آراء وتحليلات
تراجع الأمن العربي.. مسار التطبيع من كامب دايفيد الى بلاير هاوس
د. علي مطر
يمتلك العالم العربي موقعاً جغرافياً استراتيجياً هاماً، يجعله محطّ أنظار الدول الخارجيّة، لا سيّما الدول التّي لطالما تعاقبت على استعمار دوله واحتلالها، والذي لا يزال ماثلاً في الاحتلال "الإسرائليي" لفلسطين والجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية، فضلاً عن أطماعه بمصر والأردن سوريا والمنافذ المائيّة لبعض الدول العربية، وهذا ما يجعل أمنه معرضاً للخطر بشكل دائم.
ويُعدّ الأمن القوميّ من الأمور الهامّة التّي تتصدّر أولويّات الدول ومنها الدّول العربيّة، لما من أهميةٍ لوجود الأمن والاستقرار على حياة الشّعوب وتطوّرها، إلاّ أنّ المنطقة العربيّة لا تزال تمرّ بأزماتٍ متعدّدةٍ، تؤثّر على أمنها القوميّ، خاصةً في غياب أمنٍ قوميٍّ مشتركٍ بينها. وتُعدّ المنطقة العربية من المناطق التي شهدت صراعاتٍ ونزاعاتٍ دائمةٍ على مرّ التاريخ. وهي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، وذلك في ظل غياب التنسيق العربي والإقليمي للحدّ منها للحؤول دون تهديد أمن الإقليم بأكمله.
لقد
تزعزع مفهوم الأمن العربي بدءاً من العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 مروراً بحرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، وقد شهدت السّاحة العربيّة أربع جولاتٍ من الصراع العربيّ - الإسرائيليّ منذ الإعلان عن "إسرائيل" في أيار/ مايو 1948 وحتى حرب تشرين الأول/ اكتوبر 1973، لكن تفاقم تراجع الأمن العربي مع انطلاق اتفاقيات السلام في مسار تطبيعي مع الإحتلال الإسرائيلي والذي سنعرضه تباعاً وصولاً إلى الاتفاق البحريني الاماراتي الإسرائيلي، حيث كانت باكورة اتفاقيات الذل هذه اتفاقية كامب ديفيد التي وقعها الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن في 17 سبتمبر/ايلول 1978 إثر 12 يومًا من المفاوضات السرية في كامب ديفيد. تم التوقيع على الاتفاقيتين الإطارية في البيت الأبيض وشهدهما الرئيس جيمي كارتر وثاني هذه الأطر (إطار لإبرام معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل) أدى مباشرة إلى معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل 1979.
بعد ذلك وفي 9 فبراير/شباط 1982 أعلن الرئيس الروسي ليونيد بريجنيف خطة سلام بين العرب وإسرائيل، وفي 9 سبتمبر/أيلول 1982 تبنى العرب للمرة الأولى في قمة فاس خطة مشتركة للسلام تقضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس. وفي 25 يوليو/تموز 1982 أعلن ياسر عرفات في بيروت قبوله بكل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين. ومن ثم استأنفت مصر وإسرائيل في 3 ديسمبر/كانون الأول 1985 المفاوضات بشأن منطقة طابا في سيناء، وفي منتصف مارس/آذار 1989 استعادت مصر طابا من إسرائيل وهي آخر أرض مصرية محتلة منذ عام 1967.
مؤتمر مدريد
في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1991 عقد أول اجتماع مفاوضات بين العرب والإسرائيليين في إطار عملية السلام فيما عرف بمؤتمر مدريد، وغابت سوريا ولبنان وفلسطين عن أول جولة في المفاوضات متعددة الأطراف بين العرب وإسرائيل في موسكو يومي 28 و29 يناير/كانون الأول 1992.
اتفاق أوسلو 1993
قام الاتفاق على أساس معادلة الأرض مقابل السلام، وعلى أساس حق إسرائيل في الوجود ومنظمة التحرير ممثلة للشعب الفلسطيني، وبعد حرب الخليج الثانية وقبول العرب بمبدأ الأرض مقابل السلام في محادثات مدريد، أبرمت اتفاقيات ثنائية على المسارين الفلسطيني والأردني في حين تعثرت على المسار السوري اللبناني.
تضمن الاتفاق اعترافا متبادلا بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بحق إسرائيل في الوجود وبأن منظمة التحرير الفلسطينية هي ممثلة الشعب الفلسطيني، وتم توقيعه يوم 10 سبتمبر/أيلول 1993 في أوسلو. كما تضمن إعلان مبادئ لتحقيق السلام والانسحاب الإسرائيلي التدريجي من الضفة وغزة، وتشكيل سلطة فلسطينية منتخبة ذات صلاحيات محدودة، وبحث القضايا العالقة بما لا يزيد على ثلاث سنوات مثل المستوطنات واللاجئين وغيرها.
اتفاق وادي عربة
في يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 1994 وقع الملك الأردني الراحل حسين ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين والرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، اتفاقية وادي عربة وشملت عدة مواد أهم ما فيها أنها ترسي مبادئ عامة من الاعتراف والاحترام المتبادل والتعاون الاقتصادي، وتبين الحدود وتقر ترتيبات أمنية ضد اختراقها وضد ما يسمى الإرهاب، كما تناولت المياه وإقامة علاقات طبيعية. أحالت الاتفاقية قضية اللاجئين إلى اللجنة المتعددة الأطراف، واعترفت للأردن بدوره الخاص في رعاية الأماكن المقدسة في القدس.
المغرب
في نهاية سبتمبر/أيلول 1994 قرر المغرب و"إسرائيل" فتح مكاتب ارتباط في كلتا الدولتين، لكن الرباط أغلقته في أكتوبر/تشرين الأول 2000.
تونس
وفي مطلع أكتوبر/تشرين الأول 1994 اتفقت تونس وإسرائيل على فتح مكتبين للتمثيل التجاري في كل منهما.
جيبوتي
اتفقت جيبوتي وإسرائيل على تطبيع العلاقات يوم 12 ديسمبر/كانون الأول 1994.
قطر
وافتتحت قطر يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1995 مكتب تمثيل في غزة، لكنها أعلنت في قمة غزة بالدوحة يوم 16 يناير/كانون الثاني 2009 إغلاقه.
تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني
ألغت منظمة التحرير الفلسطينية من ميثاقها الوطني كل البنود التي لا تعترف بإسرائيل يوم 24 أبريل/نيسان 1996.
تعثر التطبيع
في نهاية مارس/آذار 1997 أوصى وزراء الخارجية العرب المجتمعون في القاهرة بإيقاف خطوات التطبيع التي جرى اتخاذها مع إسرائيل في إطار عملية السلام، وإيقاف التعامل معها بما في ذلك إغلاق المكاتب والبعثات إلى أن تنصاع إسرائيل لمرجعية مدريد ومبدأ الأرض مقابل السلام وتنفيذ الاتفاقات والتعهدات التي توصلت إليها مع الأطراف المعنية.
تطبيع موريتاني
وفي إطار التطبيع أعلن يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول 1999 عن إقامة موريتانيا و"إسرائيل" علاقات دبلوماسية بينهما، غير أن موريتانيا التزمت بمقررات قمة غزة بالدوحة الطارئة بإغلاق السفارة الإسرائيلية لديها في مارس/آذار 2009 بعد قرار صادر عن قمة الدوحة في نفس العام.
المبادرة السعودية
تبنى القادة العرب في قمة بيروت يوم 28 مارس/آذار 2002 مبادرة السلام السعودية على أساس السلام وإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل في مقابل انسحابها الكامل من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل لـ3.8 ملايين لاجئ فلسطيني. وقد أعلن ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز في القمة الاقتصادية العربية التي عقدت بالكويت في يناير/كانون الثاني 2009، أن المبادرة لن تبقى على الطاولة إلى الأبد.
الاتفاق الثلاثي الإسرائيلي – الإماراتي - البحريني
وفي قمة اتفاقات الذل في القرن الواحد والعشرين، وقعت كل من "إسرائيل" والإمارات العربية المتحدة والبحرين اتفاقيتين تاريخيتين لتطبيع العلاقات في البيت الأبيض بالعاصمة الأمريكية واشنطن، بحضور رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزيري الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد والبحريني عبد اللطيف الزياني.
هذه الاتفاقات والتي ستعد المفتاح لاتفاقات مذلة أخرى، ستزيد من المشاكل العربية وتفاقم تراجع الأمن العربي خاصةً أن الدول العربية لم تستطع حلّ النزاعات والخلافات فيما بينها، في حين أنّ هناك دولاً إقليميةً تفرض نفسها كقوىً مؤثرةٍ بالسياسة الدولية. وستجعل هذه الاتفاقات الدول العربية أمام تحديات أكبر في وجه شعوبها، خاصةً أن النظام العربي لم يعد يلائم ما تمرّ به الدول العربية من تقلباتٍ وتحدياتٍ أمنيّةٍ، كادت أن تؤدي، ولا تزال، إلى تفكّكها إن لم تسارع إلى تحسين أوضاعها وتمتين علاقاتها وتوحّدها لمواجهة هذه التحدّيات.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الاتفاقات ستسقط كلياً فكرة بناء نظام إقليمي عربي مشترك، حيث أن المنطقة العربية تمتلك مؤهلات لبناء هذا النظام، لكن مفهوم النظّام الإقليميّ العربيّ الذي يُشير إلى منظومة البلاد العربيّة من موريتانيا إلى الخليج، والتّي يربط بين أعضائه عناصر التّواصل الجغرافيّ والتّماثل في عددٍ من العناصر اللغويّة والثقافيّة والتاريخيّة والاجتماعيّة مع وجود تفاعلاتٍ بين أعضائه وإن كانت متفاوتة، والتي تعد الأقرب إلى بناء نظام موحد لن تجد سبيلاً إلى إقامة هذا النظام، بل ستشهد المزيد من التأزم في العلاقات العربية العربية وتراجع لأمنها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024