معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

عام على حراك العراق.. الأبعاد والمعطيات
02/10/2020

عام على حراك العراق.. الأبعاد والمعطيات

بغداد - عادل الجبوري

   في مثل هذا اليوم، الأول من تشرين الأول - اكتوبر من عام 2019، انطلقت أولى خطوات وتباشير الحركة الاحتجاجية السلمية في العاصمة العراقية بغداد وعدد من المحافظات والمدن الأخرى، وقد جاءت تلك الحركة في اطارها العام الشامل كتعبير عن حالة رفض واستياء من واقع حفل بالكثير من الأخطاء والسلبيات التي تراكمت - بشكل مقصود أو غير مقصود على امتداد عقود وليس أعوام - في الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.

   ولأجل توخي الدقة والموضوعية في تسليط الضوء على بعض زوايا هذا الملف الشائك والمتشابك، لا بد من الاشارة الى أن البداية الحقيقية للحركة الاحتجاجية في العراق، لم تكن في الأول من تشرين الأول من العام الماضي، بل إنها تعود الى أعوام سابقة، وهي كانت تطالب بتحقيق الاصلاحات ولم تكن تستهدف تغيير النظام وتقويض أركانه.

   فمنذ عام 2012، شهدت العاصمة بغداد ومدن أخرى، مثل البصرة وميسان وذي قار وواسط والمثنى والديوانية، تظاهرات جماهيرية احتجاجية بدرجات متفاوتة من حيث سعتها ونطاقها، على البطالة وسوء الخدمات والفساد وغياب القانون، وكان من الطبيعي جدا، حالها حال الحركات والفعاليات الاحتجاجية في مختلف الدول، ان تشهد بعضا من مظاهر العنف والفوضى والاخلال بالنظام والقانون، لكن لم يكن ذلك مبررا ومسوغا كافيا للتشكيك بمشروعية وواقعية مطاليب الجماهير العراقية، لاأنها مثلت القدر المعقول من الطموحات والتطلعات، والسقف الواقعي للاحتياجات الحياتية اليومية، أو بتعبير أدق، الحد الطبيعي والمقبول للحقوق التي يفترض اأن يتمتع بها المواطن في أي دولة كان، والتي تعد من الواجبات الاساسية التي ينبغي على السلطات الحاكمة الايفاء بها.

  الامر المختلف في حركة تشرين الاحتجاجية هو انها كانت اأكثر استمرارية، وأوسع نطاقا، وأشد وقعًا وتأثيرًا في الجمهور والنخب السياسية والمجتمعية المختلفة، وقد حظيت بتعاطف ودعم واسناد المرجعية الدينية لمطالبها الحقة والمشروعة، بيد أن ذلك التعاطف والدعم والاسناد كان مشروطا بسلميتها ومحافظتها على النظام العام والامن المجتمعي، وهذا ما شددت عليه مرات عديدة عبر منبر صلاة الجمعة ومن خلال البيانات الرسمية، معتبرة "ان الاصلاح الحقيقي والتغيير المنشود في ادارة العراق ينبغي أن يتم بالطرق السلمية، وهو ممكن اذا تكاتف العراقيون ورصّوا صفوفهم".

   في ذات الوقت، كانت التحذيرات من المخططات والاجندات الخارجية وما تنطوي عليه من اهداف تخريبية خبيثة تتوالى من جهات مختلفة بد ان استشعرت جملة من المخاطر الحقيقية، التي رأت انه لا بد من التحسب لها ومواجهتها مبكرا قبل ان تنزلق الامور الى ما لا يحمد عقباه، خصوصًا وأن الظروف والارضيات والمناخات كانت مهيأة بقدر ما لتمرير وتسويق تلك المخططات والاجندات، من قبيل الاداء الحكومي غير المرضي طوال سبعة عشر عاما، وعدم الالتفات الى المشاكل والازمات الحياتية لابناء المجتمع، والتوجه الجاد لحلها ومعالجتها، وكذلك اتساع مظاهر الصراع والتنافس السياسي الحزبي البعيد الى حد كبير عن هموم الناس ومشاكلهم واحتياجاتهم، ناهيك عن استشراء الفساد الاداري والمالي في مجمل مفاصل الدولة، لاسيما العليا والحساسة منها.

   وربما كان واضحا للكثيرين انه الى جانب النوايا الصادقة والحسنة، والتوجهات السليمة لاصلاح وتصحيح الاوضاع السلبية الخاطئة، التي انطلقت منها حركة تشرين الاحتجاجية السلمية، برزت بين طياتها وثناياها نوايا ومشاريع سيئة وخطيرة للغاية للدفع بالامور نحو الهاوية، ولعل بعض الشعارات التي رفعت، والممارسات التي ارتكبت، وخطابات التحريض والتأزيم التي روجت، تؤكد ذلك، في الوقت الذي اشرت الى ان هناك جهات خارجية وداخلية، لاتريد للعراق ان ينعم بالهدوء والامن والاستقرار.

   وطبيعي ان اجواء الفوضى التي رافقت المظاهر والفعاليات السلمية لم تكن لتصب في مصلحة المظلومين والمهمشين، سواء الذين اشتركوا في التظاهرات ام ممن لم يشتركوا، بل انها انساقت وتماهت مع تحقيق اهداف اصحاب الاجندات والمخططات الخارجية التخريبية، ولا يختلف اثنان في ان افضل بيئة يمكن ان يتحرك فيها الاعداء والخصوم، داخليين كانوا ام خارجيين، هي تلك التي تستفحل فيها الصراعات والخلافات السياسية، ويتفشى فيها الفقر والحرمان والاهمال، وتغيب عنها هيبة الدولة ومكانتها.

  ولعل التقييم الموضوعي لمجمل مسارات الحركة الاحتجاجية السلمية يمكن ان يرجح كفة المعطيات الايجابية على الافرازات والانعكاسات السلبية، حتى وان لم تبرز وتتبلور النتائج المطلوبة خلال وقت قصير، فهي من جانب ولدت ضغطا على النخب السياسية الماسكة بزمام الامور، من اجل مراجعة مناهجها وسياساتها وبالتالي التوجه نحو الاصلاح وان كان بصورة بطيئة، وثمة مؤشرات عديدة لاحت في الافق بهذا الشأن، في عهد حكومة عادل عبد المهدي السابقة، وكذلك في ظل حكومة  مصطفى الكاظمي الحالي، علما ان ما هو متحقق حتى الان هو دون مستوى الطموح. بعبارة اخرى، لم يعكس المستوى العام للحراك السياسي، وما افرزه من مخرجات ونتائج، كل مطاليب وطموحات وتطلعات الحراك الجماهيري السلبي، وقد لايتاح له ان يستجيب لها خلال فترات زمنية قصيرة لاعتبارات وظروف موضوعية، الا ان مؤشراته  الاولية اوحت بأن الامور كانت تسير بالاتجاه الصحيح الى حد كبير.

   ومن جانب آخر فإن الحركة الاحتجاجية السلمية، رسمت خطوطًا واضحة بين اأصحاب التوجهات الاصلاحية البعيدة عن عقلية التخريب والتدمير والفوضى من جهة، وأصحاب الأجندات والمشاريع التخريبية بصرف النظر عن عناوينهم ومسمياتهم وانتماءاتهم.

   ولا شك ان منابر سياسية ووسائل اعلام عربية ودولية كشفت عن حقيقة توجهاتها، فضلا عن معلومات خطيرة تسربت من هنا وهناك عن ادوار سلبية وخطيرة لبعض العواصم في اثارة الفوضى في الشارع العراقي من خلال استغلال موجة التظاهرات الاحتجاجية السلمية، ناهيك عن تحرك الجماعات الارهابية بذات الاتجاه.

 بيد أن ما أكده أصحاب رأي ومراقبين في العراق من ان 99% من المشاركين بالمظاهرات هم متظاهرين سلميين خرجوا بمطالب مشروعة، و 1% منهم فقط هم من المندسين والمخربين والمنفذين لاجندات ومشاريع تخريبية، بدا مع مرور الوقت دقيقا الى اقصى الحدود، فمظاهر العنف والتخريب وانتهاك القانون والنظام، التي برزت خلال الايام الاولى للمظاهرات، واريد لها ان تتسع وتتنامي، انحسرت وتقلصت الى حد كبير، في مقابل اتساع نطاق المشاركة العامة في الحراك الجماهيري، التي اشتملت على سلوكيات وممارسات ايجابية، عكست شعورا وطنيا كبيرا، وحرصا على صيانة الممتلكات العامة والخاصة، ومستوى عال من التكاتف والتآزر والتعاون، فضلًا عن ذلك فإن الشعارات المطلبية العامة للاغلبية المطلقة السلمية، اختلفت كثيرًا عن الشعارات التحريضية التسقيطية للاقلية الفوضوية.

   وكل ذلك عزز رؤية مختلف الفاعليات والشخصيات والقوى السياسية والدينية والاجتماعية، القائلة بأن الحراك الجماهيري السلمي يعد  ظاهرة صحية صحيحة، وتحولا وانعطافة مهمة، من شأنها تصحيح المسارات الخاطئة واصلاح مجمل الواقع السلبي الخاطيء.

 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات