معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

أولوية الإحياء العاشورائي والربط التاريخي والعقائدي
25/08/2021

أولوية الإحياء العاشورائي والربط التاريخي والعقائدي

الشيخ د. علي جابر

لماذا يصر المسلمون الشيعة على إحياء عاشوراء ويقيمون عزاء الإمام الحسين "ع" في كل عام ويبذلون الغالي والنفيس في سبيل ذلك؟ بل، ويستحضرون ذكرى الحسين(ع) في كل مناسبة حزن ومصيبة تصيبهم؟

أجمع المسلمون على الشخصية المقدسة للإمام الحسين "ع"، فهو من أهل البيت(ع) الذين نزلت في حقهم آية التطهير وآية المباهلة وسورة الانسان "الدهر" وغيرها من الآيات في القرآن الكريم، فضلاً عن العدد الوافر من الأحاديث النبوية التي تظهر فضله ومنزلته الخاصة عند الله تعالى ورسوله(ص). ويكفي قوله "ص": "حسين(ع) مني وأنا من حسين(ع) أحب الله من أحب حسينًا(ع) حسين(ع) سبط من الأسباط" و"الحسن(ع) والحسين(ع) سيدا شباب أهل الجنة".

لكن بعد أن تسلط معاوية بن أبي سفيان على الحكم اغتيل الإمام الحسن(ع) بسمّ دسه معاوية إلى الإمام ثم جاء اإبنه يزيد بن معاوية ليقوم بذبح الإمام الحسين"ع" وبقية أهل البيت(ع) في كربلاء.

قضية الإمام الحسين(ع) لم تكن شخصية كما يتوهم البعض، بل قضية عامة تعني كل المسلمين عنوانها الإصلاح ورفض الظلم. وشعر المسلمون بالذنب لتقصيرهم في نصرة الحسين(ع) وقضيته المرتبطة بقضيتهم، وقامت الثورات التي أسقطت حكم الأمويين بعد هلاك يزيد، ولم تطل أيام المروانيين أيضًا.

أولوية الإحياء العاشورائي والربط التاريخي والعقائدي
من مسيرة عاشوراء مع بدايات حزب الله منتصف الثمانينات من أرشيف "العهد"

لكن الأمويين انقلبوا على شيعة ومحبي أهل البيت(ع) قتلاً وتنكيلاً حتى كان أسهل على الرجل أن يقول إني يهودي من أن يقول إني من شيعة علي(ع)، وكان اللعن والشتم للإمام علي(ع) والحسن(ع) والحسين(ع) وحتى السيدة فاطمة(ع) بنت رسول الله(ص) على المنابر وفي المساجد.

طبعًا كان من المحرمات إقامة العزاء لشهداء كربلاء فضلاً عن زيارة قبر الإمام الحسين(ع) بل إنهم سنّوا يوم عاشوراء عيدًا يفرحون فيه.

وجاء العباسيون فلم يقصروا في اضطهاد شيعة أهل البيت(ع) حتى قال الشاعر:

ليت ظلم بني أمية دام لنا        وعدل بني العباس في النار

وذكر المؤرخون أن المتوكل العباسي والذي سماه بعض المؤرخين (نيرون العرب) هدم قبر الحسين(ع) وما حوله من المنازل والدور ومنع الناس من زيارته ونادى مناديه: من وجدناه عند قبر الحسين(ع) حبسناه في المطبق أي السجن الذي تحت الأرض، وقد قُتل على يد ابنه المنتصر لأنه سمعه يشتم السيدة فاطمة (ع).

ثم جاء صلاح الدين الايوبي ليضرب رقاب الناس على حب الحسين(ع) والتمذهب بمذهب أهل البيت(ع) ويعيد سُنّة الأمويين في اعتبار يوم عاشوراء عيدًا. مضافًا إلى البعد الديني الذي أشرنا إليه، تشكلت مع مرور الزمن والاضطهادات المتلاحقة علاقة خاصة مفعمة بالحب والولاء والاقتداء بالامام الحسين(ع) لأنه جسّد على طول التاريخ الإسلامي عقيدة رفض الظلم والانكار على الحكم الظالم والمفسد والتطلع الدائم إلى الحرية والكرامة الإنسانية والاسلامية وبات إحياء عاشوراء إحياءً لكل هذه القيم الجميلة المفقودة في واقع المجتمعات الإسلامية بفعل فساد السلطات وتعصبها، بل صارت مقومًا من مقومات الهوية والجمعية.

أولوية الإحياء العاشورائي والربط التاريخي والعقائدي
من مسيرة عاشوراء مع بدايات حزب الله منتصف الثمانينات من أرشيف "العهد"

 

وقد قدّم المسلمون الشيعة على الدوام تضحيات كبيرة للحفاظ على هذا الإحياء الذي باتوا يرون أنه لا معنى للإسلام كدين من دونه.

ثم يأتينا مع الأسف من يحاول دس مغالطات وشبهات حول الاحياءات في بعض الظروف، كالربط بين وضع الكهرباء في لبنان وإضاءة مجالس عاشوراء في أول عشرة أيام من محرم. وهؤلاء المضللين لا يفهمون أو لا يريدون فهم كل هذا السياق التاريخي لعاشوراء، الذي يتجدد فيه الوعي والحماسة للعدل ورفض الفساد والظلم، بصرف النظر عن خصوصيات كل زمان وتعقيداته وأولوياته، فضلاً عن أن دسائسهم هي جزء من الحرب الناعمة التي تشنها الادارة الاميركية وأدواتها التافهة في بلدنا لتفكيك وضرب منظومة القيم المعنوية التي تغذي المقاومة وخصوصاً ثقافة الجهاد والشهادة.

عاشوراء 1443

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات