معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

القروض السكنية.. هل يعيد التعميم الأخير الثقة بقطاع العقارات؟
31/01/2019

القروض السكنية.. هل يعيد التعميم الأخير الثقة بقطاع العقارات؟

العهد

انتهت رحلة الشهور بانتظار عودة قروض الإسكان التي غابت بعد استمرارية عشرين عاماً بتعميم الأمس أصدره المصرف المركزي تحت رقم 515 عدل فيه القرار الأساسي رقم 6116 الصادر عام 1996 المتعلق بالتسهيلات الممكن أن يمنحها للمصارف والمؤسسات المالية. وقد شكلت القروض السكنية حيزاً كبيراً من هذا التعميم.

فقد أشار المصرف المركزي في التعميم إلى أن القروض السكنية الممنوحة بالليرة اللبنانية من المصارف كافة ستكون 790 مليار ليرة لبنانية تقسم إلى قسمين: 490 مليار ليرة مخصصة للقروض الموافق عليها مسبقا من قبل المصارف عام 2018، و300 مليار ليرة تمنح في عام 2019. أما على صعيد الفوائد على القروض فقد أوضح المصرف المركزي أن القروض السكنية التي تمنح استنادا إلى البروتوكول الموقع مع المؤسسة العامة للإسكان سوف لن تقل عن 5.5%، أما تلك التي سيمنحها مصرف الإسكان فستبلغ 3%.

وبالمقاربة مع سياسة المصرف المركزي بعدم إرهاق قيمة الليرة عبر زيادة ضخها بالسوق، فإن محدودية القروض تظهر التزام المصرف المركزي بهذه السياسة. الأرقام التي سبقت توقف القروض الممنوحة بعيدة عما سوف تقدمه المصارف بحسب هذا التعميم. سقف قروض الإسكان المدعومة كان قد وصل إلى 1.2 مليار ليرة لبنانية عام 2017. كان يهدف المصرف المركزي بهذه الخطوة الى تحفيز الطلب على الشقق السكنية كي لا تهبط الأسعار ويدخل لبنان بدوامة أزمة العقارات. أما الآن فقد لجأ المصرف المركزي إلى دعم مخفف لهذا القطاع. فالفوائد على القروض الممنوحة من المصارف بدعم من المصرف المركزي كانت 4.75% لتصبح الآن 5.5%.

شكل غياب القروض السكنية صدمة على واقع أحد أهم القطاعات الإنتاجية في البلد، قطاع العقارات. فالسياسة الممنهجة من قبل المصرف المركزي أنمت القطاع وأدت إلى زيادة الاستثمار فيه وجعلت منه قطاعاً قليل المخاطر نظراً لأسعار الشقق والأراضي المتجهة صعوداً بوتيرة دائمة بناء على الطلب المتزايد عليها في ظل القروض المدعومة التي يمنحها المصرف المركزي.

بناء على هذه السياسة، تكوّنت علاقة ترابطية ما بين قطاعي العقارات والمصارف. فالقروض الإسكانية باتت إحدى ركائز استثمارات المصارف. وبالتالي إن الخطر الذي تربص بلبنان نتيجة توقف الدعم على القروض السكنية كان يهدد قطاع العقارات وقطاع المصارف اللذين يشكلان ركائز الناتج المحلي اللبناني. إن مجرد عودة القروض السكنية مؤشر إيجابي للمستقبل. فرغم محدودية التعميم وحيثياته التي قد تصب في مصلحة أصحاب الأموال، فإن هذا التعميم سيعيد الثقة إلى حدّ كبير بقطاع العقارات وبثبات أسعار الشقق وبالتالي تقليص المخاطر التي كانت قد لاحت بالأفق بانهيار أسعار الشقق وما قد يتوالى عنها من أزمات مالية.

غالبا ما تقوم المصارف المركزية بدعم القطاعات الإنتاجية لما تشكله حركة إنتاجها من عوائد على نمو الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات البطالة، إلا أن اقتصار هذا الدعم على قطاع العقارات جعل من أسعار الشقق لبنان خيالية. علاوة على ذلك، إن دعم هذا القطاع محدود الأثر على الصادرات. فسياسات الدعم يجب أن ترتكز على القطاعات الإنتاجية القابلة للنمو، والقادرة على تقليص العجز في الميزان التجاري، والجاذبة للاستثمارات الخارجية.

إن تجربة القروض السكنية المدعومة تشكل ناقوس إنذار حول سياسات المصرف المركزي حيال دعم القطاعات. فهذه القروض دعمت أصحاب العقارات من خلال مضاعفة أسعار الشقق كما دعمت المصارف. ولكن لبنان بحاجة إلى تنمية قطاعات أخرى تشكل حضنا للطبقة المتوسطة لعل أبرزها القطاع التكنولوجي. فالأزمة التي لم تقع اليوم قد تقع في المستقبل، واستنزاف الدعم على قطاع العقارات كوّن فقاعة. ذلك أن حلّ الأزمة لا يكمن بإعادة إحيائها بل بالتعايش معها لحين تمكين القطاعات الأخرى عبر دعمها.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل