آراء وتحليلات
مؤشرات الانحدار الإسرائيلي نحو الزوال
د. علي.أ.مطر
شكّل إحياء يوم القدس العالمي هذا العام مناسبة هامة لإظهار الالتفاف الشعبي الكبير حول قضية القدس. أظهرت الوقفات والخطابات التي ألقيت فيه، لا سيما من قبل قادة محور المقاومة أن القدس باتت أقرب، فيما مسار العدو الصهيوني إلى الانحدار، وهذا ما تبدى من خلال التطورات الدراماتيكية بعد انتفاضة الدفاع عن حي الشيخ جراح والمقدسات، وما أظهره ضعف الجبهة الداخلية الإسرائيلية في مواجهة المقاومة الفلسطينية.
أولاً: الانحدار الإسرائيلي في رؤية الإمام الخامنئي
مصطلح الانحدار الذي يعبر عن اقتراب زوال الكيان الإسرائيلي، والذي تشير إليه مؤشرات عديدة، قدمه واستخدمه سماحة الإمام السيد علي الخامنئي في خطابه بمناسبة يوم القدس العالمي، إذ أشار إلى تبدّل موازين القوى لصالح العالم الإسلامي وفلسطين، وشدّد سماحته قائلاً: إنّني أقولها بشكل قاطع، إنّ الخطّ البياني الانحداري باتجاه زوال العدوّ الصهيوني قد بدأ وسوف لن يتوقف.
في الخط المنحدر للكيان الإسرائيلي، يشير الإمام الخامنئي إلى أمر هام جداً هو أنّ وضع العالم الإسلامي اليوم ليس كما كان عليه آنذاك، ولا بدّ أن نضع هذه الحقيقة نصب أعيننا دائماً. لقد تغيّرت موازين القوى اليوم لصالح العالم الإسلامي، فالحوادث السياسية والاجتماعية المختلفة في أوروبا وأمريكا قد كشفت وعرّت أمام شعوب العالم ما يعانيه الغرب من ألوان الضعف وأنواع الخلل العميقة البنيويّة منها والإدارية والأخلاقية.
في المقلب الآخر يشير الإمام الخامنئي إلى أن النمو المتزايد لقوى المقاومة في أكثر المناطق الإسلامية حساسيّة، وتصاعد قدراتها الدفاعية والهجومية، وتنامي الوعي الذاتي والدافع والأمل بين الشعوب المسلمة، وتزايد التوجه نحو تعاليم الإسلام والقرآن، والتطور العلمي، وتصاعد روح الاستقلال والاعتماد على الذات بين الشعوب، كلّها مؤشرات مباركة تبشر بغد أفضل، وهذا ما ظهر في معركة سيف القدس في غزة.
ويقدم الإمام الخامنئي عاملين أساسيين لصناعة المستقبل وهي استمرار المقاومة في الأرض المحتلّة ودعم المسلمين العالمي للمجاهدين الفلسطينيين. وبحسب الإمام الخامنئي ثمة عاملان مُهمّان يرسمان المستقبل؛ الأول - والأهم - تواصل المقاومة داخل الأرض الفلسطينية وتقوية مسار الجهاد والشهادة، والثاني الدعم العالمي للمجاهدين الفلسطينيين من قبل الحكومات والشعوب المسلمة في أرجاء العالم.
ثانياً: سيناريوهات التهديد وفقًا لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي
ما تقدم من مؤشرات تحدث عنها الإمام الخامنئي نرفده بما يتحدث عنه الإسرائيليون أنفسهم، حيث هناك خمسة تهديدات فعلية يخشاها الكيان الإسرائيلي، أربعة منها هي إقليمية خارجية بامتياز، وفقًا لدراسة إسرائيلية أعدها مركز دراسات الأمن القومي في تل أبيب حول ماهية التهديدات المحدقة بالكيان.
وبالعودة إلى الدراسة، فإنها قد أوردت سيناريوهات التهديد كالتالي: تشكيل تحالفٍ عسكريٍّ إقليميٍّ ضدّ "إسرائيل"، إقامة حلفٍ نوويٍّ متعدد الأقطاب في الشرق الأوسط، انهيار أنظمة الدفاع الإسرائيلية بسبب هجومٍ صاروخيٍّ دقيقٍ واسع النطاق بقيادة إيران ووكلائها، العزلة الدولية ومقاطعة "إسرائيل"، تفكك التماسك الاجتماعي الإسرائيلي وفقدان "إسرائيل" لهويتها كدولةٍ يهوديةٍ وديمقراطية. يمكننا ملاحظة أن التهديد الأخير هو التهديد الداخلي فقط.
تعبّر هذه الدراسة عن القلق الإسرائيلي من التهديدات والأخطار التي طالت وجوده ومسّت أمنه القومي. وليس إعدادها والتطرق لمثل هذه السيناريوهات إلا دليلًا على الخوف والهواجس الإسرائيلية من التطورات الحاصلة على المستوى الإقليمي والدولي.
بعد منظومة الدفاع الصاروخي والتفوق النوعي العسكري في الشرق الأوسط، بات الهاجس الأكبر عند "إسرائيل" هو الصواريخ الدقيقة التي يمتلكها محور المقاومة. وقد اعتبرت الدراسة أنّ هذه الصواريخ هي التهديد الحقيقي في هذه المرحلة، حيث استبعدت سيناريو التهديد الذي يتحدث عن إمكانية إنشاء تحالف إقليمي معادٍ وكذلك التحوّل النوويّ متعدّد الأقطاب في الشرق الأوسط، في المدى القريب ورأت أن هذا السيناريو يمكن أن يحدث على المديين المتوسط والبعيد.
كذلك، تحدثت الدراسة عن عامل تهديدي خارجي آخر متمثل بعزلة الكيان الإسرائيلي دوليًا ومقاطعته اقتصاديًّا. ولم ترجّح الدراسة احتمالية تحقق هذا التهديد، ولكنها توقفت عند الخطوات الإسرائيلية في موضوع ضمّ الضفة ورفض مبادرات السلام وغيرها من العوامل التي من الممكن أن تجعل تحققه ممكنًا. تتناول الدراسة سيناريو تجد فيه "إسرائيل" نفسها معزولةً بعد تعرّضها لمقاطعةٍ وعقوباتٍ دولية. وبالرغم من انتقادات دوليةٍ لسياسة "إسرائيل" تجاه القضية الفلسطينية، فإنّ هذا التهديد من غير المرجح أن يتحقق على المدى القصير. إلاّ أنّ خطوات الضمّ الأحادي للضفة الغربية، ورفض "إسرائيل" "المستمر لمبادرات السلام الدولية"، أو الخطوات التشريعية التي تؤدي إلى تفكك هوية "الدولة الديمقراطية"، وإبعادها عن حلفائها في الغرب؛ يمكن أن يزيد من احتمالية السيناريو، بالإضافة إلى تغييرٍ شديدٍ في موقف الولايات المتحدة تجاه "إسرائيل"، يمكن أن يضرّ بمكانتها الدولية والتطورات التي تظهر بالفعل في السياسة الأمريكية.
كما تركز الدراسة على ما أسمته التهديدات التي تشكّلها العمليات الداخلية على "إسرائيل"، التي قد تقوّض العناصر الأساسية "للهوية الديمقراطية واليهودية". ويمكن أن يكون لهذه العمليات عواقب مباشرة وضارة على خاصية الديمقراطية الليبرالية لـ"إسرائيل" ويجب النظر إليها على أنّها تهديدٌ وجوديٌّ لهوية الكيان. بالإضافة إلى ذلك، هذه العمليات لها أيضًا عواقب مباشرة من شأنها تقويض الركائز الأمنية لـ"إسرائيل"؛ كتغيير طابع الدولة، أو حصول أزمة إثنية أو أيديولوجية الأمر الذي قد يؤدي إلى اندلاع التمرد المدني وهجرة الأدمغة. وتخلص الدراسة أخيراً إلى أنّ " إسرائيل" لا تواجه مواجهة فورية التهديدات الوجودية الخارجية. ومع ذلك، فإن سلسلةً من العمليات الداخلية والإقليمية والدولية، قد تؤدي إلى تآكل وتقويض الركائز الأمنية لـ"إسرائيل".
الخلاصة:
ما نريد قوله هنا، إن العدو الإسرائيلي يعتمد في تقوية جسمه في كسب مجموعة متزايدة من التحالفات الإقليمية وكسب ود الدول المجاورة والمتواجدة في المنطقة، وهو ما يفسر حملات التطبيع المتعالية المنسوب التي تتم بشكل متلاحق.
تحاول "إسرائيل" عبر نسج علاقات التطبيع العمل على معالجة نقاط القوة والضعف في الركائز الأمنية لـ"إسرائيل" في موضع التهديد من قبل العمليات الإقليمية والدولية التي قد تؤدّي إلى تآكلها وتقويضها، وتعطيل توازن القوى بين "إسرائيل" وخصومها المحتملين وتقوية احتمال ظهور التهديدات الوجودية المحتملة في المستقبل.
إن الكيان الإسرائيلي، وبعد الجهود الأمريكية الحثيثة في جرّ مختلف الدول الخليجية والعربية نحو التطبيع، قد شعر بالأمن والأمان واعتبر أنه بمأمن عن تشكيل تحالفات إقليمية معادية في المدى المنظور، انطلاقًا من معرفته بنمطية الدول الخانعة الخاضعة للإملاءات الأمريكية والتي تهرول نحو الصلح والمهادنة كسبًا للرضا الأمريكي والحفاظ على قواعد أمريكية عسكرية وأمنية على أراضيها. لكن ما يحصل في القدس وغزة حالياً، وعدم قدرته على إسكات الجبهة الداخلية أو التعامل مع صواريخ المقاومة الفلسطينية، ومن ثم توحّد الشارع الفلسطيني في وجه الكيان، جعل مؤشرات الانحدار أسرع، وهو ما يجعل فرضية التآكل واقعية أكثر، لنكون للقدس أقرب.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024