آراء وتحليلات
ميانمار خاصرة الصين الغربية: أزمة الروهينغا
عبير بسام
يدفع اليوم مسلمو الروهينغا ثمناً باهظاً في لعبة سياسية قذرة، سواء كانوا قد دخلوها طوعاً أو كراهية. جيء بالروها من أفغانستان إلى مينامار للعمل كذوي أجر منخفض في شركة الهند الشرقية إبان الاحتلال البريطاني لجنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية. واليوم باتوا إحدى الحلقات الأضعف في الصراع العالمي الدائر ما بين الغرب والصين، والذي وصل أوجه منذ العام 2017. ومن الواضح أن الصراع يهدف إلى تدويل أزمة الروهينغا والدخول إلى راخين عبر بوابات منظمات الإغاثات الدولية التي دعمتها السعودية ودول الغرب. فما الذي يحدث هناك؟ وكيف بدأت الأزمة، ولماذا؟
فعلها البريطانيون في بورما، كما فعلوها في العراق وسوريا. حيث تم إبان الثلاثينيات من القرن الماضي جلب الأكراد من مناطق سكنهم المتفرقة ليعملوا مع البريطانيين في شركة النفط العراقية في الموصل وفي حقول النفط في الشمال السوري، فنقلوا الهنود الأفغان للعمل معهم في بورما، كما سموها.
أعاد الجيش تسمية ميانمار الأصلية للدولة، في العام 1989، لأنها تمثل جميع الإثنيات والأعراق. رفضت التسمية الجديدة كل من بريطانيا واستراليا وكندا وأميركا، بينما رحبت بالأمر حكومات كل من ألمانيا والهند واليابان وروسيا والصين والأمم المتحدة. إذاً النية باستخدام الروهينغا من أجل إعادة تقسيم ميانمار موجودة، والتي تمثل التاريخ الاستيطاني المتغلغل في كل من الدول الأربعة التي رفضت التسمية. والهدف تدويل أزمة ميانمار ونشوء نزاع دامٍ على طول إقليم راخين، أملاً بفيدرالية روهينغية على الطريقة الكردية.
تزامنت أزمة الروهينغا في العام 2017 مع الحملة التي بدأت ضد الصين واتهامها بالقيام بالتطهير العرقي في مقاطعة تشينجيانغ الذاتية الحكم، والتي يعد الإيغور أغلبية سكانية فيها. وكادت الأزمة تحاصر الصين في جنوبها الشرقي كما في جنوبها الغربي عبر تسلل مجموعات مسلحة إليها للقتال تحت شعار التحريض العرقي والديني.
الأهمية في المقارنة ما بين الإيغور والروهينغا، أولاً، عبر اختيارهما كمجموعتين اثنيتين ذاتي أغلبية مسلمة والعمل على التحريض ضدهما أو تحريضهما ضد المجتمع الذي تقطنان فيه وتسليحهما. وثانياً، إعادة تفعيل التجربة الأميركية في تجنيد الإيغور ضمن تنظيم القاعدة في أفغانستان منذ السبعينيات. وبعد خروج السوفييت عادت المجموعات الإرهابية المنظمة إلى إقليم شينجيانغ، التي مولت من قبل السعودية للقتال في سوريا، تماماً كما دخلت السعودية على خط الأزمة لاحتضان لاجئي الروهنغا في بنغلادش.
تحتل مجموعات الإيغور اليوم مدينة جسر الشغور في إدلب، وهم أزمة قائمة بحد ذاتها، اذ يرفض الجميع استقبالهم بما فيهم الصينيون. هذه الحقائق تظهر سلسلة من الأحداث المترابطة المخيفة لحجم الدمار الذي تحمله الخطط الأميركية ومن ورائها بريطانيا، ودور كل من تركيا والسعودية في نقل الإرهابيين من مختلف أصقاع الأرض إلى سوريا والعراق وليبيا واليمن وسيناء و..
تطرق تقرير منظمة حقوق الإنسان في العام 2018 عن الصراع الدولي في [ميانمار]، بورما الى انتهاك لحقوق الإنسان في ميانمار، في زمن الديمقراطية برئاسة اونغ سان سو تشي، الموالية للغرب، اذ جاء فيه أن حوادث اختفاء واعتقال للصحفيين، واتجار بالنساء، واختفاء كوادر من المنظمات الحقوقية والإنسانية تحدث في ميانمار. الإصرار على التسمية "بورما" الاستعمارية في التقرير، أمر ملفت بحد ذاته. ويستقرأ من الفقرة المختصة بالتدخل الأجنبي، والتي تحدثت عن عمق العلاقات ما بين الصين وميانمار، موقف سياسي، عبر الحديث عن ازدياد مشاريع البنى التحتية الصينية في إطار مبادرة "حزام واحد وطريق واحد"، بما في ذلك "تطوير ميناء بحري شرقي يوفر وصولاً استراتيجياً للمحيط الهندي"، الأمر الذي لم يرق للأميركيين بسبب توسيع مشاريع الصين في غرب آسيا.
لم يرق للدول الغربية دخول الصين على خط حل أزمة الروهينغا، وخاصة لجهة التعامل مع الجماعات المسلحة. وعرقلت الصين طوال 8 سنوات مشاريع قرار لمجلس الأمن بإدانة الجيش، ولوحت باستخدام الفيتو. فأيّ إدانة للجيش ستؤدي إلى تدخل عسكري دولي باسم الأمم المتحدة، وتصعيد للقتال العرقي في ميانمار، وإعادة تسليح "جيش إنقاذ الروهينغا في آراكان"، والفوضى العارمة على حدود الصين الجنوبية.
واجهت بنغلادش حملة لئيمة ضد حكومتها بسبب حوادث حرق مخيمات الروهينغا وبسبب نقلهم إلى جزيرة منعزلة تتبع لدولة بنغلادش في خليج البنغال، وأول المهتمين بقضية الروهينغا هم البريطانيون، حيث طالبت بريطانيا بالإبقاء على معسكرات الروهينغا بالقرب من الحدود مع الصين في بنغلادش وحتى بعد حرقها. والأمر ليس صدفة! فهم ينسجمون بذلك مع المصلحة الأميركية.
بعد الانقلاب وعودة الجيش لتسلم السلطة في البلاد، هدد الرئيس بايدن بتطبيق العقوبات الاقتصادية على السلطة العسكرية، كما طالبت بريطانيا بعودة سلمية للسلطة الديمقراطية في ميانمار. وبدأت الاتهامات تنهال على الجنرال مين اونغ هالينغ، القائد العام للجيش الذي اقترب من سن التقاعد، بأن الانقلاب يعد بمثابة محاولة للحفاظ على نفوذه السياسي والمالي، الذي استغله ليبني شركة ميانمار الاقتصادية المحدودة. وفي وقت سابق طالبت الأمم المتحدة دول العالم بفرض عقوبات على الموارد المادية للشركتين المملوكتين من قبل عائلته. بينما في الحقيقة يرى البريطانيون أن مشروع التقسيم البريطاني القديم قد طار بعد عزل سو تشي، خريجة الجامعات البريطانية، عن الحكم.
بالطبع جميع الاتهامات للقائد هالينغ تأتي من بوابة عودة الديمقراطية، لم تكن لتنبئ بأن خيراً قادماً سيصيب ميانمار، وأن استغلال الأزمة مرتبط بمشروع كبير، بدءاً من تصريحات عضو مجلس اللوردات البريطاني عامر سافراز، الذي اعتبر أن بريطانيا قد قطعت شوطاً مهماً خلال العام 2020 في دعم الأقلية من الروهينغا، ودعا إلى مواصلة الالتزام بالدعم، وتحمل المسؤولية الأخلاقية تجاه الشعب. كما رحبت بريطانيا في كانون الثاني/ يناير من العام الماضي بقرار محكمة العدل الدولية الذي دعا سلطات ميانمار لحماية شعب الروهينغا، ومنعت اثنين من كبار الجنرالات المرتبطين بانتهاكات حقوق الإنسان في ميانمار من دخول المملكة المتحدة أو استخدام البنوك البريطانية. كما دعت بريطانيا إلى اجتماع عشرين دولة من الاتحاد الأوروبي من أجل استصدار قرار بإدانة الانقلاب.
في منتصف شهر شباط/ فبراير الماضي، بدأت السلطات في بنغلادش بنقل ما بين 4 - 5 آلاف لاجئ من أقلية الروهينغا المسلمة إلى جزيرة بهاسان شار في خليج البنغال. ورغم انتقادها رفضت حكومة دكا ابقاء اللاجئين في المخيمات على حدودها، لأنهم بذلك سيشكلون قنبلة موقوته، وابدت استعدادها لتوطين 100 ألف من الروهينغا في بيوت خرسانية في الجزيرة المنعزلة. الروهينغا، للأسف لم يفهموا بعد أنهم أداة في لعبة سياسية دولية قذرة، وأن الخوف من مخيمات اللجوء والفقر هو تحول شعب طيب إلى بؤر داعشية مستقبلية يراد لها خدمة مشاريع الدولية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024