معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

فرنسا في الشرق الأوسط: هل تستعيد نفوذها في سوريا ولبنان والعراق؟
01/10/2020

فرنسا في الشرق الأوسط: هل تستعيد نفوذها في سوريا ولبنان والعراق؟

د.علي مطر

تسعى فرنسا إلى استعادة دورها كلاعب تاريخي في الشرق الأوسط، وتحاول أن توازن ما بين المصالح التي عليها الدفاع عنها، والفرص المتاحة أمامها، وذلك نتيجة تعدد اللاعبين الدوليين والإقليميين في هذه المنطقة التي لا تزال تنظر فرنسا إليها كحديقة خلفية تريد أن تستعيد دورها فيها كما كان إبان اتفاقية سايكس بيكو. من المؤكد أنه لا يمكن فصل الدور الفرنسي في الشرق الأوسط على ما هو عليه اليوم، عن التبدلات التي حصلت بعد اتفاقية سايكس-بيكو، وصولاً إلى مؤتمر سان ريمو ومعاهدة سيفر في العام 1920، حيث لعبت كلّها أدواراً رسمت معالم الشرق الأوسط الحالية، والتي استكملت بعد الحرب العالمية الثانية، وفي كلّ من هذه المراحل كانت فرنسا حاضرة كقوة للانتداب أو من خلال خروجها من المنطقة.

تحاول فرنسا اليوم اللعب خارج إقليمها لا سيما في مناطق أوروبا الشرقية والشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط وروسيا وغيرها من مناطق النفوذ الفرنسية التقليدية. تنطلق النظرة الفرنسية للعب الأدوار في هذه المناطق من رؤية اقتصادية بشكل أساسي، إلى جانب وجهات النظر السياسية والأمنية.

لطالما كان لفرنسا ثقلها في اللعبة الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وهي بعد 100 عام تحاول العودة كلاعب أساسي له مصالحه الكبرى في هذه المنطقة، وهذا ما يسعى إليه رئيسها الشاب إيمانويل ماكرون الذي يبدو طموحه واضحا لأن يعيد مكانة بلاده إلى سابق عهدها وضخ الروح الفرنسية من جديد في المجتمع الدولي والسير نحو اقتصاد مشرق كان قد وعد به ماكرون خلال حملته الانتخابية. لكن دون ذلك عقبات جمة فالعالم تغير منذ العهد الذي كانت فيه فرنسا دولة منتدبة ولها قرار مستقل في السياسة الخارجية ولا تتأثر بدول أخرى كما يحصل معها اليوم في ظل سيطرة الإدارة الأميركية على مفاصل السياسة الدولية.

في كلمته خلال المنتدى الاقتصاديّ العالميّ في مدينة دافوس السويسريّة شدّد الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون بوضوح على عزمه أن تستعيد فرنسا موقعها بين الدّول العظمى، وتعيد تأكيد نفسها كشريك استراتيجيّ متعدّد الأقطاب، مجسداً ذلك في ثلاث كلمات، كانت البوابة الأولى لفرنسا استغلال الأزمة السورية التي ما زالت الشغل الشاغل لسياسات الدول الخارجية التي تسعى للحصول على حصة من "الكعكة السورية"، لكن هناك أمران أساسيان يمنعان ماكرون من الاستغلال الواسع للأزمة السورية المعقدة، أولاً أنه لا يمكنه أن يقوم بعملية عسكرية منفردة ضد سوريا ودون غطاء دولي، الأمر الاخر الذي يمنع فرنسا من الاقتراب من سوريا هو الوجود الروسي الذي لن يسمح لها بالتحرك بحرية هناك، خاصةً أن الدور الروسي يتعاظم يوما بعد يوم في الشرق الأوسط.

يحاول ماكرون اليوم أن يعيد الأمجاد الفرنسية عبر استغلال الظروف في لبنان، والعمل كمنقذ لبلد غارق في الأزمات، علماً أن باريس تعاني أزمات عدة أيضاً. بين زيارته الأولى للبنان عقب انفجار مرفأ بيروت، وصولاً إلى زيارته الثانية بكل ما تخللها من لقاءات مع الزعماء السياسيين، ما تزال تحركات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تجاه لبنان تثير الكثير من التساؤلات عن نجاح فرنسا في ذلك خاصةً بعد انقلاب حلفاء ماكرون الأميركيين والخليجيين واللبنانيين على مساعيه ومحاولة عرقلتها.

بسبب التعقيدات الخاصة للتيارات السياسية اللبنانية ووجود العديد من المتغيرات التي تؤثر على العلاقات السياسية في البلاد، يبدو من غير المحتمل أن تتمكن فرنسا بسهولة من تحقيق الاستقرار في لبنان. كما تضاءل النفوذ الفرنسي في الشرق الأوسط تدريجياً لتحل محله الولايات المتحدة، وبالتالي ليس من السهل العمل مجدداً في ظل النفوذ الأميركي، ولن تستطيع أن تحقق نجاحاً كبيراً بسبب القوة الأمريكية، حيث يجب على فرنسا ومن أجل الدخول إلى دول مثل العراق ولبنان، على الاقل زيادة قدرتها الاقتصادية والنظر في سلسلة من الحزم الاقتصادية للبلدان المضيفة. لكن حتى الان لم تعرف فرنسا أن تقيّم الساحة اللبنانية كما يجب، سواء لجهة حلفائها أو لجهة القوى الأخرى التي لها التمثيل الشعبي الأكبر وتستحوذ على الأكثرية النيابية، ولا تزال تجهل التحولات في لبنان، ظناً منها أنها لا تزال تعيش عهد الانتداب وتستخدم لغته الاستعلائية، ولذلك عليها أن تعلم أنه وبسبب التعقيدات الخاصة للبيئة السياسية اللبنانية ووجود العديد من المتغيرات فإنه سيكون من غير المحتمل أن تتمكن فرنسا بسهولة من إرساء الاستقرار في لبنان.

كذلك من المستبعد حالياً أن تستعيد أي دور لها في العراق وذلك بسبب التعقيدات السياسية والأمنیة للعراق، لذلك يبدو أن فرنسا تواجه العقبات الداخلية والقوى الإقليمية والدولية للعب الأدوار في کل من لبنان وسوريا والعراق، وبالتالي لا تملك فرصاً كبيرة لكي تتحول إلى قوة بديلة عن الولايات المتحدة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات