معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

تمجيد العدو.. هل نجحوا؟
12/12/2018

تمجيد العدو.. هل نجحوا؟

أحمد فؤاد

أثارت الزيارات المتتابعة وغير المسبوقة، للسفير الصهيوني في القاهرة ديفيد جوفرين، العديد من علامات الاستفهام حول النشاط المتزايد للسفارة الصهيونية، وعن طبيعة العلاقات الدافئة التي تربط النظام المصري بكيان العدو، في وقت تحرز فيه المقاومة انتصاراتها الأهم على الإطلاق، وتضع الكيان الصهيوني - لأول مرة منذ زرعه بالأرض العربية - في خانة المفعول به.

زيارة سفير الصهاينة إلى شرم الشيخ، لحضور أحد مؤتمرات الرئيس العديدة، وزراعته "شجرة زيتون" بحضور وزيرة البيئة المصرية، يمكن ردها ببساطة إلى العلاقات الخاصة بين السيسي ونتنياهو، لكن الزيارة الأخطر كانت لإحدى المزارع المصرية الخاصة، بما تعنيه من تغلغل صهيوني -لم يتوقف أبدًا- في القطاعات الحقيقية للاقتصاد المصري، من صناعة وزراعة، حيث جذر الصهاينة سيطرتهم بالفعل على الصناعة من خلال اتفاقية الكويز، ويمثل تحدي قلة المياه بفعل سد النهضة فرصة أمامهم لوضع قدم في القطاع الزراعي المتراجع.

لكن السؤال هنا: هل الصهاينة هم بكل تلك العبقرية الفريدة، التي تتخيلها النظم العربية الخانعة، وتعمل على أساسها، وتدخل معاركها منهزمة مقدمًا حد الانسحاق؟ هل نجحوا وفشلت الأمة العربية بالكامل؟

الوضع لا يقاس بالكيفية التي تفترضها النفوس الناشئة في ذل وهوان، الصهاينة مثلًا يمتلكون صناعة آلات زراعية تعد من الأفضل عالميًا، ببساطة لأن ألمانيا الغربية فُرض عليها إمداد الكيان بمصانع للمعدات الزراعية خلال سنواته الأولى، لإتاحة الفرصة لنمو المستعمرات الزراعية "الكيبوتزات"، في فلسطين المحتلة، وزيادة فرص استيعاب المزيد من المهاجرين، ممن تقطعت بهم السبل بعد الحرب العالمية الثانية.

إضافة إلى إمداد الكيان الصهيوني بمقومات الحياة، خلال سنواته الأولى الصعبة، دفعت ألمانيا الغربية مبالغ تجاوزت بالأسعار الحالية 80 مليار دولار، كتعويضات جرائم حرب النازي، مثلت طوال 12 عامًا لاحقة أهم موارد الموازنة الصهيونية.

وتمتع الكيان الصهيوني بسيل هائل من الموارد الاقتصادية المتنوعة، القادمة من الدول الغربية على صورة هبات وقروض ميسرة ومساعدات غير مستردة، وأشكال أخرى من الدعم التي لا يقصد منها تحقيق ربح اقتصادي.

وحصل الكيان على مساعدات من الولايات المتحدة فقط منذ عام 1948 وحتى الآن بلغت نحو 24 مليار دولار قروضا، تم تحويل غالبيتها إلى منح بعد ذلك، ونحو  162 مليار دولار منحا لا ترد. كما حصل على استثمارات مباشرة هائلة من الشركات الأميركية في الصناعات التحويلية والعالية التقنية مما ساهم بالجانب الأكبر من زيادة رصيد الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتراكمة في الكيان الصهيوني من 4.5 مليارات دولار عام 1990، إلى 20.4 مليار دولار عام 2000، إلى 98.7 مليار دولار عام 2014 وفقا لتقرير الاستثمار العالمي.

الأرقام المذهلة لأداء اقتصادي ناجح جدًا، مصنوعة بالكامل، من الدول التي أنشأت الكيان، وتعهدته بالرعاية وضمنت له الاستمرار، وما إن يقرر نظام عربي الاستعانة بهم في تطوير قطاعاته، أو خلق فرص التقدم أمامها، إلا ويكون الخراب العاجل هو النتيجة الوحيدة التي يخلص إليها في نهاية المدى.

الصناعة المصرية أحد أهم الشواهد على نتيجة تغلغل الصهيوني في المجتمعات العربية، فرغم توقيع نظام المخلوع "مبارك" اتفاقية الكويز مع الصهاينة، لضمان منفذ للصادرات الصناعية المصرية إلى الولايات المتحدة، إلا أن الاتفاقية في النهاية تحولت لحفرة استنزاف للموارد المصرية، ومفتاح إفساد للدولة والقطاع الخاص على حد سواء.

نظرة على الأرقام المعلنة، بعد 13 عامًا، كفيلة بمعرفة النتائج الكارثية لسياسة الاستعانة بالعدو الصهيوني، فالاتفاقية تدور الآن حول صناعة النسيج فقط، كصناعة قليلة القيمة المضافة، والدول الصناعية الكبرى تنقل مثل تلك الصناعات للجنوب، مثل صناعات الأسمنت، وإجمالي صادرات "الكويز" منذ 2005 حتى عام 2016، بلغ 9 مليارات دولار أميركي فقط، في مقابل أن الاستيراد من الكيان الصهيوني ارتفع 800% من 2005 إلى 2011.

أما عن الشركات المستفيدة من الاتفاقية فهي 966 شركة، منها 35 تستحوذ على 82% من الصادرات، و931 شركة لها نسبة 18% فقط، أي إن الفساد ترسخ في بنية الصناعة المصرية، مع نقل الإشراف على تطبيق الاتفاقية من مكاتب وزارة الصناعة المصرية إلى السفارة الصهيونية بالقاهرة.

الهدف من ترويج أسطورة التفوق الصهيوني "المصنوع والممول" غربيا هو فرض التقبل المعنوي لوجوده بين الشعوب العربية، لأن الشعوب وحدها هي العائق أمام تغلغله في المنطقة، كما يقول الصهاينة، والهدف الثاني تضخيم البالونة الصهيونية، لإزالة أي رغبة في مقاومة وجوده واستمراره، خصوصًا بين الأجيال الجديدة.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل