معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

مقتل القريشي .. الضربة القاصمة لـ"داعش" تربك حساباته
07/02/2022

مقتل القريشي .. الضربة القاصمة لـ"داعش" تربك حساباته

عادل الجبوري

  لم يتح لتنظيم "داعش" الإرهابي الاحتفاظ والاستمتاع بنشوة الانتصار الذي اعتقد أنه قد حققه من خلال عملية الهجوم على سجن غويران بمدينة الحسكة السورية في العشرين من شهر كانون الثاني-يناير الماضي، وتحرير المئات من قياداته وعناصره الذين كانوا معتقلين هناك. فقد أدى مصرع زعيمه ابو ابراهيم القريشي قبل أيام قلائل في مدينة ادلب السورية، الى خلط أوراق ذلك التنظيم وارباك حساباته، في الوقت الذي ما زالت آثار وانعكاسات مقتل زعيمه السابق ابو بكر البغدادي أواخر شهر تشرين الاول-اكتوبر من عام 2019 شاخصة وماثلة حتى الآن، بصورة خلافات وتقاطعات وتصدعات وتصارعات متواصلة عند قمة الهيكل القيادي للتنظيم، وارتباك وتخبط الاستراتيجيات، وضربات قاصمة متتالية تلقاها في أماكن ومواقع مختلفة، تسببت له بخسائر بشرية كبيرة، وانحسار واضح في مساحات نفوذه وهيمنته وتواجده، ناهيك عن تراجع - وليس انقطاع - الدعم والتمويل والاسناد له من قبل أطراف دولية واقليمية، ارتباطًا بمتغيرات الظروف والأوضاع، وتبدل المصالح والأولويات.

   بيد أن ذلك كله، لم يمنع "داعش" من استغلال الظروف والأوضاع  القلقة في عدة دول واقاليم، من أجل أن يعوض عن بعض خسائره، ويستعيد قدرًا من معنوياته المفقودة، ويتحصل على امكانيات مالية من شأنها التخفيف من وطأة أزمات التمويل التي ألقت بظلالها الثقيلة عليه خلال الأعوام الستة أو السبعة الماضية، وتحديدًا بعد هزيمته العسكرية في العراق، وتراجعه وانكساره الكبير في سوريا.

   العمليات الارهابية التي شهدتها مدن ومناطق عراقية مختلفة في الوسط والشمال والغرب، ناهيك عن العاصمة بغداد، خلال العام الماضي، وكذلك التي شهدتها دول أخرى، مثل أفغانستان وباكستان وسوريا وبعض دول القارة الافريقية، بدت مصاديق واضحة لمحاولات تنظيم "داعش" استعادة جزء من توازنه وبعض قوته، ولكن هل نجح في ذلك؟

  لعل عملية اقتحام سجن "غويران" في مدينة الحسكة، رغم أنها تسببت بمقتل أعداد لا يستهان بها من الدواعش، وفي ذات الوقت أفضت الى هروب أو تهريب المئات منهم أيضًا، رسخت انطباعات وتصورات مفادها أن "داعش" ما زال قادرًا على الوصول الى مواضع حساسة وحيوية، وتحقيق أهداف كبيرة ومهمة، إلا أن عملية  قتل زعيم التنظيم ابو ابراهيم القريشي فجر الثالث من شهر شباط-فبراير الحالي، بددت كل المكاسب المادية والمعنوية التي اعتقد التنظيم أنه قد حققها هنا وهناك.

   في الواقع، أثبتت عملية مقتل القريشي، بعد عامين وثلاثة أشهر من مقتل زعيم التنظيم السابق ابو بكر البغدادي، في مدينة ادلب السورية ايضًا، ان "داعش"، فقد القدرة على تحصين نفسه والمحافظة على حضوره وفاعليته وتأثيره الحقيقي، لأن الوصول الي زعيمه وتصفيته، بصرف النظر عن الجهة  المنفذة والجهات الداعمة والساندة، معلوماتيًا ولوجيستيًا، يعني فيما يعنيه، هشاشة وضعف التنظيم من جانب، ومن جانب آخر، يؤشر الى استفحالالانقسام والتناحر بين قياداته العليا، ذلك الانقسام الذي تفاقم الى حد كبير بعد مقتل البغدادي، وتصدي القريشي المرفوض من قبل عدد لا يستهان به من قيادات التنظيم لا سيما في اقاليم بعيدة عن العراق وسوريا، كأفغانستان وغرب افريقيا.    

   أضف الى ذلك، فإن الفترة الزمنية المحصورة بين مقتل البغدادي ومقتل القريشي، شهدت تصفية واعتقال العشرات من القيادات الميدانية للتنظيم في سوريا والعراق، وتدمير الأوكار، وقطع خطوط الامداد، وشل شبكات الاتصالات، وهو ما ترك اثرًا سلبيًا واضحًا على تماسك وقوة البنى والهياكل التنظيمية المختلفة، العسكرية منها وغير العسكرية، وكذلك سهولة وسرعة تعقب خلايا وأوكار التنظيم من قبل الاجهزة الاستخباراتية والعسكرية والامنية، خصوصًا مع وجود التنسيق العالي والتعاون المستمر خارج النطاق المحلي.

   ولا شك أن أغلب -ان لم يكن كل- عمليات استهداف قيادات "داعش" ومخابئه وأوكاره ومصادر دعمه وتمويله، كانت تتم من خلال اختراقات أمنية دقيقة لعمق التنظيم، وهو ما يعزز حقيقة الخلافات والتقاطعات والانقسامات داخله، والتي من المتوقع أنها سوف تتفاقم وتتسع مع الضعف المتواصل في قمة الهيكل القيادي بسبب الاستهدفات والتصفيات المستمرة.     

   ويرى محللون ومختصون بالشؤون الامنية "ان داعش يواجه في المرحلة المقبلة، تحدي السيطرة على أذرعه المنتشرة حول العالم، تلك الأذرع التي بات بعضها أقوى من التنظيم الأُم، وتنشط في ساحات أكثر اشتعالاً وجذباً في الوقت ذاته، كولاية خراسان في أفغانستان، وولاية غرب أفريقيا في الساحل الأفريقي".

   في نفس الوقت، فإن ضعف مركزية التنظيم، وتخلخل محورية القيادة العليا، قد تكون عاملًا محفزًا وعنصرًا دافعًا للتنظيمات والقيادات الفرعية، للتحرك واثبات وجودها وتأثيرها من خلال ارتكاب عمليات ارهابية عشوائية، تستهدف أكبر عدد من الناس في الأماكن العامة، وهذا ما ينبغي التحسب له جيدًا، خصوصًا في العراق، ارتباطًا بتجذر وثقل "داعش" فيه.

   وربما يقع في خطأ كبير، من يفترض أو يتوقع أن تنظيم "داعش" بمقتل زعيمه يكون قد انتهى أو في طريقه الى النهاية، نعم قد يتعرض للمزيد من الضعف والتشضي والتشرذم، بيد انه لن يفقد بقائه وحضوره وقدرته على الفعل والتحرك، ليس بحكم امكانياته الذاتية، وانما بحكم طبيعة المصالح والحسابات والمعادلات والصراعات والتوازنات الدولية والاقليمية، التي تقتضي وتحتم استمرار وجوده، حتى وان بمسميات وعناوين اخرى، من تلك التي ولدت من رحم "داعش" في أوقات سابقة،  كـ"جند الله" أو "الحازميون"، أو سواهما.    

   من غير المستبعد أن يختفي أو ينحسر اسم "داعش" كما حصل مع اسم "القاعدة"، ولكن الوجود الفعلي لن يختفي تمامًا، رغم مراحل ومحطات الضعف والارتباك والتشتت والتشرذم، وهذا ما يستوجب من المؤسسات السياسية والاجهزة الامنية والاستخباراتية في العراق وسوريا ومختلف الدول المستهدفة، ان تحافظ على ديمومة وزخم حربها ضد الارهاب، لأن مقتل زعيمه القريشي، يعتبر -كما هو مقتل سلفه البغدادي- جولة من جولات المواجهة المتواصلة، بأدواتها وأساليبها ووسائلها وعناوينها ومسمياتها، وميادينها المتعددة.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل