آراء وتحليلات
فضائح الجيش الاميركي الجنسية (2): القيادة تغطي المعتدين.. وتكذّب الناجيات
د. علي دربج ـ باحث ومحاضر جامعي
إنها اميركا، البلد الذي يجمع المتناقضات. بمقدار ما يتباهى قادتها بالحرية والديقمراطية فيها، تعاني نسبة كبيرة من مواطنيها من التفرقة العنصرية، وعدم المساواة، والتمييز، وهي ظواهر امتدت من الشوارع والاحياء، حتى وصلت الى جيشها الذي تفاقمت، في الاونة الاخيرة، ارتكابات واعتداءات نسبة كبيرة من عناصره الجنسية ضد زميلاتهم النساء في المؤسسة ذاتها، لا سيما في منطقة عمليات افريكوم.
المفاجأ في الامر، ان التعامل مع هذه الحوادث والحالات، لم يرقَ الى مستوى تحقيق العدالة للضحايا، بل على العكس من ذلك، انحازت القيادة الى الجناة، وتسترت عليهم في كثير من الاحيان، حتى وصل الامر بالناجيات الى إحجامهن عن التقدم بشكاوى الى قياداتهن نتيجة يقينهنّ المسبق انهن لن يحصلن على حقوقهن.
وقبل ان نغوص في التفاصيل، لنستعرض بداية التفلت الأخلاقي في معسكر "ليمونير" في افريقيا.
مع وجود رقابة خارجية قليلة، كان معسكر "ليمونير" في جيبوتي، بؤرة لنسبة عالية من الاعتداءات لأفراد الجيش الأمريكي في القارة الافريقية. المعسكر عبارة عن موقع سابق للفيلق الأجنبي الفرنسي، وهو يمتد على مساحة تترواح بين 88 و600 فدان. يعمل "ليمونير" كمركز رئيسي لعمليات مكافحة الإرهاب الأمريكية في اليمن والصومال، ويعتبر أكبر قاعدة أمريكية في القارة، وهي تستضيف حوالي 5000 فرد من الولايات المتحدة وحلفائها.
تشمل الجرائم في معسكر ليمونير، وفقا لمكتب "منع الاعتداء الجنسي والاستجابة له" في البنتاغون أو ما يعرف بـ SAPRO، والمنقولة عن ملفات "أفريكوم"، سلسلة من الجرائم توزعت بين "الإسكار" والتعليقات اللفظية المسيئة والسلوك غير اللائق ومحاولة الاعتداء والاعتداء والضرب والعض والخنق والإجبار على افعال مشينة وخدمات إضافية أثناء العلاج بالتدليك.
لكن هل تم ادراج كل حالات الاعتداء في بيانات البنتاغون؟ فلنكتشف الاجابة.
بحسب مكتب "منع الاعتداء الجنسي" SAPRO تم الإبلاغ عن اعتداءات جنسية على أفراد عسكريين أمريكيين في تسع دول أفريقية هي: جيبوتي وغانا وكينيا وسيشيل والصومال وجنوب إفريقيا وتونس وأوغندا وزيمبابوي. وصف جون مانلي، المتحدث باسم أفريكوم، تقارير SAPRO، بـ"ثروة البيانات" معتبرا أنها تمثل "جميع تقارير برنامج الاستجابة والتحرش الجنسي والاستجابة للاعتداء، في جميع أنحاء وزارة الدفاع."
على المقلب الاخر، تقول "صحيفة ذا انترسبت" انه كان من المفترض أن يتم إدراج كل هذه الحوادث، سواء كانت الضحية المزعومة مدنية أو عضوًا في الجيش، في قاعدة بيانات الدفاع عن حوادث الاعتداء الجنسي التابعة للبنتاغون والمدرجة في تقارير SAPRO السنوية إلى الكونغرس. غير انه ليس من الواضح ما إذا كانوا كذلك. التقارير السنوية لا تروي القصة كاملة.
لكن ملفات أفريكوم التي حصلت عليها الصحيفة مع احدى المؤسسات المعنية بالتحقيقات، كذّبت البنتاغون، بعدما تم الكشف انها تتضمن حالات ليس فقط من تلك الدول التسعة، بل أيضًا من 13 دولة أخرى هي: الجزائر، بوركينا فاسو ، الكاميرون، تشاد، إثيوبيا، ليبيريا، مدغشقر، ملاوي، المغرب، النيجر، رواندا، السنغال وجنوب السودان. وهذه الحالات لا تظهر تلك البلدان الـ 13 في أي مكان في التقارير السنوية.
اللافت في الامر ان ملفات أفريكوم، تشتمل على نسخة من تقرير تحقيق جنائي للجيش يفصل شكاوى الاعتداءات. لكن السنغال لم يرد ذكرها في أي من تقارير البنتاغون السنوية حول الاعتداء الجنسي من 2010 إلى 2020. اكثر من ذلك، قال المتحدث باسم أفريكوم مانلي "قيادة أفريقيا ليس لديها سجل لهذه الادعاءات".
وماذا عن شهادات الناجيات؟ وهل يأخذ الجيش الاميركي بأقوالهن؟ الاجابة في السطور التالية.
تسلط ملفات أفريكوم الضوء على الطرق التي يمكن للجيش من خلالها أن يثني الناجيات عن تقديم شكاويهن.
تنوعت شهادت الناجيات بين من شعرن بالتردد أو الخوف من المساعدة في التحقيقات، وتعرضن لضغوطات لتغيير رواياتهن، فكنّ مقيدات بالتسلسل القيادي، وبين من اعتقدن أنه لن يتم تصديقهن، وشكّكن في أن الإبلاغ عن اعتداء من شأنه أن يؤدي إلى نتيجة إيجابية، خصوصا وأنه تم تجاهل الأخريات، وقوبلن بالضحك من قبل المحقيين، والاشتباه في المبالغة، وفي مرات اخرى جرى اتهامهن من قبل القيادة بالكذب بهدف الإساءة.
وللتأكيد على فشل المؤسسة العسكرية في التعامل مع هذا النوع من الاعتداء، واللامبالاة التي يقابل بها القادة العسكريون الضحايا، وعدم اخذ اقوالهن على محمل الجدّ، اماطت جندية اميركية اللثام عن هذه الحقائق. فبعد أن أبلغت عن تعرضها للاعتداء، قالت إن رؤساءها تجاهلوا كلامها، رغم أن محققي الجيش أكدوا فيما بعد صدقها. ولم تكن هذه أول تجربة لها. ففي إشارة إلى اعتداء سابق، اوضحت "أنها شعرت بالإحباط من عملية السعي لتحقيق العدالة"، وتابعت "علمت أنه في النهاية لم يحدث شيء حقًا، وقيل لي إن الدفاع سيكون قادرًا على تغيير القصة".
واضافت "حدثت أشياء كثيرة سيئة عندما فعلت الشيء الصحيح، لذلك أنا قلقة بشأن ما سيحدث إذا فعلت ذلك مرة أخرى... القيادة لا تتحمل أي مساءلة. إذا كان جنودك مسيئين، ويتصرفون مثل المنحرفين، فأنت بحاجة إلى وضع حد لذلك. لكن القيادة تنظر إلى الأمر على النحو التالي: ليس من شأني، ليست مشكلتي". وفي النهاية ولّدت هذه التجارب الشعور بالمرارة لدى الجنديات تجاه قيادتهن، ودفعتهن الى التشكيك في نظام القضاء العسكري برمته.
وليس بعيدا عن ذلك، وجد تحقيق أجرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" في العام 2016 أدلة مهمة على تسريح أقل من مشرف أو "سيئ" لأفراد الجيش الذين أبلغوا عن الاعتداء الجنسي. كما كشفت دراسة أجرتها مؤسسة راند في شباط/ فبراير 2021، أن الاعتداء الجنسي ضاعف احتمالات انفصال أحد أفراد الخدمة عن الجيش في الأشهر الـ 28 التالية. كما أظهر البحث أن أفراد الخدمة اللواتي تعرضن للتحرش الجنسي كن أكثر عرضة لمغادرة الجيش 1.7 مرة خلال نفس الفترة الزمنية.
بناء على ما تقدم، وامام هذه الحالات والاعتداءات التي وقعت في الجيش الاميركي، بات على جيشنا الوطني الذي يتمع بمناقبية اخلاقية وانسانية عالية، إعادة النظر بالبعثات التي يرسلها الى واشنطن للتدريب، وبدلا من ذلك، قد يكون من المفيد توليه مهمة التأهيل الاخلاقي والسلوكي للجيش الاميركي.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024