معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

مستقبل العلاقات الأميركية ـ الاوروبية: هل ينجح بايدن؟
18/12/2020

مستقبل العلاقات الأميركية ـ الاوروبية: هل ينجح بايدن؟

سركيس ابوزيد

  بحسب إستطلاعات الرأي، أعرب العديد من الأوروبيين أنهم يفضلون بايدن لأنه سيدعم حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، ويزيل القلق بشأن تغيّر المناخ، كما سيقف بوجه روسيا ويلتزم بشكل أكبر بالتعاون عبر الأطلسي. ويرى الاوروبيون أن فوز ترامب كان سيؤدي إلى تمزق سريع وكارثي في العلاقات عبر المحيط األطلسي. أما مع فوز جو بايدن أصبح مفتوحا على اتجاهات مختلفة.  

 يظهر الزعماء الأوروبيون حماستهم لفتح صفحة جديدة مع إدارة بايدن، وطي صفحة توتر وعدم إستقرار دامت طوال عهد ترامب. فألمانيا سارعت للحديث عن بدايات جديدة، وفرنسا تحدثت عن فرصة "لجعل كوكبنا رائعا من جديد". في هذا الاطار، ناقش الاتحاد الأوروبي ورقة تحدد استراتيجية الشراكة الجديدة، في القمة ألاوروبية هذا الشهر واعتمادها كمقاربة أوروبية جديدة للعلاقة مع الولايات المتحدة. وفي ورقة  تحت عنوان "أجندة أوروبية - أميركية من أجل تغيير عالمي"، تقترح بروكسل عقد قمة أميركية - أوروبية في النصف الأول من العام المقبل، لاعادة التأكيد على قوة العلاقة الاستراتيجية بين الشريكين عبر الاطلسي. وقد تبنى المجلس الاوروبي بيانا خط فيه الخطوط العريضة للعلاقات المستقبلية بين بروكسل وواشنطن، وشدد البيان على أهمية الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة، من أجل الوصول إلى الامكانات الكاملة للشراكة عبر الاطلسي.

اتفاق نووي مع ايران

وفي إشارة إلى الخلافات الكثيرة التي باعدت بين بروكسل وواشنطن في عهد ترامب، دعا المجلس الاوروبي بايدن إلى العمل "معا" للحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران. ووصف البيان هذا الاتفاق بأنه ركيزة أساسية للهيكل العالمي لعدم إنتشار الاسلحة النووية. ولكن في ما يدل على تغيّر في الموقف الاوروبي، عكسه وزير الخارجية الالماني هايكو ماس مؤخرا عن تعديلات في الاتفاق، أضاف بيان المجلس الاوروبي أنه يجب تعزيز إنجازات الاتفاق النووي، وتضمينه تحديات مستقبلية. وستجتمع الدول التي ما زالت موقعة على الاتفاق النووي (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وإيران) في فيينا، لمناقشة مستقبل الاتفاق. ويحاول الاوروبيون إقناع طهران بالعودة للاتفاق النووي، في مقابل عودة واشنطن للانضمام إليه، ورفع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب.

وفيما تستعد أوروبا للاتفاق على هذه الاستراتيجية الجديدة لعرضها على إدارة بايدن، تتزايد الدعوات كذلك للدول الاوروبية الثلاث (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) التي تحاول إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، لعرض رؤيتها على الادارة الاميركية الجديدة من الملف النووي الايراني. وكتب دبلوماسيون أوروبيون رسالة مشتركة نشرت على موقع "المعهد الاوروبي للعلاقات الدولية"، تدعو لعرض خريطة طريق واضحة على إدارة بايدن للعودة للاتفاق النووي.

عقوبات ضد تركيا

التقاطع الاوروبي ـ الاميركي الحاصل حول "إيران والاتفاق النووي"، يوازيه تقاطع آخر حول "تركيا والعقوبات المزدوجة عليها". وسجل مؤخرا تطوران:

- الأول: إبلاغ رئيس المجلس الاوروبي شارل ميشيل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اتصال هاتفي بقرار القمة الاوروبية تشديد العقوبات على تركيا، داعيًا أنقرة للحوار، وضرورة خفض التصعيد في البحر المتوسط، واستئناف المفاوضات مع اليونان وإعادة إطلاق المفاوضات حول التسوية في قبرص برعاية الامم المتحدة. يُذكر أن قمة الاتحاد الاوروبي قررت تشديد العقوبات ضد تركيا بسبب أعمالها في البحر المتوسط. وأجّل الاتحاد الاوروبي تطبيق العقوبات حتى آذار المقبل، وأمهل تركيا حتى ذلك الموعد لتغيير موقفها بشأن التنقيب في المتوسط وحل المشاكل العالقة مع اليونان وتفعيل مسار القضية القبرصية.

- الثاني: إتخاذ الرئيس الأميركي ترامب قرارًا بفرض عقوبات على أنقرة لمضيها في صفقة منظومة "إس 400" للدفاع الصاروخي الروسية الصنع مع موسكو، على الرغم من المحاذير الموجودة في قوانين الولايات المتحدة، مما ينذر بتدهور في العلاقات بين البلدين قبل أسابيع قليلة من تسلم الرئيس المنتخب جو بايدن، الذي لديه أيضًا سياسة متشددة حيال تركيا وسيستمر في ممارسة الضغوط عليها. وأعلنت تركيا رفضها وإدانتها لقرار الولايات المتحدة، معتبرة الخطوة "خطأ جسيما". وأكدت أنها لن تمتنع عن إتخاذ التدابير التي تراها ضرورية لحماية أمنها القومي، ومواصلة الطريق بتطوير الصناعات الدفاعية المحلية رغم العقوبات الاميركية. في المقابل، رحبت اليونان بقرار العقوبات على تركيا ووصفتها بأنها حليف غير آمن يهدد الأمن المشترك لحلف "الناتو".

شراكة بين ضفتي الأطلسي

حول العلاقات الأميركية ـ الأوروبية وكيف يمكن لـ"بايدن" إعادتها، أوردت وكالة "بلومبرغ" التقرير التالي:

"الولايات المتحدة تحترم شراكتها مع أوروبا، ليس فقط بسبب إنضمامهما معًا في "الناتو"، ولكن بسبب القيم المشتركة بينهما، بما في ذلك الحرية الشخصية وحرية الصحافة والتجارة العادلة، وفي معالجة القضايا الدولية، من حفظ السلام في البوسنة، إلى القتال معًا لتغير المناخ من خلال اتفاقيات باريس المناخية. وقد تعرضت هذه العلاقة المتوازنة، لبعض الانحرافات بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي والسياسة الخارجية للرئيس الاميركي دونالد ترامب التي يطلق عليها "أميركا أولا"، ومع انتهاء الانتخابات الاميركية واكتساب الانتقال إلى إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن زخمًا، فإنه سيكون هناك شعور بضرورة إعادة بناء العلاقات الاميركية - الاوروبية من جديد.  

 بالنسبة لادارة الرئيس المنتخب جو بايدن، فإنه من المحتمل أن يكون هناك إغراء لزيادة العمل مع الاتحاد الاوروبي ككل، وأن القوة الجماعية لدول الاتحاد الاوروبي، حتى مع رحيل البريطانيين، تُعد قوية للغاية، ما قد يدفع صانعي السياسة الأميركيين إلى الشعور بأن التعامل مع الكتلة بطريقة موحدة هو النهج الأكثر كفاءة. لكن النهج الأفضل سيكون في جزء منه نهجًا إقليميًا، مع الاعتراف بأن أوروبا الشرقية لديها مجموعة مختلفة تمامًا من التحالفات والاحتياجات عن دول الشمال.

من جهة ثانية، يسعى فريق بايدن الى إحياء شراكة التجارة والاستثمار عبر الاطلسي المقترحة، والتي تم تجميدها من قبل إدارة الرئيس ترامب، وستؤدي هذه المبادرة، من بين تدابير أخرى، إلى إزالة الحواجز التجارية، وتنظيم أكبر منطقة تجارة حرة في التاريخ. هذه الاجراءات لن تخلو من الجدل حيث تخشى بعض الدول الاوروبية المنافسة بأنها ستوفر للتحالف الغربي توازنا للشراكة الاقتصادية الاقليمية الشاملة في آسيا، حتى لا تهيمن عليها الصين.

هل ينجح بايدن بترميم العلاقات القلقة بين ضفتي الاطلسي؟ وهل يتمكن من صياغة موقف غربي موحد من تركيا وايران؟
وما هو موقف تركيا وايران من هذه التطورات؟ أسئلة جوابها في المستقبل القريب، علمًا أن تركيا غارقة في جبهات مضطربة بينما تمتلك ايران  رؤية واضحة وارادة صلبة جاهزة للحل السياسي والمواجهة معًا.

 

الاتحاد الاوروبي

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات