معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

عام 2020.. اللاجئون الفلسطينيون في لبنان المخاطر والتحديات
26/12/2020

عام 2020.. اللاجئون الفلسطينيون في لبنان المخاطر والتحديات

هيثم أبو الغزلان

شكّلت جملة من الأحداث والمواقف المختلفة عام 2020، ارتداداتٍ بسياقات وأبعاد مختلفة، وتأثيراتٍ على كل المستويات والصّعد، فقد افتُتح العام بعملية اغتيال أمريكية في العراق استهدفت قائد فيلق القدس الجنرال الشهيد قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي الشهيد الحاج أبو مهدي المهندس، ما خَلَق سلسلة من التداعيات والارتدادات التي يبدو أنها ستستمر إلى حين تحقيق التحول الحاسم في إخراج القوات الأمريكية من المنطقة، كما حدّدت ذلك القيادة الإيرانية ردًّا على عملية اغتيال قائد قوة القدس، الذي وصفته مجلة "نيوزويك" الأمريكية بأنّه قد وضع بصماته في أهم التّحولات التي شهدتها المنطقة.

ولم يمض الشهر الأول من العام 2020 حتى أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن "صفقة القرن" ما شكّل منعطفًا حادًا هدفه التسريع في تصفية القضية الفلسطينية، وعلى رأسها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم. تعزّز هذا التحرّك من خلال مسار اعترفت به الإدارة الأمريكية بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ونقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إلى القدس، سبق ذلك خطوات عديدة ضد منظمة التحرير الفلسطينية، تمثّلت بإغلاق مكتب المنظمة في واشنطن، ردّت عليه السلطة لاحقًا بقطع علاقتها بواشنطن، ولإعادة العلاقة من جديد اشترطت السلطة على الرئيس جو بايدن إعادة فتح مكتب المنظمة في واشنطن، وإعادة القنصلية الأمريكية إلى شرقي القدس، ورفض خطة الضم التي وضعها بنيامين نتنياهو وأعلن عنها ترامب، التي ترافقت مع الاعتراف بـ "السيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل"، وسبق ذلك في آب 2018 وقف الدعم الأمريكي وكل التمويل المالي المُقدّم لـ "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، في استهداف واضح وجدّي لوجود الوكالة، وتعبيرًا عن انتهاج سياسة جديدة هدفها إلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين في خطوة حرب سياسية واقتصادية ضد شعبنا.
 
وتتالت الخطوات الأمريكية - "الإسرائيلية" الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية من خلال الإعلان عن اتفاقيات بين "إسرائيل" وقادة الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والسودان، والمغرب مؤخرًا ليؤكد ما قاله في العام 2017، رئيس وزراء الاحتلال "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو إن كثيرًا من الدول العربية لم تعد ترى في "إسرائيل" عدوًا لها. وفي نهاية العام 2020 يُعلن نتنياهو من جديد أنه سيُعلن عن اتفاقيات تطبيع أخرى بين "إسرائيل" ودول عربية وإسلامية. وبعيدًا عمّا قاله نتنياهو فإن هذا التطبيع والاتفاقيات مع الاحتلال هو تخلٍّ واضح عن فلسطين وشعبها، وعن كل "الالتزامات" السابقة في ما عُرِف سابقًا بـ "المبادرة العربية للسلام" التي أطلقها "الرؤساء العرب" في العام 2002، وحينها لم ينتظر "آرييل شارون" حتى يجف حبرها حتى اجتاحت قواته الضفة المحتلة. إن من الواضح أن سياق التطبيع بين "إسرائيل" والدول المُطبّعة سيكون من أولى مهامه تشكيل حلف مشترك لمواجهة أخطار أخرى على رأسها الخطر الإيراني ومحاربة حركات المقاومة، والتعاون في مجالات أخرى بناء على وجود مصالح مشتركة بين الجانبين في مجالات: البيئة والطاقة والأمن والمياه، والتهديدات غير التقليدية: أمن الغذاء والأمن السيبراني ومرض "كوفيد-19"!.

..لقد تضافرت جملة من الأحداث والمواقف فشكّلت تجاه اللاجئين الفلسطينيين جملة من التّحديات والقليل من الفرص خلال العام 2020. ولعلّ ذلك يتمثّل بالهجوم المستمر على قضية اللاجئين، والتطبيع الذي يصنعه بعض القادة والآخذ في الازدياد مع ما يحمله ذلك من مخاطر متزايدة. ولعل ما يُطالب به أعضاء جمهوريون من الكونغرس الأمريكي، إدارة ترامب برفع السرية عن تقرير وزارة الخارجية حول اللاجئين الفلسطينيين منذ العام 2012، قبل تسلّم جو بايدن الرئاسة يشير إلى المزيد من الخطوات التصعيدية على حق العودة؛ فالرسالة تطالب باستبعاد قضية اللاجئين الفلسطينيين عن أي "اتفاقية سلام" قد تُوقّع لاحقًا، واعتبار 5.3 مليون لاجئ فلسطيني مجرّد "سكان"، ومطالبة واضحة بإعادة تعريف السياسة الأمريكية علنًا بشأن هوية اللاجئ، واستبعاد مسألة اللاجئين الفلسطينيين، في مقابل التركيز بقوة على مكافحة "التطرف والإرهاب"، والتعاون الاستراتيجي لتحقيق شرق أوسط جديد.

..وبناء على ذلك، فقد تضافرت في هذا العام عوامل عديدة في التأثير على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وصحيًّا.. وشكّلت إلى حد كبير ومتعاظم عوامل ضغط وتحديات مستمرة. فقد شكّل إعلان الرئيس ترامب عن "صفقة القرن"، منعطفًا حادًا هدفه التسريع في تصفية القضية الفلسطينية، ومنع عودتهم إلى أرضهم وديارهم. كما شكّل التطبيع تحدّيًا جديدًا وإضافيًا، وترافق ذلك مع مرض كورونا، الذي أطاح بكل الحواجز والحدود والطبقات والعادات وكل شيء. كما أدّى انفجار مرفأ بيروت في آب من العام الحالي إلى خلق حالة من التأثير السلبي والمتعاظم على الوضع في لبنان، وبالتالي انعكس ذلك على اللاجئين الفلسطينيين على كل المستويات والصعد.

وفي الوقت الذي ازدادت فيه معاناة اللاجئ الفلسطيني في لبنان في ظل جائحة كورونا، والوضع الاقتصادي الصعب، برزت حالة من التضامن المجتمعيّ البينيّ برزت بأبهى صور التضامن؛ سواء من المؤسسات والجمعيّات أو الأفراد.. ولكن هذا لا يعني أن الأمور مثالية، وليست بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد والترشيد في سبيل التخفيف من معاناة اللاجئين. ولا يُعفي ذلك المسؤولين عن الشعب الفلسطيني من مسؤولياتهم تجاهه؛ فالأونروا، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والدولة اللبنانية مسؤولون في هذا الإطار ويجب العمل من خلال الأونروا والمنظمة على تطوير وترشيد خدماتهما لتشمل المزيد، وعلى الدولة اللبنانية أيضًا أن تلتزم بمسؤولياتها تجاه اللاجئين، مع الإشارة إلى أن حُسن التنسيق، دون تقديمها لواجباتها، لا يعفيها من المسؤولية، كما لا يعفي الأونروا والمنظمة والفصائل الفلسطينية الأخرى من ذلك.

إن النظرة "الإسرائيلية" إلى قضية اللاجئين تستند إلى أبعاد سياسية وأيديولوجية واقتصادية وأمنية، وتهدف إلى رفض حق العودة للاجئين وتوطينهم حيث يقيمون. ورغم أن هناك إجماعًا فلسطينيًا ولبنانيًا على رفض التوطين، الا أن هذا يتطلّب خطة عملية مشتركة فلسطينية ولبنانية وعربية لمواجهة التوطين وفرض تصفية القضية الفلسطينية. وأولى هذه الخطوات: التمسك بالهوية الفلسطينية، والوجود الفلسطيني في داخل فلسطين وخارجها، والحفاظ على المخيمات الفلسطينية باعتبارها شاهدًا على استمرار الصراع ضد الاحتلال، والتأكيد على القرارات الدولية التي تؤكد الصفة القانونية للاجئين وحقهم في العودة.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات