معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

تدهور في العلاقات السعودية - الباكستانية.. لعبة المصالح؟
19/12/2020

تدهور في العلاقات السعودية - الباكستانية.. لعبة المصالح؟

شارل ابي نادر

قد يكون لافتًا الموقف السعودي مؤخرًا تجاه باكستان، والقاضي بطلب المملكة من اسلام اباد تسديد ما يستحق عليها من قروض بشكل فوري، دون تأخير ـو دون منحها فترة سماح كما كان يجري عادة، وحيث يبلغ اجمالي المستحقات للسعودية 2 مليار دولار من أصل 3 مليار، فإن الأخيرة تعرف جيدًا الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه باكستان، الأمر الذي دفع الأخيرة للتوجه نحو الصين لمساعدتها على التسديد.

 ما هو لافت في الموقف السعودي المتشدد تجاه اسلام اباد، أن الرياض طالما اعتبرت باكستان نقطة ارتكازها الاستراتيجية في شرق آسيا، لما للموقع الجغرافي أو للموقف الديمغرافي لباكستان من قدرة تأثير على الدول المحيطة بها، وبالأخص على ايران، وحيث لم تكن تسأل الرياض سابقًا في الموضوع المالي مع باكستان، والتي طالما استفادت من قروض ميسرة ومن هبات ضخمة سعودية، فما هي الأسباب التي ساهمت بتغيير الموقف السعودي اليوم؟ وهل يمكن القول أن العلاقة بين الدولتين نحو التازم؟

- لا يخف على أحد، وخاصة على الحكومة الباكستانية، أن الرياض تعاني حاليًا وضعًا ماليًا مأزومًا، والأسباب كثيرة وأهمها الحرب التي تخوضها منذ حوالي ست سنوات على اليمن، وما لتلك الحرب من تكلفة مالية ضخمة، مباشرة كتكلفة للمجهود العسكري الضخم، أو غير مباشرة من تأثر الاقتصاد السعودي بتلك الحرب، وخاصة من جراء الاستهدافات اليمنية الاستراتيجية لمنشآت اقتصادية ونفطية حيوية داخل المملكة.

 ولكن يبقى هذا السبب (الوضع المالي) على واقعيته وصحته، غير كاف لاتخاذ الرياض موقفًا متشددًا وحساسًا، سيكلفها حتمًا خسارة علاقة استراتيجية مع باكستان، كانت تعتمد عليها في سياستها الخارجية ، وبالتحديد في شرق ووسط آسيا، خاصة أن المبلغ المستحق لها يعتبر غير ذي قيمة كبيرة، ويمكن للرياض الاستغناء عنه وعلى الأقل تأخير الحصول عليه بعض الوقت.

- من جهة أخرى، يأخذ الخلاف بين الهند وباكستان حول ملف كشمير حيزًا واسعًا من الصراع في شرق آسيا، وطالما اعتبرت باكستان أنه على الدول الاسلامية الاقليمية وخاصة القادرة منها، ماليًا أو سياسيًا، مثل السعودية وبعض الدول الخليجية الأخرى التي تدور في فلك الرياض، أن تقف الى جانبها في ملف تاريخي، فيه بعد اسلامي أكثر من بعد باكستاني، وحيث لم تجد مؤخرًا باكستان اية فعالية جدية في الموقف السعودي معها ضد الهند، اختارت اسلام اباد الابتعاد قليلًا عن التوجهات السياسية السعودية، الأمر الذي قد يكون سببًا في تشدد الأخيرة، خاصة أن الرياض مشهورة دائمًا بمحاولة شراء التوجهات السياسية للدول الأخرى المحتاجة بمالها الوفير.

- هذه التوجهات السياسية السعودية، والتي تحاول رهن الدول الأخرى بها، يمكن التماسها من العلاقة مع مصر مثلًا، والتي استطاعت الى حد ما، جرّ القاهرة بالحد الأدنى الذي اقتنع به المصريون، الى دعم عدوانها على اليمن، ولو بقي هذا الدعم بعيدًا عن التدخل العسكري في اليمن مثلما فعلت السودان وما زالت، وربما ستزيد الخرطوم في المستقبل القريب من هذا التورط العسكري في اليمن أكثر بعد العلاقة الجديدة مع "اسرائيل"  وواشنطن.

أيضًا وتحت عنوان التوجهات السياسية السعودية، تأتي العلاقة بين باكستان وبين ايران، والتي طالما أرادتها الرياض مقطوعة أو بالحد الأدنى مأزومة ومتوترة، حيث تعتبر أن اسلام اباد تملك الكثير من عناصرالتأثير على ايران، حيث الحدود الواسعة المشتركة (زاهدان وبلوشستان) وامكانية التأثير الباكستاني الأمني أو الديني واردة، وحيث السواحل المتجاورة والمرافىء القادرة على المنافسة الاقتصادية، بين كراتشي وغوادر في باكستان وجابهار وبندر عباس في ايران.

من ضمن التوجهات السياسية السعودية أيضًا، كان للعلاقة الباكستانية التركية المقبولة، تحفظ سعودي غير بسيط ، حيث تعتبر الرياض دائما أنها مستهدفة من أي دخول أو تقارب تركي مع أية دولة اسلامية أخرى، مهما كانت عناوين هذا التقارب، سياسية أو اقتصادية، بحيث تعتبر السعودية نفسها "قائدة للعالم الاسلامي"، وهذا لا يمكن أن يهضم علاقة جيدة بين باكستان وتركيا، فالأخيرة (دولة العدالة والتنمية) تنافس الرياض في سعيها لـ"قيادة العالم الاسلامي".

 وهكذا، يبدو أن باكستان قد تنبهت أن مصلحتها القومية والسياسية والاقتصادية بشكل خاص، تكمن في علاقة جيدة مع ايران وتركيا وأغلب الدول الجارة لها، الاسلامية وغير الاسلامية، وأي موقف عكس ذلك، سوف تخسر من ورائه الكثير، مما لا يمكن تعويضه بالقروض السعودية الهزيلة، خاصة أن موقع باكستان الجغرافي، بالاضافة لعلاقة جيدة مع طهران، سيؤهلها للعب دور محوري في خطين اقتصاديين استراتيجيين، لهما مستقبل واعد وهما: الأول خط شرق غرب أو الطريق والحزام أو طريق الحرير الصيني، والثاني خط جنوب شمال، أو خط بومباي - سان بطرسبيرغ في شمال روسيا.

 

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات