معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

أزمة تونس الجديدة.. هل بدأ الصراع بين القصبة وقرطاج؟
24/09/2020

أزمة تونس الجديدة.. هل بدأ الصراع بين القصبة وقرطاج؟

تونس - روعة قاسم

يبدو أن قدر التونسيين أن يعيشوا على وقع حالة عدم استقرار سياسي دائم وصراعات متواصلة تأخذ في كل مرة شكلًا جديدًا بين الأقطاب والفاعلين السياسيين، فقد جاء اعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد عن رفضه للتعيينات الأخيرة الصادرة عن رئيس الحكومة هشام المشيشي إثر تعيينه لبعض الأسماء كمستشارين ضمن فريقه الوزاري، ليؤشر الى مرحلة جديدة من الصراع بين حاكم قرطاج وساكن القصبة أي بين رئيسي الجمهورية والحكومة. فقد أكد رئيس الجمهورية التونسي قيس سعيد رفض تعيين أي شخص من نظام زين العابدين بن علي في المناصب الحكومية قبل أن ينتهي القضاء من النظر في قضيته. وجاء ذلك في بيان أصدرته الرئاسة التونسية عقب اللقاء الذي جمع سعيد برئيس الحكومة هشام المشيشي.

لم يمرّ شهر بعد على تسلم المشيشي مقاليد السلطة، حتى بدأ الجدل يدور حول هذه الحكومة والتعيينات التي صدرت عنها، رغم أن العنوان الأساسي لتشكيل هذه الحكومة في البداية هو "حكومة كفاءات مستقلة غير حزبية". ويبدو أن المشيشي اليوم في وضع لا يحسد عليه وهو بين أحد الخيارين: إما الرضوخ لإرادة الرئيس وإلغاء التعيينات، أو مواصلة ما بدأ به، مما يعني الدخول رسميًا وعلنيًا في مرحلة الصراع والتجاذبات السياسية مع كل ما سيتركه ذلك من تداعيات سلبية على الاقتصاد الهشّ والواقع الاجتماعي الصعب.

يشار الى أن تونس كانت قد شهدت في فترة حكومة يوسف الشاهد حالة من البرود والصراع بين رئيس الحكومة آنذاك يوسف الشاهد ورئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي، أدت الى تحالف الشاهد مع خصوم السبسي السياسيين وفي مقدمتهم حركة "النهضة". فهل يعيد اليوم المشيشي السيناريو نفسه مع كل انعكاساته وتداعياته؟

سهام النقد بدأت تتجه الى الحكومة، لعل أبرزها من حركة "الشعب" التي انتقدت بشدة التعيينات الأخيرة معتبرة أنها تأتي في طار إعادة افراز "النظام القديم" مشيرة الى أن هذه التعيينات الجديدة هي من المؤشرات السيئة. وكانت حركة "الشعب" قد دعت سابقا الى تكوين ائتلاف برلماني لضمان الاستقرار الحكومي، والتوازن داخل مجلس نواب الشعب ضد كل من حركة "النهضة" وقلب تونس وائتلاف الكرامة ومن معهم من أجل فسح المجال أمام حكومة المشيشي للعمل بأريحية أكثر وضمان غالبية برلمانية هامة لتمرير مشاريع القوانين دون عراقيل، وذلك لكي تتمكن من إخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية. الا أن التعيينات الأخيرة أثارت حفيظة قيادات حركة "الشعب" مما يضع مبادرة الاتئلاف البرلماني في مهب الريح مجددًا.

يضاف الى ذلك قيام رئيس الحكومة بزيادة أجور ومخصصات الوُلاة في تونس في خضم وضع دقيق تمر بها البلاد التي تواجه جائحة كورونا بقدرات صحية واقتصادية ضعيفة بسبب نقص التمويلات المالية. ويبدو أن هذه القرارات الأخيرة التي صدرت عن الحكومة -بالنسبة للبعض- لا تبشر بخير بالنظر الى حجم الانتقادات الواسعة الذي أثارته، سواء في مستوى الأحزاب والسلطة وحتى في مستوى رئاسة الجمهورية الذي كان قد اقترح بنفسه اسم هشام المشيشي ووضع ثقته في شخصه للخروج بالبلاد من محنتها الاقتصادية والسياسية والصحية.

إن هذه الحكومة التي تكونت على أساس الكفاءة والاستقلالية، يرى مراقبون أنها ستتحول لاحقا الى حكومة حزبية مسيسة اذا كانت التعيينات الأخيرة باقتراح من بعض القوى السياسية والأحزاب التي يريد المشيشي التقرب منها لضمان حزام برلماني وسياسي لحكومته.

ومهما يكن من أمر، يبدو أن تونس اليوم مقبلة على مفترق صعب، وحالة الاستقرار السياسي أو الدعوات الى ما يسمى بـ "هدنة اجتماعية وسياسية"، تبدو صعبة المنال في خضم هذه الأزمة الجديدة بسبب جدل المناصب والتعيينات.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات