آراء وتحليلات
السياسة الأميركية في سوريا: هل يقود بايدن حركة تصحيحية؟
سركيس ابوزيد
تركز التقارير الأميركية وأعمال الباحثين والخبراء في شؤون سوريا والشرق الأوسط، حول الوضع في سوريا منذ تفجر الحرب في العام 2011 حتى الآن، وتثمن السياسة الأميركية والغربية في تأمين المصالح الأميركية في سوريا والعقوبات الاقتصادية وجدواھا والخيارات المستقبلية المتاحة أمام الرئيس الأميركي جو بايدن.
في تقييم السياسة الأميركية السابقة اعتبرت معظم التقرير أنھا باءت بالفشل. وتوقفت الدراسات عند دور القوى الخارجية، بما في ذلك صراع الولايات المتحدة وروسيا، و"إسرائيل" وإيران، وروسيا وتركيا، وصراع تركيا مع الولايات المتحدة، وھناك اھتمام آخر مھم وھو عبء اللاجئين على البلدان المجاورة، ووضع الجماعات الكردية واستمرار الھجرة الجماعية في تأجيج ردود الفعل.
ويرى أحد التقارير أنه "باستثناء التصدي لتھديد "داعش" في شمال شرق سوريا، يمكن القول إن السياسة الأميركية بشأن سوريا منذ عام 2011 فشلت في تحقيق أي نتائج إيجابية". من ھنا، تنبع ضرورة إحداث تحول في تلك السياسة. ويرى أن "السياسة الحالية القائمة على عزل سوريا وفرض العقوبات عليھا، نجحت في شل اقتصاد البلاد المدمر جراء الحرب، إلا أنھا فشلت في إحداث أي تغيير في سلوك (الحكومة السورية)".
فالجھود التي بُذلت سابقًا في دعم مجموعات المعارضة وتزويدھا بالمعدات والسلاح للضغط على الرئيس بشار الاسد وحمله على تغيير مساره أو التنحي ساھمت في زيادة اعتماد سوريا على روسيا وإيران وفق التقرير، كما "باءت بالفشل أيضًا عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التي اقتصرت على إحداث تدھور حاد في العملة السورية، وساھمت في انھيارھا"، لكن بحسب التقارير فإن "العقوبات المطبَّقة على سوريا أدت بشكل غير مباشر إلى عواقب إنسانية كبيرة، من خلال تدمير الطبقة الوسطى السورية التي تعد عامل استقرار وتعميق وإطالة بُؤس السوريين العاديّين".
يطرح أحد التقارير ما يراه الخيار الأفضل أمام إدارة بايدن، وھو يتلخص في "بدء عملية دبلوماسية جديدة، تھدف إلى تقديم إطار عمل مفصل لإشراك الحكومة السورية في مجموعة محدودة من الخطوات الملموسة والقابلة للتحقق وإعادة النظر في العقوبات من طرف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي". والھدف من ھذا الإطار الجديد ھو "وقف دوامة الانحدار في سوريا، وإعادة تنشيط الدبلوماسية من خلال إحراز تقدم في مختلف القضايا، وتقديم نھج مرحلي يمنح الحكومة السورية وداعميھا مسارًا جديدًا".
لكن "لن يتم منح ھذه التسھيلات إلّا عندما تتحقق أميركا وحلفاؤھا الأوروبيون من تنفيذ خطوات ملموسة". ويرى التقرير أن إدارة بايدن بحاجة إلى التعاون مع تركيا وروسيا لحل مشاكل المنطقة ومكافحة تنظيم "داعش"، الا أن "واشنطن فشلت في دفع النظام إلى القبول بإصلاحات دستورية واسعة، ومنح منطقة حكم ذاتي للأكراد شمال شرق البلاد، رغم استخدام القوة العسكرية والضغوط المالية ّضده". وأضاف "تحت إشراف أميركي، تم تحويل المنطقة (شمال شرق سوريا) إلى شبه دولة بجيشھا الخاص... لكنھا لا تستطيع الدفاع عن نفسھا بلا بالموارد الأميركية". ويعتقد واضعو التقرير أن "مصالح الولايات المتحدة لا تقتضي ضمان إدارة مناطق شرق سوريا بيد الأكراد، بل احتواء التھديدات الارھابية ھناك"، وأن "تقبّل إدارة بايدن لمصالح تركيا وروسيا في سوريا سيسفر عن نتائج أكثر إيجابية".
يتصاعد الجدل في الولايات المتحدة حول الإستراتيجية التي يجب أن تنتھجھا الإدارة الأميركية الجديدة، بقيادة بايدن. وأمام الولايات المتحدة، حسب الأفكار الواردة في تقرير آخر أن جو بايدن، في سوريا ھو أمام خيارين: إما الاستمرار في المقاربة الحالية أو اعتماد عملية دبلوماسية جديدة تھدف إلى وضع إطار مفصل للتحاور مع الحكومة السورية بشأن مجموعة محددة من الخطط الفذة، إذ تقدم الولايات المتحدة وأوروبا مقابلھا المساعدة وعليه، فإنه "من خلال الإعلان عن سلسلة من الخطوات المتبادلة المتفاوض عليھا، يمكن لأوروبا والولايات المتحدة ممارسة نوع آخر من الضغوط على سوريا بغية إطلاق الإصلاحات التي تم رفضھا حتى اليوم، ووصول الادارة الاميركية الجديدة يقدم فرصة فريدة لتغيير الوجھة ولاختبار جدوى ھذه المقاربة الجديدة".
ويقترح المدافعون عن ھذه المقاربة أن تكون الخطة علنية، كي يُعرف من المسؤول عن فشل الحل. لكن مسؤولين غربيين وأميركيين يقولون إن ھذه المقاربة جُرّبت وعُقدت اجتماعات غير علنية بين الجانبين الأميركي والروسي في فيينا. كما يحذرون من أن "مقاربة كھذا تعني بدء التطبيع مع دمشق". إحدى مشكلات ھذه المقترحات، ھي غياب البعد الجيوسياسي عنھا، خصوصًا الوجود الإيراني. بالمقابل ھناك توقعات روسية حيال سياسة الإدارة الأميركية في سوريا، كشفھا السفير الروسي في دمشق (والذي يشغل في نفس الوقت منصب مبعوث بوتين الخاص الى سوريا) ألكسندر يفيموف، ويقول إن واشنطن سوف "تواصل الضغط على الحكومة السورية، وبشكل عام لن تتغير الإستراتيجية الأميركية تجاه سوريا، في عھد الرئيس جو بايدن، من السابق لأوانه الحديث عن خطط الإدارة الأميركية فيما يتعلق بسوريا. لكن من الصعب، من حيث المبدأ، توقع حدوث إعادة نظر بالنھج الأميركي، وعلى الأرجح، سوف يستمر الضغط المباشر على دمشق".
وجاء حديث يفيموف بعد بروز تقارير إعلامية في روسيا أخيرًا، لفتت إلى "تنشيط الولايات المتحدة خططًا في سوريا، لھا أھمية خاصة للناحية الإستراتيجية، وتشكل تھديدًا خطيرًا لموسكو ودمشق"، وذلك من خلال إنشاء وتحديث قواعد جوية ومنصات طيران جديدة على نھر الفرات، كما تعتزم الادارة الاميركية زيادة دعم الجماعات المسلحة الكردية".
لذلك، فإن التقديرات أن يكون "الملف السوري" جزءًا من الملفات ذات الاولوية لبايدن وفريقه، كما أن إدارة الملف السوري لم تتشكل إلى الآن فيما تغيب أي بوادر اھتمام لدى الإدارة الأميركية الجديدة به. هل يستمر الرئيس بايدن بنهج سلفه أم سيقود حركة تصحيحية جديدة تجاه السياسات الأميركية في سوريا؟ الانتظار سيد الموقف.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024