معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

بين الترسيم البحري وتشكيل نظام جديد.. هذا ما يريده الأمريكيون في لبنان
13/04/2021

بين الترسيم البحري وتشكيل نظام جديد.. هذا ما يريده الأمريكيون في لبنان

محمد أ. الحسيني

استبقت السفيرة الأمريكية دوروثي شيا زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل، المقرّرة إلى بيروت، فحدّدت سقف الشروط التي سيفرضها "الضيف الثقيل" على المسؤولين اللبنانيين بالتهديد بأنه "في حال أقرّ لبنان تعديل مرسوم الحدود البحرية واعتماد الخط 29، فإن إسرائيل ستنسحب بشكل كامل من مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، وستبدأ بأعمال التنقيب في المنطقة المتنازع عليها"، وأبلغت شيا موقف إدارتها "الحازم" للسلطات اللبنانية لتمهّد الطريق أمام هيل الذي سينتظر تلقّي الإجابات الجاهزة من الرؤساء الثلاثة الذين سيلتقيهم، فضلاً عن لقائه رؤساء الأحزاب اللبنانية.

ديفيد هيل وترسيم الحدود البحرية

سيأتي هيل بأجندة قديمة - جديدة لا تختلف عن سابقتها عندما زار بيروت العام الماضي بعد أيام على انفجار المرفأ، وانطلقت آنذاك تحليلات وتمنيّات بأن تستغلّ واشنطن الشحنة السياسية التي أسفرت عن الإنفجار المروّع، وما تمخّض عن زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا ماكرون وتقريعه السياسيين اللبنانيين، لتفرض واقعاً تدويلياً تحت مظلة تسوية تحمل معها الحلّ للأزمة اللبنانية المتشعّبة والمتشابكة، ولكن أولوية أجندته الأساسية تركزّت على ترسيم الحدود البحرية، بما يضمن ترجيح الكفّة الإسرائيلية في المفاوضات الجارية مع الجانب اللبناني. ولا ينفصل هذا الاتجاه عما جاء به قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال كينيث ماكينزي الذي زار منطقة البقاع الغربي منتصف آذار الماضي، فماكينزي، الذي لم يلتقِ أيّاً من المسؤولين الرسميين اللبنانيين آنذاك، كان يجري زيارة ميدانية عسكرية - أمنية، تندرج في إطار مهامه بعد تعيينه مسؤولاً عن الملف الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط.

حكومة السياديين

ولا يمكن فصل السعي الأمريكي لتقوية الموقف الإسرائيلي في ملف الترسيم عن الضغوطات التي تمارسها واشنطن بشأن الملفات الداخلية في لبنان، وسيحاول هيل فرض معادلة شرطية على شكل مساومة، تؤّمن فيها حالة من الاستقرار الهشّ للوضع اللبناني مقابل حسم معركة الترسيم لصالح "إسرائيل"، أما "السياديّون" فيؤملّون أنفسهم بأن تكون نتائج زيارة هيل حاسمة لجهة رسم خارطة الطريق الجديدة أمام تشكيل حكومة لا يكون فيها للعهد موقع قوّة تمكّنه من المضي في سياسة الإصلاح وضرب الفساد تحت مظلة التدقيق الجنائي، على أن تنشغل الحكومة هذه في تحديد أطر المراحل التالية وتنفيذ الخطوات المتعلّقة بترميم الوضع المالي والإقتصادي على ضوء القروض الدولية الموعودة للبنان، والبتّ بمناقصات تلزيم مشروع إعادة بناء مرفأ بيروت، وصولاً إلى نهاية العهد الرئاسي الحالي وحلول موعد إجراء الإنتخابات النيابية في أيار 2022.

لبنان في حقبة "السلام"

وهكذا يكفل الأمريكيون إشغال لبنان بترتيب ساحته الداخلية وانهماكه في لملمة أشلاء نظام أرهقته المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فيما تتحرّك "إسرائيل" عملياً لتكريس سرقتها للموارد النفطية اللبنانية، أما على مستوى الداخل فتنشط "مجموعة البدائل" بالترويج لإنشاء نظام سياسي جديد بديل عن التركيبة الحالية، كما "بشّر" ماكرون بذلك في لقاء "قصر الصنوبر" الشهير، وبطبيعة الحال فإن هذا النظام سيوظّف طبقة "الناشطين والثوّار" وممثلي ما يسمّى "المجتمع المدني" الذين يتبنّون شعارات وأهداف ما يسمّى "انتفاضة 17 تشرين"، ولكن العقبة الكأداء أمام تحقيق ذلك تتمثّل في الإتيان بمجلس نيابي يملك فيها هؤلاء الأكثرية التي تسمح لهم بالانتقال بلبنان إلى حقبة "السلام" الذي سار بها معظم العرب مع "إسرائيل"، ومن الطبيعي أن يتخّذ هذا المجلس قرارات ويسنّ تشريعات تتناسب مع هذا السياق، فضلاً عن انتخاب رئيس جديد وحكومة جديدة يسلكان هذا المنحى.

واشنطن وباريس: لا للتمديد للمجلس النيابي

في هذا الإطار، كشفت مصادر مطّلعة عن أن الحديث المستجدّ عن اقتراح تشكيل حكومة انتقالية بمهامات محدّدة وأمد محدّد، تصبّ في خانة تنفيذ الأهداف التي تم ذكرها، وأضافت المصادر أن شيا ونظيرتها الفرنسية آن غريو، اللتين هرعتا إلى زيارة القصر الجمهوري ولقاء الرئيس ميشال عون، شدّدتا خلال اللقاء على ضرورة أن تجري الانتخابات النيابية المقبلة في موعدها المقرّر، وعلى رفضهما القاطع لأي اتجاه للتمديد للمجلس النيابي الحالي، باعتبار أن هذا المجلس يعطي بشكل وبآخر الصبغة الميثاقية للعهد الحالي بما يمثّله من غلبة لقوى الممانعة، ولن يسمح التمديد له بإدخال "العناصر الثورية" إلى صفوفه، والتي ترى واشنطن وباريس أنها تشكّل الدعامة الأولى لمشروعهما في لبنان.

انعدام الثقة يمنع تشكيل الحكومة

وتختم المصادر نفسها أنه على الرغم من أن تشكيل حكومة في لبنان يشكّل مطلباً شبه جامع للأطياف السياسية في لبنان، ولكن المشكلة تكمن في الاتفاق على برنامج هذه الحكومة والمهام المطلوبة منها، مشيرة إلى أن انعدام الثقة يحكم أداء الأطراف المعنية في التشكيل بما يعقّد السبل أمام التأليف، وأعربت المصادر عن اعتقادها بأن واشنطن لا تزال تضع الملف اللبناني في ذيل اهتماماتها الراهنة أمام التحدّيات الداخلية والدولية التي تواجهها إدارة جو بايدن، ولن تكون متحمّسة كثيراً لتقديم تنازلات في هذا السياق، وبالتالي فإن المماحكات الداخلية ستستمر لفترة غير قصيرة قد تصل إلى نهاية العهد الرئاسي الحالي، أو حصول حدث استثنائي يخرق حالة المراوحة، ويضع الجميع أمام الإستحقاق المصيري تلافياً لسقوط لبنان برمّته.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات