معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

عقاب إماراتي للسعودية في الحديدة.. وكُرة اللهب في مأرب تكبر
19/11/2021

عقاب إماراتي للسعودية في الحديدة.. وكُرة اللهب في مأرب تكبر

إسماعيل المحاقري

المشهد في اليمن يبدو ملبدًا بغيوم الخيبة وسُحب الندامة السعودية على وجه التحديد. ورسائل الانسحابات العسكرية الإماراتية من مسرح العمليات المضطرب، في شرق البلد وجنوبه وصولًا إلى الغرب في الحديدة توحي لكثيرين، بأن ثمة مشاريع وتشكيلات مسلحة قد دنت ساعتها، وتحالفات إقليمية حانت قيامتها في المنطقة استنادًا إلى النزعة المشتركة في تكريس فرض الهيمنة على الجزر اليمنية ومضيق باب المندب الاستراتيجي ضمن دوائر أوسع تعمل الولايات المتحدة على تقريبها وضبط تفاعلاتها وإيقاعات عملها في الإقليم أمنيًا وعسكريًا.

معركة مأرب وأهداف تحالف العدوان المعلنة

بموازاة الانهيارات المتسارعة لتحالف العدوان في مأرب، واقتراب المعارك من مركز المدينة ذات الثقل الجغرافي والسياسي والاقتصادي أكثر من أي وقت مضى، شكل انسحاب الميليشيا الممولة إماراتيًا من جنوب الحديدة شرخًا كبيرًا في بنية هذا التحالف، وخلط أوراقه السياسية المبعثرة أصلًا، وعمق الفجوة بين الأفرقاء الاقليميين الفاعلين كما على مستوى الولاءات المحلية، وهذا ما ذهب إليه بعض المحللين والمتابعين.

المعركة الأساسية التي جاء من أجلها تحالف العدوان وهي استعادة الشرعية المزعومة والوصول إلى العاصمة صنعاء قد فشلت فشلًا ذريعًا، والوضع وصل إلى طريق مسدود عسكريًا ودبلوماسيًا، يقول ذلك وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في أحدث تصريحاته، وهو ما يعني أن المشهد بات مفتوحًا على مزيد من الارتباك، وأن الوقت قد حان ليتحمل مشغلو المملكة وداعموها مسؤوليتهم في إنعاش مخططات التقسيم والتفتيت كي لا يخرج الجميع بعد سبع سنوات من هذه الحرب بخفي حنين.

خلفية الانسحاب الإماراتي من الحديدة

قرار الانسحاب من جنوب الحديدة المفاجئ في توقيته وغير المعلومة أسبابه ودوافعه لحلفاء أبو ظبي ووكلائهم على حد سواء لا زال محل جدل على كل الصعد، فما أحدثته حملة الساحل الغربي العدوانية من اختراق وصل بالقوات الموالية للإمارات في عام 2018 م إلى شرق المدينة وقطع طريق الحديدة صنعاء " كيلو 16" والتموضع على مسافة قريبة من المطار وغير بعيدة عن الميناء الأهم لأكثر من ثلثي سكان اليمن لا يمكن فهم التفريط به والتخلي عن نتائجه ومفاعيله العسكرية على هذا النحو الدراماتيكي دون قراءة الاحداث والمتغيرات الميدانية بشكل عميق وربطها بمآلات الصراع وأولوية القوى الدولية لحفظ المصالح في خطوط الملاحة الدولية، والتجارة العالمية، وضرورة إعادة رسم خريطة الانتشار وفق مهام محددة وبالأوراق المتوفرة والمتبقية بعد أن أكل الدهر وشرب على عنتريات السعودية الفارغة وانكفاء الإمارات بخطواته المتزايدة والمتسارعة.

قبل استنتاج أسباب الانسحاب من الحديدة وقراءة الأبعاد والدلائل، لا بد من الإشارة إلى أن تحالف العدوان أعلن في نهاية أكتوبر من عام 2019م، إعادة تموضع قواته في عدن لتكون بقيادة السعودية بدلًا عن الإمارات التي ظلت تتحكم بالمدينة لنحو أربعة أعوام، وكذلك فعل في المهرة وبعض مدن حضرموت، وصولًا إلى مشاركة أبو ظبي النفوذ في جزيرة سقطرى.

وفي أكتوبر من العام الجاري انسحبت القوات الإماراتية من معسكر العلم في شبوة، تحت ضغط تقدم الجيش واللجان الشعبية إلى بعض مديريات المحافظة، وفي ظل مطالبات حكومة الرياض بخروج الإماراتيين واحتواء ميليشياتهم ليتسنى لها إعادة تشغيل منشأة بلحاف على بحر العرب لتصدير الغاز، نظرًا لأن أبو ظبي وفق ما تتهمها الحكومة ذاتها تعمل على تقويض الأمن وتدير الانقلاب عليها كما هو الحدث القائم في مدينة عدن.

الإمارات تعاقب السعودية

في ظاهر ما تقدم لا يستبعد كثير من المراقبين أن قرار الانسحاب سابق الذكر جاء كردة فعل إماراتية انتقامية أو "تأديبية" إن جاز التعبير للسعودية التي استغلت في الأعوام الأربعة الأولى من عمر العدوان اندفاعة القوات الإماراتية في الداخل اليمني لتحقيق مكاسب ميدانية وسياسية، لتأتي "المكافأة" في نهاية المطاف بسحب البساط عنها وإخراجها خالية الوفاض من بعض المدن الجنوبية إلا من انتقادات واتهامات شركاء الأمس خصوم اليوم "الشرعية المزعومة" باستغلال أبو ظبي مظلة التحالف لتحقيق أهدافها وأطماعها بعيدًا عن "الأهداف" المعلنة، مدفوعة بلعنات المواطنين بسبب انتشار الفوضى وانعدام الخدمات وانهيار الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والتي من الصعب معالجتها والحد من تداعيها في هذه المرحلة.

التحولات الميدانية تفرض واقعًا جديدًا

عدا عن ذلك فإن التحولات الميدانية والانتصارات الساحقة التي يحققها أبطال الجيش واللجان الشعبية بفضل الله في مأرب وشبوة وقبلهما البيضاء والجوف هي أحد الأسباب المباشرة لتقليص حجم مشاركة تحالف العدوان شمالًا والانكفاء إلى الجنوب، وصولًا إلى الانسحابات المتتالية من كثير من المناطق، وهذا الأمر من شأنه أن يعيد رسم الخرائط العسكرية من جديد وفق ما تفرضه خطة معركة التحرير الشاملة التي أعلن عنها قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطاباته الأخيرة، وليس بما تسعى إليه دول العدوان من انسحاب يسقط عنها أحقية معالجة ملفات الحرب الإنسانية والاقتصادية، مع تحقيق بعض الأهداف ذات الصلة بأمن السعودية الاقتصادي، لا بمسوغات تدخلها المباشر.

انعدام خيارات التصعيد في الحديدة

في البعد العسكري من الواضح أن خيارات التصعيد العسكري في الحديدة كانت ضعيفة وغير محسوبة العواقب والبدائل محدودة، إذ لم يعد لدى حكام أبو ظبي القدرة على تحمل أي خسائر إضافية مادية أو مالية في حال نشوب مواجهات ميدانها الساحل الغربي، وأيضا لا طاقة للإمارات على تحمل التداعيات الأمنية والاقتصادية على مطاراتها ومنشآتها الحيوية كما هو حال السعودية في إطار حق الرد المشروع بصواريخ اليمن وطائراته المسيرة استنادًا إلى المعادلة التي أطلقها السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بعد الإعلان عن اتفاق السويد ومفادها أن "عودة التصعيد في الحديدة تعني تجدد قصف المطارات والمنشآت الحيوية الإماراتية".

الأمر الأكثر وضوحًا هو أن الإمارات لم تعد تملك فائض قوة يعطيها الأفضلية لتفجير الأوضاع في الحديدة وخوض المعارك في أكثر من محور، وليس لديها أي نية لفتح باب التجنيد من جديد واستقطاب المزيد من المرتزقة بعد أن أعلنت انسحابها وتراجعها منذ وقت مبكر، وبالتالي فإن الإبقاء على ستة ألوية جنوب وشرق الحديدة محاصرة في متارس دفاعية ممنوع عليها الحرب باتفاق السويد والقرارات الدولية يعد خطأ كبيرًا يستوجب تصحيحه وهذا ما لفت إليه بيان ما تسمى "القوات المشتركة" في تبريرها لانسحابها المفاجئ.

الإمارات تراعي المصلحة الصهيونية

بحسابات الربح والخسارة يبدو أن الإمارات تكتفي بتواجدها العسكري في سقطرى وبعض الجزر اليمنية إضافة إلى بسط نفوذها بدعم أمريكي مباشر على باب المندب والشريط الساحلي الممتد من المخا غربًا إلى سواحل حضرموت في الشرق، ولأن من يسيطر على هذه المناطق يمكنه التحكم بطرق الملاحة الدولية وهو الهدف الذي تتقاطع فيه مصالح دول العدوان مع كيان العدو الإسرائيلي، كان لا بد من تعزيز خطوط دفاع قوى العدوان في المخا بتثبيت وتقوية التواجد في الخوخة وحيس وميناء الحيمة، جنوب الحديدة، وبمحاولة التقدم في مديريات مقبنة وموزع والوزاعية في تعز، وصولًا إلى جبال كهبوب في لحج لإيجاد منطقة عازلة، ومسافة آمنة للقوات الأجنبية المتواجدة بطول الشريط الساحلي في ذباب وجزيرة ميون، وهذا هو مرد الانسحاب الإماراتي الأهم مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة حماية مكتسبات أبو ظبي في شبوة وحضرموت من أجندة السعودية، وحكومة الرياض أو أي تحركات للجيش واللجان الشعبية.

السعودية آخر من يعلم

أما عن مزاعم إخلاء المناطق المحكومة باتفاق السويد لدعم وإسناد معركة مأرب فهي مجرد حديث للاستهلاك الإعلامي لرفع معنويات المرتزقة، ولا تستند إلى أي مسوغ أو معطى واقعي، فقرار الانسحاب لم يكن مفاجئًا للفار هادي وحكومته وحسب، بل وللسعودية أيضًا، وإن حاول ناطق العدوان تركي المالكي أن يغطي ويشوش على هذه الحقيقة الساطعة بالإعلان المتأخر عن دراية التحالف وتنسيقه المسبق لخروج تلك القوات حرصًا على ما ادعاه تنفيذ اتفاق السويد. إلا أن جهل الأمم المتحدة وبعثتها الخاصة بما أسموه إعادة التموضع، وما تلا ذلك من استدعاء المملكة لعيدروس الزبيدي رئيس ما يسمى المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا أوضح الصورة وأزال الكثير من اللبس والغموض لدى الكثيرين، ليظهر للخصوم والحلفاء أن الخلاف الإماراتي السعودي يكبر ويتعاظم يوما بعد آخر، فبينما الإمارات ذاهبة لتهدئة التوترات مع إيران بالتحضير لزيارة وفد إماراتي رفيع المستوى إلى طهران وفق "رويترز"، اضطرت السعودية لإرسال أحد الألوية العسكرية ذات الميول الوهابية التي تدافع عن حدودها الجنوبية لدعم وإسناد المعركة في مأرب.

ووسط فوضى الفشل تقلّب الولايات المتحدة في ملفات أكل الدهر عليها وشرب بحثًا عن خيار أخير يحفظ جزءًا من الوجود المنحسر في شمال اليمن، تكبر كرة اللهب على مشارف مدينة مأرب وتتأرجح أطراف العدوان بين قلق وتوجس للخروج بأقل الخسائر من مناطق وإعادة التموضع في مناطق أخرى مع مراعاة المصلحة الصهيو أمريكية، وفي خدمة هذا المشروع الكل سواء السعودية والإمارات.

الإمارات العربية المتحدة

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات