آراء وتحليلات
الولايات المتحدة: أقبح فصول التمييز العنصري ضد الأميركيين الأصليين
عبير بسام
يكثر الكلام المتبجح حول حقوق الإنسان ودور المؤسسات الدولية في انتقاء هذه التعابير ونشرها وكأنّها طلاسم لا يفهمها سوى الغرب ومنظماته التي جاء بها ليكرس عدوانه في أماكن، واستيطانه في أماكن أخرى. وأوضاع "الأميركيين الأصليين وسكان ألاسكا" في الولايات المتحدة ليست بأفضل من أحوال باقي الأقليات العرقية في بلاد العم سام.
في الحقيقة لم يبدأ الكلام عن حقوق الإنسان يأخذ هذا الشكل المرائي في أمريكا والعالم، إلّا بعد الحرب العالمية الثانية: كلام "فنتازي" للتحكم بالشعوب المقهورة، بعد استقلال العديد منها وبدء نهاية الاستعمار الاستيطاني والعسكري في آسيا وأفريقيا، كجزء من التحول باتجاه الاستغلال المنظم المعتمد على تجهيل الشعوب واستغلالها لصالح الحفاظ على مستوى الحضارة الغربية وطريقتها في العيش وتقديمه على مفاهيم الشعوب والحضارات الأخرى. اعتمد الاستغلال سياسة تفريغ العقول في الدول المُستغلة والمنهوبة. وفي الحقيقة إن ما حدث ويحدث مع الأميركيين الأصليين في أمريكا لا يخرج عن إطار تهميش السكان الأصليين وتحجيمهم في بلادهم وسرقة أراضيهم وممارسة الإبادة العرقية بحقهم.
نشر موقع "the Lancet" "أي المشرط"، وهي مجلة طبية، في آذار/ مارش 2021 عن "مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" تقريرًا يشير الى أن الجوائح التي تصيب هذه المجتمعات تعد الأخطر بين أقليات سكان الولايات المتحدة، وأن ضحايا كوفيد 19 ما بين الهنود الأميركيين وسكان آلاسكا الأصليين نسبتها أعلى بكثير مما هي بين البيض الأميركيين، والأقليات العرقية على حد سواء، تماما كما حدث حين انتشر وباء انفلونزا الخنازير في العالم في العام 2009، فإن نسبة الوفيات ما بين سكان أمريكا الأصليين كانت الأعلى.
وبناء عليه، جاء في موقع مجلة "المشرط" أنه سجل في شباط/ فبراير 2021 [181576] حالة كوفيد 19 بين الأميركيين الأصليين وسكان آلاسكا الأصليين من قبل مؤسسة الخدمة الصحية الهندية، وطالبت المؤسسات الفيدرالية بتأمين الأموال اللازمة للعناية الصحية للسكان الأصليين، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ولكن تبين أن لا إحصاءات تبين عدد هؤلاء الغائبين الحاضرين.
أعدت الجمعية الأميركية للأمراض المعدية دراسة في شباط 2020، وتضمنت 14 ولاية أميركية يعيش فيها 46% من سكان أمريكا الأصليين، تتراوح أعمارهم ما بين (20- 49) عاماً. وقد أوضحت النتائج أن نسبة الوفيات بين الأميركيين الأصليين هي 1.8 أعلى من نسبتها مقارنة مع الأميركيين من أصول بيضاء، ما عدا الهيسبانك البيض دائماً، وأن نسبة الوفيات بين النساء أعلى مما هي عليه بين الرجال. وجاءت التوصية بأن أوضاع السكان الأميركيين الأصليين تلزم اتخاذ تدابير صحية ووقائية خاصة بهم حين وضع الخطط الوطنية لمحاربة الوباء.
أحد أهم أسباب انتشار المرض بشدة في مجتمعات الأميركيين الأصليين أنهم يعيشون كجماعات متلاصقة في المحميات التي خصصت لهم، مما يؤدي إلى الاختلاط المجتمعي والذي يسهل انتقال الوباء. وبحسب الجمعية الأميركية للأمراض المعدية فإنه في 28 حزيران 2020، أظهرت فحوصات الـ PCR أن هناك 19378 حالة إيجابية بين أمّة النافاجو، وهي النسبة الأكبر في الولايات المتحدة بما فيها نيويورك، وتتقدم أعداد الإصابات فيها على أعداد الإصابات في ووهان في ذروتها. وفي يوم آخر في 30 حزيران/ يونيو كانت هناك 7532 حالة أخرى، كما أكدت 363 حالة وفاة في يوم واحد.
وبحسب مؤسسة الخدمة الصحية الهندية، شكل الأمريكيون الأصليون 18٪ من الوفيات و11٪ من الحالات مقارنة بـ 4٪ من إجمالي السكان في ولاية أريزونا. 57٪ من الحالات مقارنة بـ 9٪ من إجمالي السكان في نيو مكسيكو، و 30٪ من الحالات مقارنة بـ 2٪ من إجمالي السكان في وايومنغ. وقد كان النظام الصحي في أمريكا أحد أهم أسباب ارتفاع اعداد المصابين بكوفيد 19 وخاصة في المناطق الريفية التي تفتقر البنية التحتية لمستشفياتها إلى التجهيزات الخاصة بالعناية المشددة، والاستقبال الضعيف للمرضى من الأميركيين الأصليين.
ترتفع بين أفراد هذه الفئة المجتمعية الأمراض المزمنة ارتفاعًا شديدًا، من أمراض القلب والضغط والسكري والربو. أبيغيل إيكو هاوك، طبيبة في معهد الصحة الهندي الحضري، وكبيرة مسؤولي الأبحاث في مجلس الصحة في سياتل، تتحدث عن أسباب ارتفاع نسبة الامراض المزمنة، في مقال نشر على موقع sciencemeg.org في شهر أيلول/ سبتمبر 2020. تشرح إيكو هاوك وبعد دراسات معمقة مع المعهد، أن النظام الأميركي القائم على مفهوم الاستيطان يستمر بتعريض حياة الأميركيين الأصليين في ألاسكا وجميع أنحاء أميركا للخطر. فهو يجردهم من أراضيهم ويعزلهم في محميات بعيدًا عن النظام المعيشي والغذائي والروحي الذي اعتادوا عليه، مما يؤدي إلى ضعف في التغذية وقلة في الحركة والنشاط فيجعلهم عرضة لأمراض السكري والضغط والقلب أكثر من أية مجموعة عرقية أخرى في البلاد. كما أدى الخواء الروحي الذي يعيشه هؤلاء إلى حصيلة مفادها أن أعلى نسبة في الانتحار في أمريكا هي بين أهالي آلاسكا الأصليين. إذاً هي محاولة متأصلة لإفراغ آلاسكا التي تطفو على بحر من النفط منذ بداية القرن العشرين.
وكشفت إيكو هاوك أن التمييز العنصري الممارس ضد السكان الأصليين في أمريكا مكرس في النظام السياسي الأمريكي. فعندما ذهبت لتضع مولودها الأول في أحد مستشفيات سياتل، حيث تسكن وتعمل بعد أن أنهت شهادتها في الطب، ابتدأت الطبيبة المتابعة بسؤالها أسئلة غريبة بدلا عن سؤالها عن صحتها وصحة الجنين، وتضمن الاستبيان الصحي أسئلة مهينة، خاصة بعد أن علمت طبيبتها أنها من سكان ألاسكا الأصليين، وقالت: "لأول مرة لم أعامل كطبيبة".
وتؤكد ديزي رودريغز- لوني بير، التي تعمل كأخصائية ديموغرافية اجتماعية في جامعة كاليفورنيا، وتنتمي لقوم الشايان الشماليين أن الفحوصات التي تتناول السكان الأصليين لم تُضمن في الإحصائيات الوطنية في الولايات المتحدة وأن الأرقام المُبلغ عنها حول إصابات الأميركيين الأصليين محجوبة تماماً، وأن عدد الإصابات الإيجابية بفيروس كورونا تحلق عالياً في محمية الشايان، وتؤكد: "إن الأمر صادم". وتضيف إن الإحصاء السكاني للأميركيين الأصليين توقف منذ العام 1900، وهو يستخدم كذريعة بأنّ أراضيهم التي يقطنونها خالية من السكان. ويشكل سكان آلاسكا والهنود الأصليين 2% من عدد سكان أمريكا.
في معظم الأوقات لا يحسب سكان ألاسكا والأميركيون الأصليون ضمن التعداد السكاني. وتؤكد إيكو هاوك أنّ عدم وجودها في الإحصاء السكاني هو إبادة عرقية مستمرة، لأنّهم غير موجودين ضمن الإحصاء إلا ضمن مجموعات عرقية أخرى، وبالتالي تعامل أراضي محمية قبيلتها على أنّها فارغة و"غير موجودة". وبالتالي يبدو أن ما نشر في الـ BBC حول قضية مقبرة الشايان في ولاية أريزونا، يقع في الإطار ذاته، اذ باعت الفيدرالية الأميركية محمية "أوك فلات"، الواقعة في مقاطعة بينال في ولاية أريزونا لشركة النحاس الأسترالية البريطانية العالمية. تحاول حكومة بايدن تأجيل القضية. وتعتبر المحمية "أرضًا مقدسة" تحتوي على مئات المواقع الأثرية التي يعود تاريخها إلى 1500 عام مضى. وتريد شركة النحاس وضع يدها عليها وتدميرها لأنها تتمركز على منجم طبيعي من النحاس تقدر قيمته بأكثر من بليون دولار، والأمر يعود اليوم بته للقاضي الفيدرالي.
في الحقيقة لا يمكن عرض التفاصيل حول الواقع الصحي المزري للسكان الأصليين، لأن ذلك سوف يتطلب عشرات الصفحات. ولكن يمكن أن نقول إنه لم يبق من سكان أمريكا الأصليين اليوم سوى 2.6 مليون شخص. وما تزال الحكومة الأميركية والشركات الأميركية تلاحق الأميركيين الأصليين من أجل سرقة أراضيهم في محاولة لإلغاء وجودهم. وهذا بحد ذاته إثبات لتكريس العنصرية الاستعمارية والرأسمالية المتوحشة، التي تحاول تقليص حجم وجودهم، وإهمال حقوقهم وحاجاتهم الإنسانية والصحية وخاصة في زمن وباء كوفيد 19.
فيروس كورونالقاح كوروناالهنود الحمرالتمييز العنصري
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024