آراء وتحليلات
التشريعات في لبنان: أزمة اقرار أم تنفيذ؟
هاني ابراهيم
عشرات القوانين صدرت عن مجلس النواب لم تجد طريقها حتى اللحظة الى التطبيق. هذه القوانين كلفت الكثير من الناحيتين التشريعية والمالية، لكن، ينتهي بها الأمر في الادراج، والسبب ببساطة يكمن في تجاهلها من قبل الوزراء وجهات تنفيذية أخرى، في اشارة واضحة الى عدم الرغبة لا بالتطبيق ولا حتى الالتزام بالقانون.
ذهب الكثير للحديث عن الأسباب الكامنة وراء عدم تنفيذ بعض هذه القوانين، ووضع ذلك تحت عناوين واعتبارت مختلفة منها ما هو سياسي، وتنظيمي وغير ذلك، لكن الجديد في الأمر ولم يذكر سابقا، ونرى من الضروري لا بل المهم تسليط الضوء عليه، هو قدرة المشرعين عند اقتراح القوانين على تبيان الأسباب الموجبة الواضحة والنتائج المرجوة والأكيدة وآلية التنفيذ لهذه الاقتراحات، ومن هي الجهة المولجة بالتنفيذ وغيرها من الأمور التقنية، وهنا تكمن المشكلة الأكبر.
اللافت في هذا الموضوع هو أن التشريعات التي لا تطبق تتعلق في معظمها بوزارات خدماتية أساسية كالكهرباء، والاتصالات وغيرها. ورأى البعض أن التأخر في اقرار المراسيم التطبيقية لا سيما المتعلقة بالهيئات الناظمة مرتبط على نحو أساس بالخلافات السياسية ونظام المحاصصة القائم في لبنان، والا كيف يمكن لنا أن نفسر صدور مراسيم تطبيقية لقوانين أخرى، مثل قانون منع التدخين أو قانون السير وقانون الايجارات بالرغم من الثغرات العديدة الموجودة داخل هذه القوانين؟
ونتيجة لذلك، تقدم رئيس مجلس النواب ومنذ أكثر من سنتين خطوة الى الأمام من خلال انشاء لجنة معنية بمتابعة تنفيذ القوانين برئاسة النائب ياسين جابر والذي صرح مؤخرًا في لقاء تلفزيوني بأن هناك عشرات القوانين لم تجد طريقها الى التنفيذ، مؤكداً أن سبب ذلك هو تعنت بعض الوزراء لأسباب سياسية بحتة حالت دون تشكيل هيئات ناظمة.
نستطيع القول إن دور اللجان النيابية يقتصر على توجيه سؤال الى الوزراء المعنيين ومن ثم تحويل السؤال الى استجواب في حال لم تقتنع اللجنة بتبريرات الوزير وصولا الى طرح الثقة. لكن السؤال الأهم هو هل التركيبة السياسية في لبنان والتحالفات جاهزة لتأمين الغطاء السياسي تمهيدًا لطرح الثقة باي وزير؟ طبعًا لا.. ما يجعل دور اللجنة يقف عند هذا الحد.
أما من الناحية الدستورية، فإن المادتين 65 و66 تنصان على أن من واجب الحكومة السهر على تنفيذ القوانين والأنظمة، الا أنها لم تبين لنا آلية الزام الوزراء بذلك ولا الاجراءات المفترض اتباعها. وبالتالي، أي محاولة للمحاسبة في هذا الاطار تكون إما أمام المجلس النيابي حيث المسرح الاول للنظام التوافقي والتحالفات البعيدة كل البعد عن المصلحة العامة الا ما ندر، أو أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء والذي بدوره أوجد لكي لا يحاكِم احدًا بالنظر للاجراءات المطلوبة والتي تعتبر صعبة اذا لم نقل مستحيلة.
أمام هذا الواقع كان لا بد من الذهاب الى صياغة قوانين تتضمن نوعًا من الضوابط، تلزم الوزراء والمعنيين بضرورة التنفيذ، لا سيما امكانية وضع مهل زمنية أمام المعنيين بالتنفيذ، سواء ادارات ومؤسسات عامة وغيرها، والا اعتبر القانون نافذًا وهو ما يسمح بتطبيق هذه التشريعات وبسير العدالة دون أية عرقلة.
وهذا ما قامت به كتلة الوفاء للمقاومة في اقتراحها الأخير حول قانون معجل مكرر متعلق بـ"وجوب استيفاء الاقساط في المؤسسات التربوية الخاصة بالليرة اللبنانية". ما يميز هذا الاقتراح عن غيره هو تضمنه بنودًا تتعلق بالمهل من جهة، وببنود جزائية من جهة أخرى، ما يجعل هذا الاقتراح مختلفًا عن غيره، ويضمن الى حد كبير امكانية تطبيقه بالنظر الى الضوابط التي تتضمنه، ويبقى الأمل في أن يبصر هذا الاقتراح النور.
كل ما تم ذكره آنفًا يجعلنا نقف عند هذه التشريعات المتعددة التي صدرت عن مجلس النواب ونسأل: هل أخذ المشرع اثناء دراسة هذه القوانين بعين الاعتبار كتشخيص المشكلة واقتراح الحل لها من خلال القانون؟ هل وضع المشرع آلية لمراقبة تنفيذ القانون وتقييمه؟ وهل غاب عن المشرع مبدأ الموازنة بين التكاليف والمزايا المحتملة لمشروع القانون وغيرها من الآليات التي تتيح للمشرع اقرار مشاريع قوانين جدية تسلك طريقها الى التنفيذ؟
هل نعاني في لبنان مشكلة قوانين لم تنفذ أم مشكلة فقدان قانونيين وحقوقيين حقيقيين داخل المجلس النيابي؟
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024