آراء وتحليلات
من يملأ الفراغ السعودي في لبنان؟
محمد باقر ياسين
بعد الأزمة السياسية التي افتعلتها السعودية مع لبنان متذرعةً في البداية بتصريح وزير الخارجية اللبنانية جورج قرداحي، لتعلن عن السبب الحقيقي فيما بعد ألا وهو إقصاء حزب الله عن المشهد اللبناني، يبرز السؤال التالي: من سيملأ الفراغ السعودي في لبنان؟
ولكي يكون المتابع على دراية بما يدور في المنطقة، لا بد أن نلفت عنايته وبشكل سريع إلى بؤر عديدة للصراع بين الثالوث الخليجي المتمثل بالسعودية والإمارات وقطر. فأي بلدٍ يخرج منه أحد الأطراف الثلاثة تجد أن الطرفين الآخرين يسعيان لملء فراغه. وهذا الحال سينسحب على لبنان أيضًا.
بعد القطيعة السعودية السياسية مع لبنان، وبالتالي خروجها من الساحة اللبنانية، هناك طرفان يعملان على ملء هذا الشغور الذي ستخلفه المملكة، الأول متمثل بدولة الإمارات والثاني متمثل بدولة قطر.
ولقراءة الموقف الإماراتي لا بد هنا أن نشير إلى ثلاثة أمور قامت بها الإمارات مؤخرًا، وهي على النحو التالي:
- زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد إلى تركيا، وهو العدو اللدود لها، وإبرام اثنتي عشرة اتفاقية، وكذلك أنشأت الإمارات صندوق استثمارات بقيمة عشرة مليارات دولار، وهذا سيسهم في تعزيز الليرة التركية بعد تراجعها مقابل الدولار الأمريكي.
- زيارة وفد من الإمارات إلى إيران، والإعلان عن فتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين. وهذا يشكل تمايزًا واضحًا وصريحًا عن الموقف السعودي تجاه إيران.
- زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى سوريا، وما لها من دلالات عدة منها:
1- إقرار بانتصار سوريا بعد فشل دول الخليج بإسقاطها وبالتالي فشل المشروع الخليجي.
2- محاولات ترميم العلاقات العربية مع سوريا، وبالتالي تمهيد عودة الجامعة العربية إلى سوريا.
3- رغبة الإمارات بحصد المكاسب الاقتصادية من خلال المشاريع التي ستقدمها وعلى رأسها إعادة الإعمار.
- الإمارات حضرت بقوة في الساحة اللبنانية عبر سفيرها حمد الشامسي، وكذلك عبر رجل الأعمال خلف الحبتور، الذي يدعم بشكل صريح شخصيات لبنانية في الشمال، وقد مول نشاطات مختلفة لما تدعى بثورة 17 تشرين.
ومن هنا فدولة الإمارات مهتمة بشدة بلبنان، ولن يكون من المستغرب أن تساهم في دعم الليرة اللبنانية عبر ودائع في المصرف المركزي، أو بمشاريع في صندوق استثمار على غرار ما قامت به بدعم الليرة التركية.
وكذلك تدرك الإمارات أن بوابتها لإعادة الإعمار في سوريا ستكون حتماً من لبنان، لذا ستعمل جاهدةً على تحسين العلاقة مع لبنان، ولو أدى هذا إلى تمايزها عن الموقف السعودي الذي كسرته في الساحات الثلاثة التي ذكرناها سابقاً (تركيا، سوريا، إيران).
وفي المقابل، تسعى قطر بدورها لملء الفراغ السعودي؛ فهي لم تغب عن الساحة اللبنانية، إذ إنها الدولة الخليجية الوحيدة التي دعمت حكومة حسان دياب واستقبلته هو ووزير خارجيته، وكذلك دعمت لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، ودعمت الجيش اللبناني بمساعدات ما زالت تقدمها بشكل دوري، وعززت أيضًا من حضورها على الساحة اللبنانية وخاصة في الشمال اللبناني إبان ما تسمى ثورة 17 تشرين، عبر دعم شخصيات من خلال الواجهة التركية، التي تلقى قبولًا لدى الشارع الشمالي.
وبعد افتعال السعودية للأزمة مع لبنان، حاولت قطر الدخول على خط الوساطة، كون التصريح الذي زعمت السعودية في البداية أنه أصل المشكلة، كان عبر برنامج من إنتاج قناة "الجزيرة" القطرية. ولكن بعد تصريح وزير خارجية السعودية عن السبب الحقيقي ألا وهو "سيطرة حزب الله على لبنان"، انسحبت قطر من الوساطة السياسية، والتي لن تقوم بها إلا بحال فوضتها السعودية بذلك، وهذا مستبعد في الوقت الراهن؛ فبدل ذلك عمدت قطر إلى مساعدة لبنان بشكل غير مباشر، عبر الدعم التركي، وذلك من أجل عدم إغضاب السعودية، التي لم تمضِ سنة على عودة العلاقات معها.
وتهدف قطر من خلال الدعم التركي، إلى فتح ثغرة اقتصادية للبنان لكي يعبر من خلالها نحو الأسواق الخارجية. وكذلك من غير المستبعد أن تقوم قطر بدعم الليرة اللبنانية، عبر ودائع لها في البنك المركزي على غرار الـ 30 مليار دولار التي قدمتها كدعم لليرة التركية. وستستغل قطر زيارة الرئيس عون اليها في الأيام القادمة، لمحاولة تقريب وجهات النظر بين لبنان والدول الخليجية.
ومن هنا سيكون الصراع محتدمًا بين الإمارات وقطر على تثبيت وجودهما في لبنان، بغية وراثة التركة السعودية، وسيتجلى هذا الصراع بشكل واضح في الشمال اللبناني.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024