آراء وتحليلات
تصدّع الإمبراطورية الأميركية وتأثر أتباعها في المنطقة
إيهاب شوقي
رغم الإيمان بثبات الإستراتيجيات الأمريكية وعدم تعرضها للتغير أو التعديل وفقًا للحزب الحاكم أو شخص الرئيس واسمه، إلا أن هناك تفاوتاً وتعديلات على أسلوب الإدارة ولغة الخطاب والتكتيكات لا يستطيع أحد إنكارها، وهي تميز عادة السياسة الخارجية للحزب الحاكم للولايات المتحدة، بنفس القدر الذي تميزه السياسات الداخلية المتعلقة بالأمريكيين أو "دافعي الضرائب" وفقًا للمصطلح الأمريكي الدارج.
وهناك أيضًا فيما يبدو من الشواهد ارتباكات غير مسبوقة طرأت على القوة الإمبريالية الأمريكية، مما تسبب في أداء سياسي أمريكي تشوبه التناقضات، إضافة الى سوابق تاريخية داخلية لم تشهدها أمريكا منذ النشأة، وهو ما يؤكد أن الإمبراطورية الأمريكية دخلت في مرحلة الأفول، وإن احتفظت بهيكل قوتها وتفوقها، فلا نستطيع المجازفة بالقول إنها انتهت، ولكننا بالمقابل لا نستطيع المجازفة بالقول إنها مستمرة وإن ما تعيشه هو مجرد كبوة قابلة للتدارك.
الأدق هو أن أمريكا دخلت في منحنى الهبوط الإمبراطوري والذي يتطلب بعضًا من الوقت للمس آثاره الكبرى. وفي محاولة لرصد اللحظة الراهنة، يمكن القول إن هناك توابع لزلزال فترة ترامب، والتي انتهت بشكل مباغت لترامب نفسه وحلفائه في الكيان الصهيوني والخليج ودول عربية أخرى.
ويمكننا تلخيص ما نحاول رصده على المستوى الأمريكي والإسرائيلي والخليجي في عدة نقاط كما يلي:
1- على المستوى الأمريكي:
هناك مأزق تعانيه إدارة بايدن، يتمثل في وعود صريحة بالالتزام بالاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها أمريكا، ومن ضمنها الاتفاق النووي مع إيران، ونظرًا لإرث ترامب وخطواته التصعيدية والتي حفزت المقاومة على إخراج ما لديها من بعض أوراق القوة، وسارت مع ترامب إلى نهاية الشوط التصعيدي حتى حافة المواجهة العسكرية، فإن عودة بايدن للالتزام الطبيعي بالاتفاقية، بدا تراجعًا وهوانًا أمريكيًا بعد أن كانت أمريكا تريد تصديره كإنجاز أمريكي وتحاول الإيحاء بأنه نصر دبلوماسي.
وهذا المأزق هو ما يفسر التخبط الأمريكي المتصاعد كلما أصرّت إيران على موقفها العادل من رفض التفاوض على ما تم الاتفاق عليه سلفًا.
ويتمدد التخبط على كامل خط المواجهة مع محور المقاومة في سوريا والعراق واليمن، وهو ما نراه من تحركات تبدو متناقضة على مستوى التصريحات الأمريكية وكذلك الخطوات العملية.
2- على المستوى الإسرائيلي:
يبدو التخبط الإسرائيلي على مستويات أكبر من التخبط الأمريكي، حيث وضع نتنياهو أوراق لعبته في جعبة ترامب، وبدا وكأنه أكبر المتضررين من سقوطه، معتمدًا على تصفية القضية من طرف واحد متسترًا بالحائط الأمريكي الذي يتلقى جميع الإنتقادات والسهام، بينما حدث الانكشاف الإستراتيجي بعد بيان عدم تحمل أمريكا لهذه المجازفة والتي لم تحقق شيئًا سوى تراجع هيبة أمريكا وزيادة أسهم المقاومة.
وبدأت أصداء هذا الانكشاف تتحقق على مستوى الوضع الداخلي الإسرائيلي من انتقادات علنية غير مسبوقة بين مؤسسات صهيونية كبيرة مثل الموساد والجيش ورئاسة الوزراء.
ولعل تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي السابق، أفيغدور ليبرمان، كاشفة، عندما قال إن بلاده ليست في حاجة لانتظار كارثة على غرار "حرب أكتوبر" أخرى، ونشر ليبرمان تغريدة على حسابه الرسمي على "تويتر"، علق فيها على تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير حربه بيني غانتس، بشأن الاتفاق النووي الإيراني، وقال ليبرمان: "تصريحات رئيس الوزراء ووزير الدفاع العدوانية ضد إيران ما هي إلا تصريحات لصالح بضعة أصوات فقط، حيث يقدم نائب رئيس الموساد صورة مقلقة للغاية".
وأشار ليبرمان هنا إلى تصريحات نائب رئيس الموساد المنتهية ولايته والتي قال فيها إن نتنياهو أساء إدارة الملف النووي الإيراني، وطالبه بنقل "حرب الاستنزاف" بين الكيان الصهيوني (إسرائيل) وإيران حيال البرنامج النووي الإيراني، إلى داخل طهران نفسها، أو تحويلها إلى طرف ثالث، ليقوم بالحرب نيابة عن تل أبيب، خاصة وأنها مرهقة وطويلة، موضحًا أن هناك تباينا واضحا في بلاده بين مسؤولية جهاز الاستخبارات الخارجية "الموساد" والإدارة السياسية، أو خلط غير مفهوم.
وهذا الخلط الذي يتحدث عنه نائب رئيس الموساد، ما هو إلا ارتباك وتخبط ناجم عن التستر بالحائط الأمريكي والذي تشقق أمام المقاومة وصمودها، وها هو العدو يعاني من ارتباك مصدره عدم القدرة على التصعيد لحافة الحرب وعدم التراجع لحافة القبول بالأمر الواقع وتوازناته الجديدة!
3- على المستوى الخليجي:
ربما يكون الأمر الخليجي هو الأكثر بؤسًا، بعد تفريط الخليج عامة، وبشكل أكثر تحديدًا، الامارات والسعودية والبحرين في كافة أوراق الشرف العربي، والارتماء التام في الحضن الأمريكي والصهيوني، وهو ما أحدث انكشافا أكبر من انكشاف العدة بعد سقوط ترامب، حيث كانت مواجهة ممارسات السعودية تحديدا، جزءا من تعهدات بايدن، وهو ما يعني مأزقا مركبا على المستوى الداخلي والخارجي.
ويبدو الخليج مرتبكًا وفي وضع أشبه بوضع العدو الصهيوني، فهو يخشى المواجهة مع محور المقاومة بالتمادي في التحالف مع الصهاينة، وكذلك لا يجرؤ وربما لا يرغب في العودة الى الشرف العربي والتمسك بالثوابت ومواجهة أمريكا، وهو موقف عبثي أشبه بأسطورة سيزيف والذي حكمت عليه الآلهة كعقاب بأن يجبر على دحرجة صخرة ضخمة على تل منحدر، ولكن قبل أن يبلغ قمة التل، تفلت الصخرة دائمًا منه ويكون عليه أن يبدأ من جديد مرة أخرى.
هي فترة توابع بعد زلزال ضخم أحدثته فترة ترامب، وكان يراد لهذا الزلزال أن يهدم بنية المقاومة، بينما صمدت مما أدى إلى هزات ارتدادية شققت بنية محور الاستعمار وتوابعه ونجم عنه ما نراه من اهتزاز وتخبط.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024