آراء وتحليلات
ما هو دور واشنطن في المواجهة بين أذربيجان وأرمينيا؟
شارل ابي نادر
في الظاهر، لا تبدو المواجهة بين اذربيجان وبين ارمينيا، بل تبدو وكأنها بين الأخيرة وبين تركيا، حيث كان واضحًا من عدة وقائع ومعطيات وتصريحات للرئيس التركي، ان انقرة اخذت قرارا بدفع ودعم اذربيجان -غصبا عنها- لفتح مواجهة عسكرية مع اقليم ناغورنو غاراباخ، مواجهة غير تقليدية هذه المرة، تختلف عن مسار المناوشات السابقة والتي لم تنقطع من نهاية العام 1994، بعد أن أصبح الاقليم تحت سلطة أرمينيا وبما يشبه الحكم الذاتي لارمن الاقليم.
هذه المواجهة غير التقليدية، والتي انطلقت من هجوم مفاجىء للقوات الآذرية من شماله ومن شرقه، نتج عنها في ساعاتها الأولى، سيطرة القوات المهاجمة على شريط غير بسيط من البلدات الارمينية من الجهة الشرقية الجنوبية للاقليم، وبالتحديد شمال الحدود مع ايران مباشرة، بالاضافة لتقدم محدود في شماله، بهدف الوصول الى الطريق الرئيسية التي تربط عاصمته (خان كندي أو استبانا كيرت) بارمينيا.
هذه الاندفاعة الآذرية بداية، كانت بسبب استعمالها طائرات مسيرة متطورة، حصلت عليها من تركيا، أو، وهذا هو الأرجح، أدارت معركتها وحدات تركية متخصصة، وقد شهدت المعركة بدايةً، ما يشبه المجزرة باستهداف مجموعة من الدبابات والآليات المدرعة الأرمينية في الاقليم، والتي ظهرت تحترق وتُدمر بصورايخ مباشرة من الجو بشكل لافت وصادم.
لاحقًا، وبعد أن استوعبت الوحدات الأرمينية في ناغورنو الصدمة والهجوم المفاجىء، بدأت تستعيد بعض المواقع شرقًا وشمالًا، كما واستطاعت ابعاد جميع الوحدات الاذرية، والتي كانت قد حاولت الاندفاع من الشمال نحو طريق العاصمة مع ارمينيا بهدف قطع التواصل مع الأخيرة.
هذا التغيير في السيطرة والتماسك للوحدات الارمينية، كان بسبب استعمالها وبشكل لافت ومفاجىء، طائرات مسيرة متطورة ايضا، ظهر من فعاليتها وقدرتها في الاستهداف الناجح عن بعد، أنها غير ارمينية، والأرجح أنها روسية، حيث غيرت مسار التقدم بشكل لافت، وايضًا عبر احراق وتدمير عشرات الآليات الآذرية المهاجمة، لا بل تم استهداف بعضها داخل الاراضي الاذرية.
الدور التركي المتحمس للمعركة، لم يظهر فقط في الاعلام والسياسة والديبلوماسية، من خلال التصريحات النارية للرئيس اردوغان ولفريقه، والداعية لضرورة الانهاء الفوري لاحتلال ارمينيا للاقليم الاذري، كما صرحوا، بل كان عسكريًا بامتياز وبدون خجل، أولًا من خلال ما تم الاشارة اليه اعلاه، عن فعالية اسراب من الطائرات المسيرة التركية، الراصدة والقاذفة بنفس الوقت، والتي ذكّرت المتابعين، بنفس المشهد الذي انقلب فجأة في محيط العاصمة الليبية طرابلس، من التقدم والضغط لوحدات جيش اللواء حفتر، الى هزيمة واندحار شرقًا مئات الكيلومترات الى حدود سرت - الجفرة.
وثانيًا، ظهر الدور التركي المساعد عسكريًا، من خلال تامين نقل وتسليح وتمويل آلاف المقاتلين السوريين من ادلب ومحيطها، والذين كما يبدو يمثلون الاحتياط التكتيكي لاردوغان - أين يريد وكما يريد وساعة يريد - والذين انتشروا على الحدود الآذرية مع الاقليم ومع ارمينيا من الجهة الغربية والشمالية الغربية، لتفادي أي التفاف لوحدات يريفان نحو العمق الاذري.
طبعا بالرغم من التصريحات الاميريكة الخبيثة كالعادة، حول ضرورة وقف النار والعودة للحوار والتفاوض ووقف العمليات العسكرية، هناك سؤال يطرح نفسه وبقوة، هل تركيا اتخذت هذا القرار الاستراتيجي بدعم اذربيجان وبالدفع المباشر لاستعادة اقليم ناغورنو غاراباخ من ارمينيا، المدعومة من روسيا، على الاقل في هذا الملف، والذي لم تكن لتستطيع ان تربحه في بدايات التسعينيات، لولا الدعم الروسي المفتوح والمباشر، من دون موافقة واشنطن، حيث يحمل هذا الموقف التركي امكانية كبيرة لتدحرج الامور نحو مواجهة اوسع بكثير من مستوى ارمينيا - اذربيجان؟؟
طبعا، لن تقدم أنقرة على هذا القرار من دون رعاية وموافقة اميركية، خاصة انها (انقرة) ما زالت تعيش تداعيات الصفعة الأميركية في شرق المتوسط، وعلى حدود اليونان وقبرص، بعد أن أجبرتها واشنطن، وخلال ساعات قليلة، (بطريقة ديبلوماسية طبعا) على سحب سفينة التنقيب وعلى الدخول في تفاوض مباشر مع اليونان.
صحيح أن لأنقرة مصالح ضخمة في اعادة الاقليم المتنازع عليه لاذربيجان، في العلاقة الديموغرافية والدينية (وهذا النوع من العلاقات يستهوي انقرة دائما)، وفي العلاقة الاقتصادية ايضًا، لناحية ضخ الغاز الاذري الى تركيا أو عبرها الى بعض الدول الأوروبية، بالاضافة للفائدة الاستراتيجية التي سوف تكسبها، بعد أن يكتمل الترابط الجغرافي بين بحر قزوين والسواحل التركية الشمالية على البحر الأسود، عبر اذربيجان فقط، وبعيدا عن ارمينيا وجورجيا.
ولكن تبقى المصالح الاميركية من العملية هي الأساس، والتي سمحت أو سهلت للقوات الاذرية وبرعاية تركية، بمهاجمة اقليم ناغورني غارباخ، وهذه المصالح الاميركية يمكن تحديدها بالتالي:
- قطع خط مومباي (الهند)- سان بطرس برغ (روسيا) في منطقة اذربيجان وتحديدا في اقليم ناغورني غاراباخ، هذا الخط الذي مثل مناورة الالتفاف الاستراتيجي الروسي الصيني الايراني، على مداخل الغرب عبر المتوسط وعبر البحر الاحمر، والتي تعمل واشنطن جاهدة على السيطرة عليها.
- خلق توتر أو مواجهات واسعة أو حتى ما يشبه الحرب المحدودة، في حديقة روسيا الخلفية، وبالتحديد بين اذربيجان وارمينيا وجورجيا.
- محاولة امتلاك التاثير المباشر عبر تركيا، على خط مترابط من بحر قزوين الى البحر الأسود مرورا بأذربيجان وتركيا دون أرمينيا، لنقل الغاز ولأهداف عسكرية واستراتيجية، ممكن أن تظهر لاحقًا.
- الضغط على روسيا بعد أن زاد نفوذ الأخيرة في البحر الأسود من خلال استعادتها جزيرة القرم، وردا على النفوذ المرتقب والذي بدأ ينمو لموسكو في أغلب منطقة اسيا الوسطى والقوقاز.
- خلق سبب مهم ومؤثر بقوة، لتوتير العلاقة بين تركيا وإيران وبين تركيا وروسيا، وربما يكون هذا الهدف الأخير هو الاهم استراتيجيا بالنسبة للاميركيين.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024