معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

رسائل تجنب المواجهة مع ايران: الخيارات الأميركية - الاسرائيلية
18/11/2020

رسائل تجنب المواجهة مع ايران: الخيارات الأميركية - الاسرائيلية

جهاد حيدر

يصح القول إن الأبعاد الإسرائيلية في استطلاع الرئيس الاميركي دونالد ترامب امكانية توجيه ضربة عسكرية لمنشأة نطنز النووية الايرانية، كما كشفت صحيفة "نيويورك تايمز"، أعمق حضوراً من الأبعاد الأميركية. فإيران لا تشكل تهديدًا نوويًا للولايات المتحدة، لكن ايران النووية - حتى لو لم تنتج أسلحة نووية التزاما بالموقف الشرعي - تشكل تهديدًا جديًا للأمن القومي الإسرائيلي. فلولا المصالح والمطالب الإسرائيلية لما انتهجت ادارة ترامب خيار العقوبات القصوى، وهي التي كان يروج لها نتنياهو منذ ولاية الرئيس السابق باراك اوباما، على أمل أن يؤدي ذلك إلى اسقاط النظام أو اخضاع ايران للشروط الاميركية الإسرائيلية.

في المقابل، إن أصداء رفض مستشاري ومساعدي ترامب للخيار العسكري المطروح ضد ايران، لدى المؤسستين السياسية والأمنية، لن يكون أقل مما هو في الولايات المتحدة. بل يمكن الجزم أنه ينطوي على مؤشرات اضافية تتصل بتقديرات وخيارات ستتم دراستها على طاولة القرار ازاء المرحلة المقبلة وفي ظل ادارة بايدن. منشأ هذه المؤشرات هو أن منطلق معارضة مساعدي ترامب، يعود إلى أن كون أي ضربة عسكرية اميركية مباشرة للمنشآت النووية، سوف يؤدي، بنظرهم، بسهولة إلى مواجهة واسعة في المنطقة في الأسابيع الأخيرة من رئاسته.

اللافت في هذا السياق، أن الذين حذَّروا ترامب من هذه الخطوة، ونجحوا حتى الآن في مسعاهم، هم نائبه مايك بنس، ووزير الخارجية مايك بومبيو وكريستوفر ميلر، القائم بأعمال وزير الحرب، والجنرال مايك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة. يكشف هذا التوافق بين الجهات المهنية وبين المسؤولين المتطرفين في عدائهم للجمهورية الاسلامية والأكثر قربًا من "إسرائيل"، عن اقرار بليغ في رسائله المدوية في "تل ابيب" ايضا، بأن ما فرضته الولايات المتحدة من عقوبات قصوى على الجمهورية الاسلامية في ايران، لم يوهن ارادة النظام الاسلامي بالرد على اعتداء من هذا النوع، حتى عندما يصدر عن دولة بحجم الولايات المتحدة وفي ظل السيناريوهات التي يمكن أن تتدحرج اليها التطورات العسكرية.

يعني ذلك أيضًا، أن ايران استطاعت أن ترسي معادلة ردع استراتيجي في مواجهة الولايات المتحدة التي امتنعت طوال ولاية ترامب، وقبله الرئيس أوباما وقبله جورج بوش الابن خلال احتلال العراق عام 2003، عن استهداف أراضي الجمهورية الاسلامية بشكل عسكري مباشر (العمليات الامنية لها معادلاتها وحساباتها المختلفة) بالاستناد إلى تقديرات وضع تغلب عليها الاعتبارات المهنية، والتقديرات السياسية الموضوعية وخلصت إلى أن أي استهداف عسكري سيورط الولايات المتحدة في مواجهة مفتوحة على مستوى المنطقة.

رسائل تجنب المواجهة مع ايران: الخيارات الأميركية - الاسرائيلية

اذا ما تجاوزنا تفسير خلفية طلب ترامب بالأبعاد التقليدية التي تتصل بشخصيته، إلا أن هناك أبعادًا موضوعية فعلية تتصل بالبيئة الاستراتيجية للكيان، تشكل دافعاً جدياً لمحاولة تعديل المشهد، وعلى يد ترامب نفسه قبل رحيله. ينبع هذا التقدير من فشل استراتيجية "الضغوط القصوى" التي اعتمدها لتحقيق هدف من اثنين: اسقاط النظام أو اخضاع ايران. وهو ما يحضر في "تل ابيب" بقوة، وأكده أيضًا رئيس معهد أبحاث الأمن القومي في "تل ابيب"، اللواء عاموس يادلين الذي رأى في مقالة له نشرها موقع "القناة الثانية" في التلفزيون الإسرائيلي، أن "استراتيجية ترامب حيال إيران لم تحقق هدفها، واليوم إيران قريبة أكثر من القدرة على تطوير اسلحة نووية مما كانت عليه بداية عهد ترامب"، حسب قوله. ويؤكد ذلك، ما سبق لرئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية، العميد درور شالوم، أنه "حتى الآن لم يثبت أن الخروج من الاتفاق النووي قد خدم "إسرائيل""، وذهب أبعد مدى في تقدير آفاق المستقبل، فأكد أيضًا أن "إيران بعيدة عن الركوع"، في اشارة ضمنية إلى حجم التحدي الذي خلَّفه ترامب لـ"إسرائيل" ولحلفائهما في المنطقة.

بدا واضحًا أن إحدى أهم ركائز الاستراتيجية الأميركية الإسرائيلية في مواجهة النظام الاسلامي، تكمن في الرهان على نجاح سياسة التحريض ضد النظام، في حين أنه كلما حققت ايران انتصارات ردعية ودفاعية بالاستناد إلى قدراتها العسكرية والصاروخية، وبتحالفاتها الاقليمية، كلما أصبح متعذرًا جدًا اقناع الشعب الايراني بجدوى التخلي عن عناصر قدرته، وتحديدًا ما يتصل بالمنظومة الصاروخية التي تلمست "إسرائيل" بعض نتائجها من خلال معادلة الردع الاستراتيجي والعملاني التي فرضها حزب الله بالاستناد اليها.

العامل الأكثر أهمية في كل ما جرى، ويمكن أن يجري، هو أن موقع "إسرائيل" في الخيارات الأميركية، لا يقتصر فقط على تلقي النتائج في حالتي الفشل والنجاح. بل إن ما نفذه ترامب ضد ايران هو ترجمة أمينة لاستراتيجية كان يُسوِّق لها نتنياهو وترتكز على رؤية وتقدير، مفادهما أنه في حال تواصل فرض العقوبات على ايران فإنها لن تجرؤ على خرق الاتفاق النووي باتجاه الاقتراب من القدرة على انتاج أسلحة نووية، والسبب لأنها مردوعة. ومنشأ ردعها أنها تخشى من ردة فعل أميركية - إسرائيلية على هذا الرد.

لكن الذي تحقق على أرض الواقع، أن ايران صمدت، والتف شعبها حول النظام، ورفضت الخضوع والجلوس على طاولة المفاوضات وفق الاملاءات الاميركية، وأيضًا ردت بخرق مدروس للاتفاق النووي، بلغ حد أن مجلس الشورى سنَّ قانونًا ملزمًا للحكومة برفع درجة التخصيب إلى 20%، خلال الأشهر المقبلة.

المشكلة بالنسبة لـ"إسرائيل" أن هذا المسار يُتوج أيضًا برحيل ترامب واستبداله برئيس آخر، أعلن مسبقا عزمه على التوصل إلى اتفاق معدَّل. يعني ذلك نهجًا مختلفا في المواجهة مع ايران، والقدر المتيقن منه أنه قد يكون قريبًا من مدرسة الرئيس السابق باراك اوباما، الذي أدرك محدودية الخيارات الأميركية بمواجهة الجمهورية الاسلامية في ايران. ومنشأ القلق في "تل أبيب"، من هذا الواقع الذي يتبلور أنه كلما ضاقت الخيارات الأميركية ضاقت معها خيارات "إسرائيل"، واتسعت في مقابلها خيارات أعدائهما.

واشنطن

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل