معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

سقى الله زمن
25/03/2021

سقى الله زمن "الفلاح المكفي"

سعد حمية

فلاح مكفي سلطان مخفي... عبارة لطالما سمعناها من آبائنا أو أجدادنا وهي وإن كانت تشير إلى زمن الخيرات ووفرة المنتجات الزراعية أو الحيوانية في تلك الأيام، إلا أنها في الحقيقة كانت تعبر عن نظرية اقتصادية كاملة ما عدنا نلتفت إليها أو نعيرها اهتماماً بعدما اجتاحتنا ثقافة الاستهلاك المجنونة وغرقنا في اعتماد مبدأ "شرايته ولا تربايته" التي يبدو أننا ندفع ثمنها غالياً في هذه الأيام.

وتكتسب هذه المقولة ـ الفلاح المكفي ـ أهمية بالغة في واقعنا الراهن، إذ إن الأوضاع الاقتصادية ـ المعيشية تزداد صعوبة على وقع القفزات المتتالية غير المنطقية لسعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية التي فقدت قيمتها الشرائية فضلاً عن فقدان الكثير من السلع الأساسية من الأسواق والمحال التجارية ولغايات استغلالية أو احتكارية تجعلنا كمواطنين رهينة الجشع والاحتكار والاستغلال.

وأمام هذا الواقع المرير، وفي ظل العجز المتمادي لمؤسسات الدولة المختلفة لا بد لنا كأفراد أو مواطنين أن نحاول إيجاد الحلول، وربما يكون أولها تغيير طريقة التفكير فردياً إزاء ثقافة الاستهلاك والبدء باتباع ثقافة الانتاج وتوسيعها، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على مستوى الدولة التي بات لزاماً عليها اعادة هيكلة الاقتصاد وتركيز خططها على الاستثمار في الإنتاج الزراعي والصناعي والتقني وعدم الاكتفاء بقطاع الخدمات.

قد يكون التفكير بالاكتفاء الذاتي في ظل هذه الظروف ضرباً من الجنون لكنه ليس بالأمر المستحيل، وللمبادرة الفردية دور أساسي لإطلاق دورة اقتصادية خاصة بها أو محلية لا تغيب عنها أطر التعاون بين الأفراد لتوسيعها وتطويرها، وهنا يكمن الدور المهم للأحزاب والبلديات واتحادات البلديات والجمعيات والمؤسسات الزراعية في حث ودفع الافراد للانخراط بهذا النشاط بفاعلية أكبر.

وهنا لا يمكن إغفال دور حزب الله في الحث على الزراعة، ومواقف الأمين العام للحزب سماحة السيد حسن نصر الله التي لطالما شددت في مناسبات عدة على الزراعة حتى على شرفات وأسطح المنازل، ومؤسسة "جهاد البناء" لطالما رافقت المزارعين إرشادياً وتوعوياً وقدمت لهم ما تيسر من خدماتها. وخلال العام المنصرم، قدمت البذار وشتول المزروعات الموسمية لمختلف أنواع الخضار بأسعار رمزية في بعض المناطق، وكانت خطوة أولى على الطريق يفترض توسيعها بخطوات أخرى بالتعاون مع البلديات في سياق مشاريع التنمية المحليّة.

كما يمكننا أن نلاحظ أن هناك استجابة لا بد أن تتوسع كي تؤتي الثمار المأمولة، فـ"الحواكير" عادت للإخضرار أمام المنازل في قرانا الجنوبية والبقاعية، وهناك من زرع وحصد للمرة الأولى وربما أكل من انتاج أرضه حبوباً، وتناول فاكهة من شجرة كان قد أهملها مدة طويلة من الزمن، وعصر زيتونه زيتاً في عصر بات سعر ليتر الزيت النباتي فيه خيالياً!

رب ضارة نافعة، إذ إن جائحة "كورونا" وفرض الحجر المنزلي، وفرا للكثيرين وقتاً للالتفات إلى فلاحة أرضهم وزراعتها، وكذلك العناية بالأشجار المثمرة وتقليمها ورشها وقطافها وما إلى ذلك من نشاطات أخرى لا يتسع المجال هنا لذكرها، وكل هذه النشاطات كان معظمنا لا يلتفت لها او يعيرها اهتماما بسبب انشغالاته في العمل.  

وفي هذا الخضم، لا بد من التوقف عند عدد من الملاحظات المراد منها تشجيع المواطنين على الاستمرار بهذه النشاطات والاعتماد عليها إما لاستهلاكه الخاص أو توفير امكانية توسيعها لتصبح مصدر دخل له في قريته وذلك عبر الآتي:

ـ استمرار رعاية المؤسسات والبلديات والجمعيات للنشاطات الزراعية وإقامة المزيد من المشاتل في كل قرية لتوفير البذور والشتول والنصوب بأسعار تشجيعية في مواسم الزراعة المختلفة.

ـ ترشيد استهلاك المياه، وتطوير الري الحقلي واستخدام، واستنباط أصناف نباتية جديدة بالإضافة إلى محسنات للتربة.

ـ إنشاء محطة لتجميع وتسويق المنتجات الزراعية في كل قرية لتوصيلها للمستهلك بالسعر والجودة المناسبين.

ـ التشجيع على إنشاء التعاونيات الزراعية التي تعمل على حث المزارعين على التعاون واعتماد أساليب الزراعة المتطورة بكلفة أقل.

ـ إقامة معارض زراعية في كل قرية لتنشيط الدورة الاقتصادية المحلية وتبادل المنتجات.

ـ التشجيع على زيادة الثروة الحيوانية والسمكية ورعايتها سواء للاستهلاك الشخصي أو لتحسين المدخول الفردي (دجاج ـ ماعزـ اغنام ـ ابقار) وبالتالي توفير أرضية لصناعة غذائية وإنشاء المصانع في المناطق الزراعية.

ـ إعداد خطط لزراعة الحبوب الإستراتيجية بمساحات كبيرة وحث المزارعين على زراعة أراضيهم بهذا النوع من الحبوب.

ما تقدم، هو عينة من الأفكار، وربما كل فكرة تندرج فيها أفكار كثيرة هي برسم الاختصاصيين الذين عليهم أن يبادروا لتشجيعنا جميعاً للهجرة مجدداً لهذا القطاع الذي عانى كثيرا وانكمش إلى حد بات أمننا الغذائي مهدداً معه ليس بسبب الأزمة الراهنة حالياً فحسب، بل وأيضاً بسبب النمط الاقتصادي الذي أنكر أهمية الإنتاج وانصرف إلى استهلاك ما نستورد وليس ما ننتج.

الزراعة

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل