آراء وتحليلات
البرلمان العراقي وملف الوجود الاميركي
بغداد: عادل الجبوري
منذ حوالي اسبوعين، والساحة السياسية العراقية، تشهد حراكاً بوتيرة أسرع وأوضح لاتخاذ خطوات واجراءات عملية في ملف انهاء التواجد العسكري الأميركي في العراق.
والمختلف هذه المرة، عما سبق، هو أن مجلس النواب العراقي، دخل على الخط بقوة - رغم أن أعضاءه يتمتعون حالياً بالعطلة التشريعية- من خلال بعض كتله الرئيسية، صاحبة الثقل الأكبر في البرلمان، مما يؤشر الى أن تفاعلات المرحلة الراهنة يمكن أن تفضي الى قرارات وقوانين، ستسهم في رسم وصياغة معالم وملامح وحقائق المرحلة المقبلة.
وخلال الأسبوعين الماضيين، عقد التحالفان البرلمانيان الأكبر، وهما "الفتح" بزعامة هادي العامري، و"سائرون" بزعامة السيد مقتدى الصدر، اجتماعات مشتركة مطولة على مستوى عال، أفردت حيزاً واسعاً لموضوع الوجود العسكري الاميركي في العراق، وأهمية تفعيل اجراءات إنهائه، وما ينبغي على مجلس النواب القيام به في هذا الشأن.
ولعل التقاء الفتح وسائرون، وهما اللذان بدا أن مواقفهما متقاطعة الى حد كبير طيلة الشهور الأربعة المنصرمة، عند موضوع الوجود الأميركي، وتبنيهما موقفاً واحداً، وسعيهما الى الدفع باتجاه أن يضطلع البرلمان بدور محوري في واحدة من القضايا الوطنية المحورية والمهمة، التقاء التحالفين الكبيرين، يعني أن فرص تشريع قانون انهاء الوجود الأجنبي على الأراضي العراقية، باتت أكبر من أي وقت مضى.
وترافقت اجتماعات الفتح وسائرون، مع تصريحات واضحة وصريحة لعدد من الساسة والنواب، الذين شددوا على عدم شرعية التواجد الاجنبي-الاميركي في العراق، وضرورة الاسراع بانهائه.
وفي الوقت الذي كشف فيه برلمانيون من تحالف الفتح، عن تقديم طلب موقع من سبعة وسبعين برلمانيا، الى رئاسة البرلمان للنظر بالاتفاقية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، تؤكد مصادر مقربة من الرئاسة، أن هذا الملف، سيتصدر قائمة الموضوعات التي ستطرح للبحث والنقاش في بداية الفصل التشريعي المقبل، وترجح تلك المصادر أن تفضي النقاشات الى تشريع قانون بهذا الخصوص خلال فترة زمنية غير طويلة.
وجاءت تصريحات رئيس تحالف الفتح هادي العامري من محافظة ديالى قبل عدة أيام، لتمثل رسالة واضحة للغاية، رداً على ما أفصح عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حديثه المطول مع شبكة "سي بي اس" التلفزيونية الاميركية في الثالث من شهر شباط-فبراير الجاري، حيث قال العامري "لن نسمح قطعا بأي تواجد بري أو قواعد جوية أميركية بالعراق، وسيقرر ذلك بالبرلمان، والقوات الأميركية أجبن من أن تقوم بتحركات في المدن العراقية". علما أن العامري كان قد صرح بعد اجتماعات الفتح وسائرون أن "اتفاقية الاطار الاستراتيجي بين العراق واميركا لا تتضمن وجود قوات للاخيرة في العراق"، متساءلاً "واذا كانت تنص على منع تقويض النظام الديمقراطي في العراق، فأين كانت عندما سقطت اربع محافظات عراقية بيد تنظيم داعش الارهابي؟"، وكشف بأن رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، أكد له شخصيا بأنه لم يطلب تواجد القوات الأميركية في العراق.
ولاشك أن التحرك البرلماني بهذا الاتجاه، يستند اضافة الى الدعم السياسي والزخم الجماهيري والاعلامي الكبير، الى الدستور، الذي لايقر بأي تواجد أجنبي على الاراضي العراقية، الا بطلب رسمي من الحكومة، وموافقة من مجلس النواب.
ويلخص بعض الساسة العراقيين، الموقف الرسمي والشعبي العراقي بثلاث نقاط، هي:
- لا لوجود قواعد عسكرية على الأراضي العراقية.
- لا لوجود قوات عسكرية قتالية على الأراضي العراقية.
- لا لاستخدام الأراضي العراقية للاعتداء على دول الجوار.
واذا أردنا الاحتكام الى معطيات وحقائق الواقع، نجد أن واشنطن تذرعت في أوقات سابقة بخطر تنظيم "داعش"، الذي اجتاح عدة مدن عراقية صيف عام 2014، واليوم بما أن "داعش" انتهى عسكرياً في العراق، فلم يعد هناك مبرراً لبقاء الاميركان، وهذا يحتم على السلطات التنفيذية والتشريعية العراقية أن تتحرك في هذا الاطار ايضا.
وتزداد القناعة بعدم مصداقية واشنطن، وضرورة التعاطي الحازم مع توجهاتها وأجنداتها التوسعية، عبر التدقيق والتوقف عند ما أكده ترامب مؤخراً، حينما قال إن قوات بلاده ستبقى في العراق، بغرض مراقبة الشرق الاوسط، وتحديدا ايران، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة الاميركية تريد أن تتخذ من العراق قاعدة ومنطلقاً لشن الحروب والتجسس على خصومها وأعدائها، وتعزيز أمن أصدقائها وحلفائها وأتباعها.
والملفت أن وزير الحرب الأميركي بالوكالة باتريك شاناهان، الذي زار العراق قبل يومين، علق على ذلك الحراك البرلماني العراقي، قائلا "هناك نشاط في مجلسهم التشريعي، النقاشات تتناول ما إذا كان يجب الحد من عدد القوات الأميركية في العراق، وأردت أن أوضح لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي، أننا نعرف دورنا وندرك أننا هنا بناء على دعوة الحكومة".
ويبدو أن الادارة الأميركية تشعر بطبيعة وحجم وأثر ما يجري في بغداد من خلال البرلمان العراقي وكتله الفاعلة والرئيسية، ولعله من اليسير جداً تلمس قلق واشنطن في طيات تصريحات وزير الحرب، وتحركات بمستويات مختلفة وبعدة اتجاهات من أجل تحشيد موقف سياسي وبرلماني يفشل أية خطوات داخل البرلمان لتشريع قانون إنهاء التواجد الأجنبي، الى جانب حملات إعلامية (بروباغندا) ضد الحشد الشعبي والقوى والشخصيات السياسية التي ترتبط بعلاقات جيدة مع ايران، ومحاولة خلق انطباعات لدى الرأي العام العراقي بأن تنظيم "داعش" مازال موجوداً وخطره لم يزل بالكامل، ومازالت الحاجة قائمة للدعم الدولي في هذا الجانب.
وطبيعي أن واشنطن لا بد أن تتحرك بالاتجاه المعاكس، وتضع العصي في الدواليب، وتحرك ماكيناتها الاعلامية وأدواتها السياسية، ومن الطبيعي أن تفشل اذا كان تيار وحراك الطرف الأخر أقوى وأكبر وأشمل.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024