المساعدات، حيث تتعدد أسماء الجمعيات الموجودة في لبنان، وتعمل وفق أهداف مختلفة، إلا أن معظمها يحصل على مساعدات ودعم خارجي، ويعمل بعضها وفق برامج تتلاءم مع الدول التي تدعمها. ووفق مصادر مطلعة يوجد في لبنان حالياً ما يقارب 11000 جمعية، يعمل منها حالياً في تقديم المساعدات نتيجة انفجار مرفأ بيروت ما يقارب 6000 جمعية، فيما يقارب عدد الجميعات التي تحصل على المساعدات وتوزعها الـ 300 جمعية.
جهات عدّة سارعت الى تأسيس جمعيات بأسماء مختلفة، بحسب مصادر متابعة، وذلك من أجل الحصول على المساعدات التي ستأتي للمتضررين من انفجار المرفأ أو للمشاركة في إعادة الاعمار. وقد لفتت إلى أن هناك العديد من منظمات وجمعيات المجتمع المدنى بدأت تطفو على السطح بعد الانفجار، حيث تم حصر جزء كبير من المساعدات بهذه المنظمات، التي بدأت تتمدد وتأخذ دور المؤسسات الحكومية وبلدية بيروت، مع تسجيل فوضى في عملها بعد ارسالها مئات المتطوعين إلى العمل الميداني.
وهنا تطرح تساؤلات عدة، لماذا حصر المساعدات بهذه الجمعيات؟ لماذا محاولة تغييب دور مؤسسات الدولة تحت مسمى الشفافية والنزاهة؟ هل أن هذه الجمعيات تتمتع بالشفافية أكثر من الدولة؟ من سيتابع الجمعيات التي بدأت "تفرخ" بالعشرات؟ إلى من تتبع هذه الجمعيات؟ ومن يضمن أن لا تذهب الأموال التي ستصل إليها إلى مصادر محددة دون أن يستفيد منها المتضررون؟ وهل يعقل لدولة أن تتخلى عن مسؤولياتها وتسلمها إلى جمعيات المجتمع المدني؟ هل أن بإمكان هذه الجمعيات أن تقوم بدور الدولة؟ ولماذا تحل هذه الجمعيات التي تعمل في كثير من الأحيان على أساس طائفي أو حزبي وتقدم لأشخاص معينين هذه المساعدات دون آخرين محل الدولة؟
الكثير من الجميعات تبيع الناس أوهاماً من أجل أن تحصل على مكاسب من المساعدات الخارجية، ولذلك أسئلة عدة تطرح حول دور بدا مشبوهاً، يقوم على توسيع عمل هذه المنظمات على حساب الدولة في سابقة لا تحصل عادة في الدول التي تتمتع بالسيادة والاستقلال وتمتلك مؤسسات رسمية، حيث من الطبيعي أن تعمل هذه الجمعيات بشكل مساند لمؤسسات الدولة، وتحت رعايتها، وليس العكس.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024