آراء وتحليلات
قلق إسرائیلي من عودة بایدن
سركيس ابوزيد
لم یكن دعم "إسرائیل" للرئیس الأمیركي دونالد ترامب في معركته الرئاسیة المصیریة، في حجم ومستوى الدعم الذي تلقته من ترامب خلال أربع سنوات. تقر "إسرائیل" أن ترامب كان أفضل الرؤساء الأمیركیین بالتعامل معھا وأكثر الداعمین لھا، ومع ذلك لم تُظھر على المستوى الرسمي إنحیازاً ولم تأخذ جانب ترامب ضد جو بایدن، ربما لأنھا كانت تتحسب لاحتمال فوز بایدن، وفضل بنيامين نتنیاھو عدم الإصطدام به من أول الطریق، وعدم تكرار الخطأ الذي ارتكبه مع باراك أوباما عندما انحاز الى منافسه.
في واشنطن، كُشف النقاب عن نتائج بحث أجرته منظمة "جي ستریت" التي تضم القوى الیھودیة الیساریة والتي أظهرت أن الناخبین الیھود الأمیركیین ّصوتوا بغالبیة ساحقة وصلت إلى 77 في المئة لصالح المرشح الدیمقراطي جو بایدن، مقابل 21 في المئة للرئیس ترامب. وفي السباق على مقاعد مجلس الشیوخ والنواب، أید غالبیة المصوتین الیھود، مرشحین دیمقراطیین بنسبة 78 في المئة مقابل 21 في المئة للجمھوریین، وھي تُعتبر أسوأ نتائج حققھا الحزب الجمھوري بین الناخبین الیھود من عام 2008 . ووفقا للإستطلاع، فإن القضایا الرئیسیة التي تھم الناخبین الیھود ھي مكافحة فیروس كورونا (54 في المئة)، تغیّر المناخ (26 في المئة)، التأمین الصحي (25 في المئة)، والاقتصاد (23 في المئة)، و5 في المئة من الیھود فقط أشاروا إلى "إسرائیل" كأحد المواضیع الرئیسیة التي تشغلھم، مقابل 9 في المئة في عام 2016.
وفي "إسرائیل"، كان الصمت سیّد الموقف، وكان الموقف الرسمي یدور حول نقطتین ھما، الإستعداد للتعاون مع أي رئیس أمیركي، والإشادة بمواقف وسیاسة ترامب، مع التذكیر بأن بایدن صدیق وحلیف لـ"إسرائیل". ولكن خلف ھذا الصمت الرسمي كانت تتحرك بوادر القلق من وصول بایدن الى البیت الأبیض. أفضل من یعبّر عن القلق الإسرائیلي ھو نائب وزیر الخارجیة سابقا والسفیر في واشنطن سابقا "مایكل أورون" الذي یقول: "إدارة بایدن یمكن أن تشكل مستقبلا تحدیا كبیرا لإسرائیل بسبب خلافات في الرأي إزاء موضوعین جوھرین: الأول، المسار السیاسي الذي ستتخلى الإدارة من خلاله عن "خطة القرن" لترامب وتعود إلى مخطط أوباما وكلینتون، أي حل الدولتین على أساس حدود 1967.
الأمر الثاني القدس الشرقیة ھي عاصمة فلسطین. والأكثر إشكالیة في نظرنا ھو نیة بایدن المعلنة في إنضمام الولایات المتحدة مجددا إلى الإتفاق النووي مع إیران ورفع العقوبات. ھذا الأمر سینقذ النظام الإیراني من إنھیار اقتصادي ویساعده على العودة إلى إحتلال أجزاء كبیرة في الشرق الأوسط، واستخدامھا كمواقع متقدمة ضد "إسرائیل".
وبخلاف ذلك، إذا انتُخب الرئیس ترامب وحظي بولایة ثانیة، فإنه بالتأكید سیواصل سیاسته التي تُعتبر أكثر سیاسة مؤیدة لـ"إسرائیل" حصلنا علیھا من رئیس أمیركي منذ قیام الدولة. المقصود لیس فقط مبادرات طیبة رمزیة، مثل نقل السفارة الأمیركیة إلى القدس، والإعتراف الأمیركي بسیادة "إسرائیل" في ھضبة الجولان، بل أیضا خطوات جوھریة من نوع الوقوف بقوة إلى جانبنا في الأمم المتحدة وفي كل المؤسسات الدولیة. فخلال أربع سنوات من ولایة ترامب ـ ولأول مرة في التاریخ ـ لم تسجل أي إدانة أمیركیة لأي عملیات عسكریة أو سیاسیة إسرائیلیة".
لم تخف "إسرائیل"، عبر إعلامھا وتسریبات مصادرھا السیاسیة والأمنیة، أن مصلحتھا ترتبط باحتفاظ الرئیس الأمیركي دونالد ترامب بولایة رئاسیة ثانیة، في الوقت الذي تدرك فیه أن منافسه الدیمقراطي جون بایدن لن یعمل ضد المصالح الإسرائیلیة، ولكنھا قلقة من مواقف كان قد أعلنھا الأخیر تجاه عدوھا الأول إیران، وتحدیدا في ما یتعلق بإمكانیة عودته إلى الإتفاق النووي للعام 2015 ، والتداعیات السلبیة التي ستنجم عن خطوة تراجعیة كھذه على المستویات الاستراتیجیة. والمفارقة أن فوز بایدن، لا یلغي قلقھا من إحتمال عودة الولایات المتحدة من جدید إلى الإتفاق النووي، الأمر الذي یعني إضرارا باستراتیجیة "الخنق" التي كانت تقودھا مع إدارة دونالد ترامب، علما بأن الموقف من إیران وامتداداتھا في أكثر من إتجاه وساحة في المنطقة، ھو المعیار الأساسي الذي تتخذ تل أبیب وفقا له موقفھا من الفائز في الانتخابات الأمیركیة. وتستبق "إسرائیل "إمكان التغییر في واشنطن، عبر العودة إلى التھویل بالحرب في المنطقة ضد إیران. وھو تھویل موجه إلى البیت الأبیض، من أجل منع أي تداعیات سلبیة للتغییر المذكور.
وزیر المستوطنات "تساحي ھنغبي"، وھو أیضا الخبیر في شؤون الأمن القومي والتعاون الإقلیمي، حذر من أن موقف بایدن من الإتفاق النووي قد یؤدي إلى حرب بین "إسرائیل" وإیران، لافتا إلى أن "بایدن قال علانیة ولفترة طویلة إنه سیعود إلى الإتفاق النووي، وأنا أرى أن ھذا الأمر سیؤدي إلى مواجھة بین "إسرائیل" وإیران". وجاءت تصریحات ھنغبي في مقابلة مع "القناة 13 "الإسرائیلیة، أكد فیھا أیضا أنه غیر قلق من فوز بایدن المحتمل على معظم الجبھات والساحات، بما في ذلك الإستیطان في الضفة الغربیة، مستدركا بأن "الموقف من إیران ھو إستثناء صارخ".
لكن رئیس لجنة الشؤون الخارجیة والأمن في "الكنیست" "تسفي ھاوزر"، طمأن الإسرائیلیین إلى أن فوز بایدن لا یضّر بـ"إسرائیل"، ومعتبرا في حدیث إلى الإذاعة العسكریة أنه "حتى لو عمد بایدن إلى تجدید الصفقة مع إیران، فستكون صفقة أفضل من تلك التي سبقتھا، إذ إن لدینا إتفاقا واسعا على وجود ثغرات كبیرة في إتفاق عام 2015 في ما یتعلق بمصالح العالم الحر".
وقال "ھاوزر" إن الشرق الأوسط قد تغیّر منذ ترك بایدن منصبه عام 2016 ، وأن تكون إیران أكثر خطورة في المنطقة، ومع تقنیات أكثر دقة وأكثر فتكا، فھذه لیست مشكلة "إسرائیل" وحسب، بل مشكلة العالم كله". وإزاء المفاضلة بین ترامب وبایدن، شدد "ھاوزر" على أن الأھم بالنسبة إلى "إسرائیل" ھو تقیید إیران ومنعھا من إمتلاك سلاح نووي، على رغم أن المرشحین لدیھما طرق مختلفة للتعامل مع إیران.
وما بین تحذیر "ھنغبي" وتفاؤل "ھاوزر"، یبدو واضحا أن ثمة حرصا إسرائیلیا رسمیا على إخفاء القلق، لیس في ما یتعلق بالساحة الفلسطینیة أو مسار التطبیع مع الدول الخلیجیة، وإنما في ما یخص إیران.
"إسرائیل" تعید حساباتھا في ضوء إنقلاب المشھد الانتخابي الأمیركي لصالح جو بایدن، في ظل إقرار بأن بنیامین نتانیاھو وحلفاءه العرب الجدد سوف یتقدمون الخاسرین في المنطقة والعالم بعدما وضعوا البیض في سلة دونالد ترامب.
صفقة القرنالانتخابات الاميركية 2020
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024