آراء وتحليلات
انتهاء "شهر عسل" بايدن بتراجع شعبيته: تحوّل الناخبين السود وأفغانستان مشكلة مفتوحة
د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي
قد يكون من المبكر الحديث عن خسارة أو ربح الرئيس الأميركي جو بايدن وحزبه الديموقراطي للانتخابات النصفية في تشرين الثاني 2022. لكن عند مراجعة الفترة المنقضية من ولايته الرئاسية، ولا سيما الأخيرة منها، وتحديدًا الشهر الحالي والذي قد يعتبر الأسوأ بالنسبة لبايدن، سندرك سريعًا حاجته الى إنجازات كبيرة ترفع واقع تأييده الشعبي وحتى الحزبي (نوعًا ما)، الذي شهد انخفاضًا ملحوظًا، لا سيما بعد تعثره وإخفاقه وفشله في عدد من الملفات والسياسات والقرارات وفي مقدمتها الانسحاب من أفغانستان، وقضية التعامل مع المهاجرين، فضلًا عن مخاطر خسارته الأغلبية في مجلس الشيوخ.
لنبدأ بالإخفاقات. في 19 أيلول الجاري، واجه الديموقراطيون في مجلس الشيوخ انتكاسة خطيرة لجهودهم بالسماح لملايين المهاجرين بالبقاء بشكل قانوني في الولايات المتحدة، نتيجة حكم عضو مجلس الشيوخ البرلماني إليزابيث ماكدونو بعدم إلحاق الإجراء بمشروع قانون إنفاق بقيمة 3.5 تريليون دولار. فالخطوة كانت ستساعد حوالي 8 ملايين شخص في أن يصبحوا مقيمين دائمين بشكل قانوني في اميركا، بما في ذلك حوالي 7 ملايين يعتبرون الآن مخالفين للقانون. كان الديمقراطيون يهدفون إلى إعطاء مسار المواطنة لهؤلاء المهاجرين الحالمين، الذين تم جلبهم إلى الولايات المتحدة وهم أطفال، ويتمتعون بالحماية من الترحيل بموجب برنامج الإجراء المؤجل للقادمين في مرحلة الطفولة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فسوء الطالع لبايدن، لاحقه الى ملف آخر، إذ إن المفاوضات بين الحزبين (الديموقراطي والجمهوري) لإصلاح أعمال الشرطة، انهارت بدورها. اضافة الى ذلك، تدهورت الأمور أكثر، عندما واجه الرئيس الاميركي ردّ فعل عنيفًا من اليسار لمعاملة إدارته العدوانية للمهاجرين الهايتيين المتجمعين على الحدود الأميركية المكسيكية، والتي قوضت تعهد بايدن بالمعاملة الإنسانية لأولئك الذين يسعون إلى دخول الولايات المتحدة.
هذه التطورات مجتمعة، بدأت تخلق شعورًا بخيبة أمل عند الأميركيين الأفارقة واللاتينيين والشباب والمستقلين (وهو ما يلاحظ في استطلاعات الرأي)، الذين لعبوا جميعًا دورًا حيويًا في بناء ائتلاف منح الديمقراطيين السيطرة على الكونغرس والبيت الأبيض في العام الماضي. وهو ما قد يدفع بايدن وبسبب الحاجة الملحة، للتوسط لقيام نوع من الاتفاق بين الجناحين التقدمي والمعتدل في "الحزب الديموقراطي"، للمضي قدمًا في حزمة بقيمة 3.5 تريليون دولار من شأنها أن تعيد تشكيل البرامج الاجتماعية للبلاد بشكل أساسي.
تراجع تأييد بايدن، الذي يأتي وسط مؤشرات على أن الديمقراطيين في مجلس الشيوخ لا يملكون الأصوات لتمرير مشروع قانون البنية التحتية البشرية الضخم، والذي كان من المفترض أن يمثل أحد الإنجازات التشريعية الرئيسية للرئيس، يعتبر تطورًا مشؤومًا بالنسبة للديمقراطيين.
وانطلاقًا من هذه النقطة، يحذر الاستراتيجيون الحزبيون من أن الفشل في القيام بذلك قد يدمر الديمقراطيين في انتخابات 2022، ويثير تساؤلات حول مسار بايدن لإعادة الانتخاب إذا قرر السعي لولاية ثانية. وتعليقًا على ذلك، قال جيمس كارفيل الاستراتيجي الديمقراطي المخضرم "نقلاً عن أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الرئيس بنجامين فرانكلين "إذا لم يتماسكوا معًا، فسيتم تعليقهم بشكل منفصل.. يجب عليهم إنجاز شيء ما حتى تتاح لهم الفرصة".
برّر بايدن بعض التحديات التي واجهها الأسبوع الماضي، وأعاد سببها للجمود في الكونغرس المنقسم بفارق ضئيل أكثر منها لفشله في القيادة، لكن بالمقابل هناك قضايا أخرى، بما في ذلك المخاوف بشأن مستقبل حقوق الإجهاض والغضب من جهود الجمهوريين لتقييد حقوق التصويت، قد تحفز الديمقراطيين حتى لو احبطوا من الجمود المستمر في واشنطن.
أما فيما يتعلق بالمعطيات المتعلقة بانخفاض مستوى القبول الشعبي لبايدن، فبيّنت استطلاعات الرأي الأخيرة التي ظهرت في الولايات المتحدة، أن بايدن يفقد الدعم بين المجموعات المهمة في قاعدته السياسية، مع تعثر بعض وعود حملته الأساسية، مما أثار مخاوف بين الديمقراطيين، من أن الناخبين الذين ساهموا بوصوله الى منصب الرئاسة، قد يشعرون بحماس أقل تجاه العودة إلى صناديق الاقتراع مجددًا، في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022.
ولمعرفة أسباب هذا الهبوط، فلنستعن بأرقام هذه الاستطلاعات، حيث يعزو الاستراتيجيون الديمقراطيون بشكل خاص، موقف بايدن المهتز إلى عدد من العوامل وأبرزها:
أولًا - قيود كورونا: في بعض الولايات أعرب بعض الأميركيين الأفارقة عن مخاوفهم بشأن بعض القيود الوبائية التي يدعمها الديمقراطيون في أماكن مثل مدينة نيويورك، والتي فرضت مؤخرًا مطلبًا بأن يكون الأشخاص قد تلقوا اللقاح ليتمكنوا من تناول الطعام في الأماكن المغلقة. وقد وصف بعض قادة منظمة بلاك لايفز ماتر" "BLM" (هي حركة سياسية واجتماعية لا مركزية تحتج على حوادث وحشية الشرطة وجميع أعمال العنف ذات الدوافع العنصرية ضد السود) في المدينة مثل هذه التفويضات بأنها عنصرية.
ثانيًا - نكبة أفغانستان: يشير البعض إلى أن انسحاب الإدارة الفوضوي من أفغانستان، شكل نقطة تحول بين بعض الديمقراطيين والمستقلين المحبطين.
فمع بث صور يوميًا لمواطنين أفغان متألمين على التلفزيونات والمواقع الإخبارية، منذ أن بدأت الولايات المتحدة في سحب موظفيها بشكل نهائي من أفغانستان، واجه الرئيس جو بايدن موجة متزايدة من الانتقادات لقراره بالانسحاب - وهو تيار انعكس الآن في تصنيف شعبيته، حيث كشفت الاحصاءات الأخيرة أن عدد منتقديه أصبح يفوق عدد مؤيديه.
وفي هذا السياق، حدّد أحدث استطلاع للرأي أجرته مؤسسة Morning Consult مورنينغ كونسلت (شركة استخبارات بيانات عالمية مملوكة للقطاع الخاص) في الفترة بين 10 و 12 أيلول الجاري، وشمل أكثر من 15 ألف ناخب مسجل، نسبة تأييد بايدن بـ 47 في المئة، مقابل 49 في المئة معارضة، أي بانخفاض حوالي 10 نقاط، عما كانت عليه في شهري شباط وآذار الماضيين.
كما أظهر استطلاع حديث أجراه مركز بيو للأبحاث، تماشيًا مع الاستطلاع الداخلي على الجانبين الجمهوري والديمقراطي، صورة قاتمة للرئيس وحزبه، حيث وجدت انخفاضًا بنسبة 14 نقطة مئوية منذ تموز الفائت، في دعمه من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 29 عامًا، وتراجع حوالي 16 نقطة بين اللاتينيين، وانخفاض حولي 18 نقطة بين الأميركيين من أصل أفريقي. الأهم ان التحول بين الناخبين السود من 85 بالمائة، إلى 67 بالمائة، يعتبر مثيرًا للقلق بشكل خاص، نظرًا لأنهم كانوا مصدر الدعم الأكثر موثوقية لبايدن في عام 2020.
أكثر من ذلك، توضح استطلاعات الرأي التي قامت بها كل من: إيبسوس (وهي شركة عالمية متعددة الجنسيات لأبحاث السوق)، وكلّية إيمرسون (عضو الجمعية الأميركية لأبحاث الرأي العام)، ومجموعة يوجوف (لتحليل البيانات البحثية الدولية يقع مقرها الرئيسي في لندن) وتقارير راسموسن (شركة استطلاع أميركية محافظة) وصحيفة واشنطن بوست، وقناة ABC News، ــ وقد جمعت هذه الاستطلاعات من قبل Five Thirty-Eight والتي تعرف باسم 538، هو موقع على شبكة الانترنت الأميركية يركز على تحليل استطلاعات الرأي في السياسة والاقتصاد - أن معدل رفض بايدن يفوق تأييده، وقد حدث هذا الانتقال بعد سقوط كابول في أيدي "طالبان".
وعلى المنوال ذاته، يشير استطلاع ماريست القومي الذي أجري مؤخرًا، إلى تراجع تأييد بايدن ست نقاط، حيث أبدى 61% من البالغين الذين شملهم الاستطلاع، عدم موافقتهم على كيفية تعامله مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
ليس هذا فحسب، فقد انخفضت نسبة تأييد بايدن إلى مستوى ادنى جديد بلغ 43%، وهو أدنى مستوى منذ توليه منصبه. إضافة الى ذلك فإن حوالي 71 في المائة من الأميركيين يقولون إن "دور الولايات المتحدة في أفغانستان كان فاشلاً".
ومن بين الذين رفضوا سياسته الخارجية 66% من الديمقراطيين، وهي أغلبية كبيرة، ما يشي بوجود معارضة كبيرة بين زملاء بايدن في الحزب.
تاريخيًا، غالبًا ما تنخفض معدلات الموافقة الرئاسية بعد الأشهر القليلة الأولى في المنصب، ما يسمى بفترة "شهر العسل"، لكن انخفاض بايدن، خمس وست نقاط - وفقًا لاستطلاع ماريست القومي - فقط بين 16 و30 آب، هو من بين أشد الانخفاضات النصف الشهرية في التاريخ الحديث.
فمنذ عام 1935، لم يشهد سوى رئيسين للولايات المتحدة تحسن وضع حزبهما في انتخابات التجديد النصفي التي أعقبت انتخابهما.
وتعقيبًا على هذه النسبة، قال جون أنزالون خبير استطلاعات الرأي "بعد عام من الآن، ستكون البيئة السياسية مختلفة كثيرًا". وشدد على "شعبية العناصر الرئيسية لأجندة بايدن مثل "إعادة البناء بشكل أفضل" التي تتم مناقشتها في الكونجرس.
وقال أنزالون: "سيكون لدينا رواية جيدة في عام 2022، ليس فقط ما فعلته إدارة بايدن والديمقراطيون للأميركيين، ولكن أيضًا لمقارنة ما يفعله الجمهوريون"، مشيرًا إلى أن "الناخبين سوف يلومون الحزب الجمهوري على أي فشل ديمقراطي أيضًا".
أما على صعيد الأخطار التي تواجه بايدن، فمن المرجح أن تبقى أفغانستان مشكلة عند إجراء انتخابات التجديد النصفي في تشرين الثاني 2022، يضاف إليها النكبات التي قد تحلّ عليه إذا ما استمر مسلسل الفشل الذي يلاحقه في بعض القضايا. فقد يؤدي فقدان حزبه حتى مقعدًا واحدًا في مجلس الشيوخ إلى إنهاء سيطرتهم عليه (الديمقراطيون والجمهوريون لديهم مقاعد متساوية 50/50 في مجلس الشيوخ) لكنّ نائبة الرئيس المنتخب كامالا هاريس التي يمنحها الدستور بحكم منصبها هذا صفة رئيسة مجلس الشيوخ، يمكنها أن تحضر أي جلسة تريد وأن تصوّت فيها لترجّح كفّة حزبها، أي الديموقراطيين.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، فمن المتوقع أن يواجه بايدن تحديات أخرى، حيث ثمة خطر حقيقي ينتظره في مجلس الشيوخ مع وجود تساؤلات حول صحة الديموقراطية ديان فاينشتاين البالغة من العمر 88 عامًا وفطنتها العقلية. فهناك احتمال أن تتنحى أو تضطر إلى التقاعد. ومع وجود عضو إضافي واحد فقط في مجلس الشيوخ، سيستعيد الجمهوريون السيطرة على مجلس الشيوخ، ومن ثم سيتمكنون من منع معظم تحركات الديمقراطيين حتى انتخابات التجديد النصفي لعام 2022.
ولكن حتى لو تمكن الديمقراطيون من الحفاظ على سيطرتهم التاريخية على مجلسي النواب والشيوخ حتى منتصف المدة، فليس هناك ما يضمن قدرتهم على الاحتفاظ بأي منهما. ومع إطاحة الحزب الجمهوري بأولئك الذين لا يلتزمون بخط ترامب - أعضاء مجلس الشيوخ مثل: روي بلانت، وريتشارد بور، وروب بورتمان، وريتشارد شيلبي، وبات تومي (الذين صوتوا إما لإدانة ترامب في محاكمة العزل عام 2021 أو أيدوا مشروع قانون البنية التحتية للحزبين الجمهوري والديمقراطي الذي رفضه مؤيدو ترامب بشدة) وهؤلاء من المتوقع أن يتقاعدوا في العام المقبل - من المحتمل أن تزداد قوة الأعضاء المتأثرين بالظاهرة الترامبية بشكل كبير داخل الحزب الجمهوري، وهو ما سيعيق عمل الديمقراطيين بلا شك.
في المحصلة، هناك أكثر من 400 يوم متبقية حتى تشرين الثاني 2022، وحتى ذلك الوقت هناك أمور ستؤثر جميعها على مستقبل الديموقراطيين، منها مستقبل ما بعد 19 ــ COVID، ومواعيد تلقيح التطعيم الثالث والرابع الذي لا يحظى بشعبية متزايدة بين الناخبين اليمينيين، والأهم واقع حكومة "طالبان" سواء أكملت عامًا في السلطة أو انهارت، فلننتظر ونراقب.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024