معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

اغتيال العالم فخري زاده.. نظرة قانونية في الجريمة
03/12/2020

اغتيال العالم فخري زاده.. نظرة قانونية في الجريمة

د. علي مطر

تعد الجرائم السياسية من أخطر الجرائم التي تؤدي إلى الاعتداء على أمن الدولة الداخلي والخارجي، وهذا النوع قد عرفته المجتمعات منذ العصور القديمة حتى عصرنا هذا. وتشير عمليات الاغتيال في العالم، إلى استمرار استخدام القتل خارج إطار القانون كأداة لتصفية الخلافات السياسية بين الدول، ويعبر كذلك عن أقصى درجات التوتر التي تدفع الأطراف لاستخدام أسلحة غير تقليدية لتصفية الحسابات.

ويكشف اغتيال العالم الإيراني الشهيد محسن فخري زاده، عن مدى خطورة هذا الإسلوب من الجرائم الدولية، ويؤشر إلى خطورة استخدام التطورات التكنولوجية المستمرة التي تؤدي إلى تعقيد طبيعة ونمط عمليات الاغتيال وبالتالي عولمة إرهاب الدولة الذي تمارسه الدول التي تسخدم هذا الأسلوب كالولايات المتحدة الأميركية والكيان الإسرائيلي.

وبما أنه غالبا ما تنعكس الأزمات العسكرية بين الدول على شكل نزاعات دولية تستند إلى بنود القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة في محاولة لحل هذه النزاعات، فإن قضية اغتيال الشهيد زادة والتي حمّلت فيها إيران المسؤولية للكيان الإسرائيلي، تكفل للجمهورية الإسلامية حق الرد للدفاع عن النفس خاصةً امام تقاعس المجتمع الدولي في تجريم مرتكب هذه الجريمة.

لقد تحدثت تقارير عدة عن تورط حكومة أجنبية في هذا العمل الإرهابي الذي يعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، ويشجع المزيد من الحكومات على تنفيذ هجمات ضد المسؤولين الأجانب. كما قالت وسائل إعلام إسرائيلية نقلاً عن جهات استخباراتية أميركية، إن "إسرائيل تقف وراء الاغتيال". كذلك أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نشر تغريدة صحافي إسرائيلي حول اغتيال رئيس منظمة البحث والتطوير في وزارة الدفاع الإيرانية محسن فخري زادة. وسائل اعلام إسرائيلية قالت إنه "يُفهم من تغريدة ترامب ان اغتيال زادة هو عمل مشترك أميركي إسرائيلي".

وذكرت قناة "برس تي في" الإيرانية الناطقة باللغة الإنجليزية إن السلاح الذي استخدم في اغتيال كبير علماء الذرة الإيرانيين، الأسبوع الماضي "صُنع في إسرائيل". وعقب هذه الضربة، وجهت إيران رسالة للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ومجلس الأمن الدولي، ذكرت فيها أنها ترى "مؤشرات خطيرة عن ضلوع إسرائيل" في اغتيال فخري زاده، وأنها تحتفظ بحق الدفاع عن نفسها، ونشير في هذا المقال إلى الانتهاكات القانونية لعملية الاغتيال فضلاً عن حق إيران في الدفاع عن النفس.

أولاً: دوافع الاغتيالات

لا يعد الاغتيال تكتيكاً جديداً في الصراعات بين الدول. ويعد الاغتيال أداة خطيرة، لا سيما عند استخدامها في إدارة السياسة الخارجية ضد كبار المسؤولين الأجانب.

أ‌ - دوافع عمليات الاغتيالات  

يمكن تقسيم الدوافع التي تدفع الأشخاص إلى القيام بعمليات اغتيال إلى دوافع عسكرية، ودوافع سياسية، ودوافع عقائدية ودينية، ودوافع أيدلوجية وفكرية ودوافع اقتصادية ودوافع شخصية، لكن سنشير فقط إلى الدافعين العسكري والسياسي.

1- دوافع عسكرية
تتمثل في استهداف القادة العسكريين. وتكتسب أهمية كبيرة حيث إنه في بعض الأحيان يكون مقتل قائد واحد كفيل بكسر جيش كبير، مثلما حدث في اغتيال القائد العام للقوات البحرية اليابانية أثناء الحرب العالمية الثانية ايسوروكو ياماموتو، والذي كان عاملا سلبيا على معنويات الجيش الياباني في الحرب.

2- دوافع سياسية
مع اختلاف أشكال أنظمة الحكم في الدول المختلفة حول العالم من ملكية وجمهورية إلا أن السمة المشتركة بين كل أنظمة الحكم هو وجود الحكومة والمعارضة. ويمكن للحكومة في النظم الاستبدادية اغتيال رموز المعارضة النشطة التي تشكل خطر على السلطة القائمة.

ب - الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي

لا شك أن عملية الاغتيال هي عمل عدوان، وقد جرى تعريف العدوان في الأصل في محكمة نورمبرغ، ثم تم تدوينه لاحقاً جزئياً بموجب قرار الجمعية العامة رقم 3314 و المحكمة الجنائية الدولية. وتستخدم المحكمة الجنائية الدولية تعريفاً للعدوان المنبثق عن القانون العرفي الدولي، والذي يحظر عموماً الغزو أو الهجوم بالقوات المسلحة لدولة ما ضد أراضي دولة أخرى من خلال قصف دولة أو حصار موانئها أو سواحلها أو إرسال وكلاء أو قوات شبه العسكرية. وقد وصفت محكمة نورمبرغ العدوان بأنه جريمة دولية "عليا" بموجب القانون الدولي، وبالتالي فإنه وفق الاتهام الإيراني للكيان الإسرائيلي فهذه العملية تشكل عملاً عدوانياً ضد إيران.

ويعد هذا الاغتيال السياسي "القتل" الذي مارسه كيان العدو الإسرائيلي انتهاكاً صارخاً لكافة معايير حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12/ آب أغسطس 1949. كذلك يعد انتهاكًا صارخاً للحق في الحياة وفق ما جاء في المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان " لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه ". كما نص البند الأول من المادة السادسة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن " الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان، وعلى القانون أن يحمي هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً".

كما أن اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12/ آب أغسطس 1949 أوجبت في المادة الأولى منها تعهد الدول الأطراف السامية المتعاقدة، " بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال". واعتبرت المادة الثانية من الاتفاقية أن سياسة القتل بجميع أشكاله في جميع الأوقات والأماكن هي من الأفعال المحظورة. هذا ويعتبر القتل العمد من المخالفات الجسيمة، حيث نصت المادة (147) من نفس الاتفاقية على تعريفها للمخالفات الجسيمة أنها " هي التي تتضمن أحد الأفعال التالية إذا اقترفت ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بالاتفاقية. واعتبرت أن القتل إحدى المخالفات الجسيمة".

ومن ناحية أخرى، تحظر مبادئ الأمم المتحدة الخاصة بالوقاية الفعالة من عمليات الإعدام خارج نطاق القانون تحت أي ذريعة حتى وإن كان في زمن الحرب، وحسب المبدأ الأول والذي جاء فيه " يجب على الحكومات أن تحظر قانونيًا جميع عمليات الإعدام خارج نطاق القانون، وأن تضمن اعتبار أي عمليات مثل هذه، جرائم حرب بموجب قوانينها الجنائية. وان يعاقب عليها بالعقوبات المناسبة التي تأخذ بعين الاعتبار مدى خطورة هذه الجرائم، ولا يجوز التذرع بالظروف السياسية الداخلية أو أي حالة طوارئ أخرى كمبرر لتنفيذ عمليات الإعدام هذه.

كما تعتبر عمليات الإعدام خارج نطاق القانون (الاغتيال السياسي) مخالفة صريحة وواضحة للمعاهدة الرابعة الموقعة في الثامن عشر من أكتوبر لعام 1907 في لاهاي والمتعلقة بقوانين وأعراف الحرب على الأرض. فالمادة (33) من نفس المعاهدة تؤكد أنه يحظر بشكل خاص قتل أو جرح أفراد يتبعون لدولة معادية أو جيش معاد بشكل غادر، أو قتل أو جرح عدو يلقى سلاحه أو لا تعد بحوزته وسائل دفاع ويستسلم طواعية، مع عدم استخدام أسلحة أو قذائف أو مواد تسبب في معاناة غير ضرورية.

ومن القواعد الأساسية في القانون الدولي عدم جواز تحويل المدنيين والأهداف المدنية مطلقاً إلى هدف للهجوم، وتنطبق هذه القاعدة في جميع الظروف، ومنها في خضم نزاع مسلح شامل. وبسبب طبيعتها العرفية، فإنها ملزمة لجميع الأطراف. فكما نصت المادة السادسة فقرة (ج) من ميثاق المحكمة العسكرية الدولية "نورمبرغ" اتفاقية لندن المؤرخة 6 آب 1945 في تحديدها للجرائم ضد الإنسانية، فإن عملية القتل هي ضمن الجرائم ضد الإنسانية. واعتبرت نفس المادة أن القادة والمنظمين والمحرضين، والمساهمين والمشاركين في إعداد وتنفيذ خطة عامة أو في اتفاق جنائي لارتكاب جرائم سابقة يكونون مسؤولين عن جميع الأفعال التي ارتكبت بواسطة أي من الأشخاص في سبيل تنفيذ تلك الخطة". لكن كل ذلك يعتبر ضعفاً دولياً حيث إن المجتمع الدولي لم يمنع الحظر الكلي لعمليات الاغتيال، وخير دليل على ذلك قصوره عن التصدي لهذا الفعل الجرمي، وكذلك ما حصل مع الاغتيال الأميركي للواء الشهيد قاسم سليماني والشهيد القائد أبو مهدي المهندس.

ثانياً: حق إيران في الدفاع عن النفس

تعد عملية اغتيال الشهيد محس فخري زاده، خرقاً فاضحاً للسيادة الإيرانية، والتي أكدت على حفظها العديد من القرارات، منها القرار 2734 ـ 16 كانون الأول 1970 (الإعلان الخاص بتعزيز الأمن الدولي)، والقرار (155/32/ A/RES 19 كانون الأول 1977، (إعلان تعميم، وتدعيم الانفراج الدولي). والقرار (103/39/ RES A 9 كانون الأول 1981، (إعلان بشأن عدم جواز التدخل بجميع أنواعه في الشؤون الداخلية للدول). وكذلك أكدت اتفاقية مونتيفيديو عام 1933 في مادتها الثامنة على مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول والتي نصت على أنه "ليس لأي دولة الحق في التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية لأي دولة أخرى".

وفي المقابل، يقر ميثاق الأمم المتحدة بحق الدفاع عن النفس، ضد أي عمل عدواني. وقد أكدت البنود الواردة في المادة الأولى من الميثاق على حق الشعوب في المقاومة ومواجهة أي عمل عدواني ضد الاقليم.  كما أن الميثاق يضمن لكل دولة تعرضت لاحتلال أو لاختراق سيادتها الوطنية واستقلالها السياسي أن تفعل ما بوسعها لأجل استعادة تلك السيادة، وهذا ما أقرته صراحة المادة 52 من ميثاق الامم المتحدة التي تشير إلى أنه "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن نفسها إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة". هذا وتقول المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة: "يجب على جميع الأعضاء الامتناع في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استعمالها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة، أو بأي طريقة أخرى تتعارض مع أغراض الأمم المتحدة"، إلا أن لذلك استثناءات منها حق الدولة في الدفاع عن النفس.

إن القواعد والنظم القانونية كافة تعترف بحق الدفاع عن النفس، وهو حق معترف به منذ القدم وجرى التأكيد عليه في ميثاق الأمم المتحدة، ويعتبر استخدام القوة للدفاع عن النفس حقاً استثنائياً بالنسبة للمنع العام لاستخدام القوة الوارد في الميثاق، ويرى مؤيدو القانون الطبيعي أن حق الدفاع عن النفس هو أحد الأسباب عن الحرب العادلة أو أنه أحد الأسباب العادلة للحرب، وأن القانون الطبيعي لا يؤيد هذا الحق فقط بل إنه يأمر الدول بممارسته، وتلجأ الدولة إلى هذه الممارسات إذا ما قامت الدول الأخرى أو الجماعات المسلحة بتجاهل واجب عدم التدخل المشار إليه أعلاه، وما تقدم يعطي إيران حق الدفاع عن نفسها أمام هذه الجرائم.

واشنطنمحسن فخري زادة

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل