آراء وتحليلات
"إسرائيل" تتهم حزب الله.. وتخشى استفزازه!
جهاد حيدر
احتل الاعلان الإسرائيلي عن نفق في كفركلا صدارة الاهتمام الاعلامي والسياسي في "تل أبيب". لكنه بدلا من أن يتحول إلى مصدر للاحباط والقلق في لبنان، لم ينجح نتنياهو في تسويقه على أنه تعبير عن تحوّل في تطور نوعي في الخيارات العملانية الإسرائيلية. ولم ينجح ايضا في الفصل بين تضخيم الانجاز وبين خلفياته الشخصية المتصلة بمأزقه القضائي والحكومي، الذي استوجب منه رفع مستوى التهويل والقيام باستعراضات إعلامية وسياسية.
لا أحد يستطيع تجاهل أن ما حصل ( الكشف عن النفق وفق الرواية الإسرائيلية) يشكل انجازاً تكتيكياً استخبارياً لجيش العدو. لكن للقضية ايضا أوجه أخرى، كما أقر بذلك العديد من الجهات والخبراء والمعلقين.. ومن ضمنهم رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، ورئيس معهد أبحاث الأمن القومي اللواء عاموس يادلين، الذي شدَّد على ضرورة عدم "تضخيم العملية أكثر مما هي" في الواقع. مستدلا على ذلك أن "الانفاق ليست "الأصل" لحزب الله، بل قوة نيرانه". مشيراً إلى أن تعطيل النفق يترتب عليه ايضا نوع من الضرر. وهو ما ينطوي على اقرار صريح بكفاءات حزب الله في القدرة على استخلاص العبر والاستفادة من كل المحطات، بما فيها التي يفترض أن تكون انجازا إسرائيلياً. ويندرج ذلك، ضمن اطار المفهوم الذي يرى في أن كل احتكاك بين الطرفين يشكل مناسبة ومحطة لمعرفة اضافية لكل منهما عن الآخر.
كان لافتاً جداً، ودائما بالاستناد إلى الرواية الإسرائيلية، أن قيادة العدو اختارت السيناريو الأكثر ضمانة في معالجة النفق، بأن لا يؤدي إلى استفزاز حزب الله ويدفعه إلى الرد. ولهذه الغاية، قررت حصر معالجتها ضمن ما تعتبره "اراضي سيادية". ولم تترك وسيلة إلا واتبعتها بهدف توجيه رسائل إلى حزب الله من أجل ضمان عدم رده على معالجة ما قالت أنه نفقاً.
في المقابل، كان بالامكان - من الناحية النظرية - اللجوء إلى خيارات عملانية أخرى، خاصة وأنه كان هناك المزيد منها التي تقدم "إسرائيل" على أنها في موقع قوة وبما يُعزِّز قوة ردعها. لكنها أظهرت حرصاً شديداً على تجنبها. وهو ما تناوله المعلق العسكري في القناة العاشرة، الون بن ديفيد، بالقول أنه "يمكن التفكير في سبل ابداعية كثيرة لمعالجة الانفاق بطريقة سرية وبأحابيل تُربك حزب الله... من تفخيخ الفوهات في الجانب اللبناني وصولا إلى تهديد "هادئ" ضد لبنان بأنه اذا لم ينشر جيشه في فتحات الأنفاق - فستدمرها "إسرائيل" بالقوة، الأمر الذي سيلحق ضرراً في الطرف الآخر".
مع ذلك، اختار جيش العدو العمل بطريقة صاخبة جدا، لكن ليس على المستوى العملاني وانما على المستوى الاعلامي. وأكثر ما برز ذلك في الاسم الذي أطلقه على عملية كشف النفق، "درع الشمال"، وأوحى من خلاله كما لو أنه بدأ بعملية عسكرية واسعة، وهو ما تناوله بن ديفيد بالقول إن هذا الاسم "ما كان ليخجل عملية تحرير الجليل في حرب الاستقلال" في اشارة إلى حرب العام 1948.
مع أن الهدف الأساسي من هذه الحملة الاعلامية، كان محاولة غزو "الوعي اللبناني"، كما يؤكد بن ديفيد، لكن الذي حصل على مستوى النتائج أن مفاعيلها كانت لدى الجمهور الإسرائيلي. والمفارقة أنها حققت نوعين من النتائج المتعارضة: إما جمهور تناغم مع قيادته السياسية عبر اعتبار ما حصل انجازاً كان لا بد منه في هذه المرحلة... واخرين رأوا أن خلفيات الحملة تتصل بالتحدي القضائي والحكومي الذي يواجهه نتنياهو. أما النوع الثاني من النتائج، فهو أن الاعلان عن النفق أدى إلى رفع منسوب الرعب لدى المستوطنين الذين باتوا على قناعة بأن حزب الله يتبنى خيار حفر الانفاق، للحظة التي تصدر فيها الاوامر في مقابل عدوان إسرائيلي على لبنان.
في مقابل، حرص قيادة العدو على عدم استفزاز حزب الله، لكنها استفزت معلقين وخبراء إسرائيليين وهو ما تجلى بشكل صريح على لسان المعلق العسكري في القناة العاشرة الذي وجه سؤالا إلى سلسلة من ضباط الجيش الرفيعي المستوى، عن خلفية "تقديس "إسرائيل" للسيادة اللبنانية"، (يقصد عدم التدخل في الاراضي اللبنانية لتدمير النفق)، بحسب تعبيره. لكنه تلقى جواباً صادماً بالقول "العمل في الجانب الآخر لن يمر دون رد من حزب الله، وسيؤدي إلى حرب".
المفارقة في كل المشهد ببعديه الميداني والسياسي، أنه بدلا من أن تبدو "إسرائيل" بعد الاستعراضات التي قام بها نتنياهو ورئيس أركان الجيش غادي ايزنكوت، كما لو أنها في موقع المبادرة والقوة، إذا بها تتسبب بارتفاع مستوى الرعب لدى المستوطنين، ويبدو جيشها أكثر مردوعية نتيجة الحرص الزائد في عدم استفزاز حزب الله ودفعه إلى عدم الرد. وما قدمته القيادتين السياسية والعسكرية كما لو أنه عملية عسكرية، رأى فيه وزير الامن السابق افيغدور ليبرمان، نشاطاً هندسياً داخل الاراضي الإسرائيلية!
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
19/11/2024