آراء وتحليلات
جزء دموي جديد من مسلسل "داعش".. ماذا يريد الأميركيون؟
شارل ابي نادر
من غير المنطقي أن تكون هذه الفورة العنيفة مؤخرًا، لخلايا "داعش" النائمة أو لذئابه المنفردة، فورة طبيعية أو عادية، وأن تكون منعزلة وغير مرتبطة بمناورة توجيه ودفع وتحريك مقصود، منظم، وممنهج، لأن شراسة وفعالية هذه الفورة التي تشهدها الساحتان العراقية والسورية، تصل الى مستوى غير بعيد كثيرًا عما كانت تتميز به عمليات التنظيم الإرهابي العكسرية، قبل هزيمة "داعش" في سوريا والعراق، وقبل تشرذُم عناصره في عدة دول من المنطقة.
بداية، وفي متابعة لحركة "داعش" الارهابية في العراق، يمكن استنتاج ما يلي:
خط سير العميات الارهابية التي تتعرض لها وحدات الجيش العراقي أو وحدات مكافحة الارهاب أو وحدات الحشد الشعبي، ينحصر تقريبًا في مناطق كانت بالكامل تحت سيطرة التنظيم بين العامين 2014 و2018، بالاضافة أيضًا، وهذا هو الأهم، إلى أن تلك المناطق كانت وما زالت، تحضن أغلب القواعد الأميركية أو تقترب منها جغرافيًا، نتكلم شمالًا عن منطقة الحضر جنوب الموصل وعن شمال صلاح الدين وجنوب غرب كركوك، بين جبال حمرين وامتدادًا نحو الغرب الى القيارة جنوب الموصل، حيث يوجد أهم ثلاث قواعد أميركية، قاعدة القيارة وقاعدة بلد في صلاح الدين وقاعدة التون كوبري في كركوك.
وأيضًا، تشهد الساحة العراقية حاليًا، حراكًا ارهابيًا تقوم به بعض عناصر "داعش" في وسط وغرب الأنبار، بين غرب الرمادي وصولًا الى حادثة شرق القائم على الفرات، وهي أيضًا مناطق كان يسيطر عليها التنظيم وتحضن أكثر من قاعدة أميركية، مثل عين الأسد والحبانية، بالاضافة لقاعدة القائم والتي تم اخلاؤها مؤخرًا.
من جهة أخرى، وفي متابعة لعمليات التنظيم الارهابي في سوريا، من الملاحظ أنها تنشط في جنوب غرب دير الزور وفي البادية على طريق السخنة - دير الزور أو على طريق السخنة - تدمر، بالاضافة لبعض العمليات شرق حماه والسلمية وعلى طريق اثريا خناصر حلب.
تشكل قاعدة التنف الأميركية نقطة ارتكاز أساسية لتجميع وتوجيه واطلاق المجموعات الإرهابية نحو البادية السورية، وحيث يشكل الامتداد الجغرافي الواسع لتلك البادية صعوبة في مسكه أمنيًا بمراكز ثابتة وبدوريات مؤللة ومدولبة، يجهد الجيش العربي السوري لتلافي تعرض وحداته قدر الامكان لعمليات ارهابية، حيث يتفوق الارهابيون بنقطة الاختباء في مناطق وعرة وصعبة جغرافيًا من البادية، وبنقطة الاستفادة من معطيات استعلامية جوية تقدمها لهم قاعدة التنف، عن خط سير وتوقيتات انتقال آليات الجيش العربي السوري، بالاضافة لاستفادة هؤلاء من قاعدة لوجستية للنقل والتزود بالحاجات الضرورية والذخيرة والسلاح، تؤمنها لهم الطوافات الأميركية انطلاقًا من قاعدة التنف.
النقطة الأخرى التي تؤشر الى الدور الاميركي الأساسي في اطلاق "داعش" في البادية السورية، هي أنه منذ فترة، وحيث كان هناك حديث واسع عن مشكلة الاكتظاظ لموقوفي التنظيم في سجون الشدادي والهول وغيرها، أو عن مشكلة امكانية عودة ارهابيي "داعش" وعائلاتهم الى دولهم في اوروبا ودول الاتحاد الروسي وغيرها، اختفى فجأة الحديث عن المشكلتين، ليتبين وبعد كشف الكثير من المعطيات المؤكدة، عن مناورة نقل لهؤلاء بطوافات أميركية، في ظروف رؤية سيئة، الى العراق بقسم منهم، والقسم الآخر إلى قاعدة التنف أو الى محيطها في البادية السورية، لنشهد بعد ذلك هذه الفورة العملياتية الارهابية لحركة التنظيم في البادية، وبالتحديد على خطوط النقل بين تدمر والسخنة ودير الزور.
عمليًا، لا أحد ينكر وباعتراف أكثر من مسؤول أميركي، جمهوري أو ديمقراطي، أن الإدارة الأميركية الديمقراطية هي أساسًا من أطلق "داعش"، ولأهداف استراتيجية وعسكرية وسياسية وايديولوجية مختلفة، وحيث تعود اليوم هذه الادارة، ليس لتنقض أو تلغي الاستراتيجية التي وجهت سياستها في المنطقة، بل لتكملها من حيث توقفت مع الرئيس ترامب، خاصة أنها فشلت في تحقيق قسم غير بسيط من تلك الأهداف، والتي تَعتبر (الادارة الجديدة الديمقراطية) أن الطريق الأنسب لتحقيق تلك الأهداف، هو طريق الضغوط عبر "داعش"، على روسيا وعلى إيران وعلى سوريا والعراق، وبشكل عام على محور المقاومة.
فالمطلوب من روسيا أن لا تكون قوية كفاية على مياه المتوسط الدافئة، والمطلوب منها أيضًا تخفيف الدعم عن سوريا وتركها تواجه وحدها الحرب الكونية عليها، والمطلوب من ايران أيضًا ترك الدولة السورية وحيدة، وتذويب نفوذها في المنطقة، وخاصة في العراق وسوريا، وانتزاع موقفها القوي من ضمن قوة محور المقاومة، من خلال التنازل في موضوع التفاوض حول الصواريخ الباليستية والقدرات النوعية الاستراتيجية، والمطلوب من الدولة السورية الاستسلام وتقديم البلاد على طبق من فضة للارهابيين أو للمرتهنين للدول الاقليمية أو الغربية، والّا، "داعش" عائد وبقوة الى الساحة السورية، والتي حتى الآن لم تنته من تأثيرات وتداعيات تواجد المجوعات الارهابية أو المرتهنة خارجيًا، شرقًا وشمالًا، مع وضع اقتصادي ضاغط، تعززه عقوبات أميركية وأوروبية جائرة وظالمة.
وأيضًا، أميركيًا، مطلوب من العراق كبت وانهاء الضغط الشعبي والنيابي، والذي يتصاعد بقوة لانهاء تواجد وحدات الاحتلال الأميركي في العراق، ومطلوب أيضًا، أميركيًا واقليميًا، رضوخ الأخير لمسار التطبيع الخليجي ورفع الراية والاستسلام لتوجيهات السعودية في الابتعاد عن ايران والاقتراب نحو "اسرائيل"، والّا انتحاريو "داعش" الاقليميون، وعبر معبر عرعر أو غيره، جاهزون للتفجير في كل المناطق العراقية وفي بغداد، ولإرجاع الساحة العراقية بركة دمٍ ودموع.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024