آراء وتحليلات
بالأرقام: تفاصيل العرض الايراني للكهرباء وما يوفّره على الخزينة
د. محمود جباعي
أصبح حل أزمة الكهرباء حلمًا للشعب اللبناني بعد تفاقم المشكلة بشكل غير مسبوق حيث وصلت معامل انتاج الطاقة الى نقطة صفر انتاج تقريبًا مما يشكل تهديدًا جديًا لكل مفاصل الحياة في البلاد على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية.
هذه الحالة التي وصلنا اليها لم تحصل فجأة وإنما هي وليدة سياسات خاطئة تفوح منها روائح الفساد والمحاصصة والانكار المستمر لحقيقة الأزمة ولسبل المعالجة الفعلية على مر عشرات السنوات الماضية. فرغم حصول لبنان على العديد من العروض الخارجية المهمة لانشاء معامل انتاج للطاقة من قبل عدة دول أبرزها ايران وروسيا والصين وحتى المانيا وفرنسا إلا أن السياسيين اللبنانيين كانوا وما زالوا يبدعون في كيفية تطيير هذه العروض خدمةً لمصالحهم المترابطة مع العديد من الكارتيلات التي تعمل في هذا المجال.
اليوم من جديد قدمت ايران حلاً يمكن وصفه بالجذري يساهم في حل هذه المشكلة المتفاقمة، وأصبح من المعيب على كل القوى السياسية الاستمرار بالمماطلة في قبول معظم العروض المقدمة، فلبنان بلد الحضارات يرزح تحت خطر العتمة الشاملة في العام 2021 علماً أن معظم دول العالم وجدت حلولًا لهذه الأزمة من خلال عدة تقنيات يمكن للبنان أن يعتمدها لتوفير الطاقة الكهربائية، لا سيما أنه يمتلك المقومات الطبيعية اللازمة لذلك كالمياه والهواء والطاقة الشمسية.
تفاصيل وفوائد العرض
بالعودة الى العرض الايراني الجدي والواقعي الذي قدمه معالي وزير الخارجية الايرانية الى السلطات اللبنانية فهو يقضي بانشاء ايران لمعملي كهرباء واحد في الجنوب والاخر في بيروت يوفر كل منهما حوالي 1000 ميغاواط وذلك خلال فترة 18 شهراً والاهم أن الدفع يكون بالليرة اللبنانية وليس بالدولار مما يجعله عرضًا بكلفة متدنية شبه مجانية لا يشكل عبئًا كبيرًا على خزينة الدولة ولا يمس الاحتياط الأجنبي الموجود في المصرف المركزي. هذا يعني أنه العرض الانسب للدولة اللبنانية حيث ستتمكن من حل أزمة مستعصية بأقل التكاليف مما سيوفر خسائر سنوية على خزينة الدولة لا تقل عن 1.3 مليار دولار تتكبدها الموازنة كل عام بفعل الهدر والفساد وضعف الايرادات والأهم من ذلك ستتمكن الدولة من توفير الطاقة الكهربائية مما سيؤسس لعملية اعادة تطوير الانتاج المحلي في شتى المجالات من جهة وحل أزمة المولدات التي تكبد معظم اللبنانيين نصف رواتبهم تقريباً من جهة أخرى (تدفع اشتراكًا شهريًّا بشكل ملزم دون وجود خيارات بديلة)، كيف لا وفاتورة اشتراك المولدات تفوق الحد الأدنى للأجور بأضعاف حسب الحاجة والاستعمال، فكلفة اشتراك 5 امبير شهريًا وصلت في بعض المناطق الى حوالي مليوني ليرة لبنانية.
علمًا أن ملف الكهرباء وحده يشكل نصف أزمات لبنان حيث بلغ اجمالي العجز في هذا القطاع في آخر عقدين حوالي 36 مليار دولار أميركي، أي حوالي 45 % من اجمالي الدين العام، والحاجة القصوى للانتاج تبلغ حوالي 3000 ميغاواط. من هنا يتبين لنا أن لهذا العرض فوائد كبيرة مالية واقتصادية لأنه سيوفر 75 % من حاجة لبنان للطاقة وأيضًا سيخفض عجزًا كبيرًا عن كاهل الموازنة العامة ومالية الدولة.
دور الحكومة الجديدة
على الدولة اللبنانية اليوم أن تجيب على العرض الايراني بشكل سريع دون لف أو دوران لأن المواطن لم يعد يستطيع الصبر والمماطلة، إما قبول العرض والبدء بتنفيذه وإما ايجاد عروض أخرى شبيهة يبدأ العمل فيها بشكل سريع. الشعب اللبناني اليوم متعطش للحلول من أي جهة أتت شرط أن تكون جدية وحقيقية وأن لا تكون حبرًا على ورق.
الواضح اليوم أن ايران جادة جدًا وصادقة مع الشعب اللبناني، وهذا ما لمسه اللبنانيون في ملف المحروقات الذي دخل سكة الحل بفضل المساعدات الايرانية الفعلية، وما قضية البواخر التي شغلت العدو والصديق إلا خير شاهد على ذلك.
الحكومة اللبنانية الجديدة معنية بشكل جدي بايجاد الحلول السريعة لملف الكهرباء لأنه يعد امتحانًا فعليًا لقدرتها على معالجة بعض الأزمات التي تمس حياة كل المواطنين من دون استثناء، فالشعب ينتظر حلولًا لا كلامًا ووعودًا، واليوم الفرصة سانحة أمامها لاتخاذ مواقف وقرارات تصب في مصلحة البلد من دون الدخول في السجالات السياسية التي تهدم كل أمل في بناء بلد يحمي مواطنيه.
يكفي اللبنانيين كل هذه المعاناة وبكل بساطة ووضوح من لديه فوبيا من ايران عليه أن يؤمن لنا البديل وعليه ايجاد حلول وعروض سنقبلها جميعاً اذا كانت جدية وحقيقية وتخدم مصالح الشعب اللبناني لأن العبرة لدينا هي بحل المشاكل وليس باسم الدولة التي تقدم الحل كما يفعل الاخرون الذين لا يهتمون إلا لمصالحهم العليا على حساب مصلحة لبنان.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024