ابناؤك الاشداء

آراء وتحليلات

هل ينجح لبنان في تجاوز مطب الترسيم المشبوه لحدوده البحرية؟‎
08/02/2022

هل ينجح لبنان في تجاوز مطب الترسيم المشبوه لحدوده البحرية؟‎

شارل أبي نادر

ليست المرة الأولى التي يتفاوض فيها لبنان مع الكيان الصهيوني حول ترسيم حدوده البحرية مع الحدود البحرية لفلسطين المحتلة، وذلك بطريقة غير مباشرة عبر الأميركيين. فالسنوات القليلة الأخيرة شهدت عدة جولات من هذه المفاوضات دون أن تتوصل الأطراف لنتيجة حاسمة، وبقي الملف الذي تعرض للكثير من الأخذ والرد، وعن قصد إسرائيلي متعمد وبتوجيه وإدارة أميركية، على طاولة النقاش المفتوح، كبديل لحالة "ربط نزاع" بين الطرفين.

وفيما لم يكن الطرف الأميركي فعليًا وكما من المفترض أن يكون، وسيطًا نزيهًا أو محايدًا، كان دائمًا يجد في ملف الترسيم هذا مدخلًا لملف آخر، هو الأهم بالنسبة له ولـ"إسرائيل" أي ملف التوصل لتطبيع العلاقة بين لبنان وبين الكيان، كحلقة أساسية من ضمن مسلسل التطبيع الذي انطلق مع الدول العربية ونجح حتى الآن مع بعضها من الدول الخليجية.

اليوم، مع وصول الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين الى بيروت قادمًا من الاراضي المحتلة، تأخذ هذه الجولة من المفاوضات أو المباحثات حول الترسيم، طابعًا أكثر حساسية من عدة اتجاهات مهمة، لا بد من الإشارة إليها، وذلك على الشكل التالي:

الاتجاه الأول: يتعلق بالموقف اللبناني الرسمي، والذي عبر عنه مؤخرًا في رسالة للأمم المتحدة، اعتبر فيها أن حقل كاريش الذي كان يعتبره العدو الإسرائيلي ضمن المياه الاقتصادية الخالصة له، هو منطقة متنازع عليها، بما يحمله العنوان من تفاصيل وحساسيات وتداعيات، وذلك استنادًا لعدم انهاء التفاوض بين الطرفين على تثبيت الخطوط بشكل نهائي، وخاصة بالنسبة للخط ٢٩، والذي تفيد المقاربة اللبنانية أنه الحد الجنوبي لحدوده البحرية مستندًا في ذلك الى القوانين الدولية المعروفة، أولًا في تحديد الحدود البرية أساسًا، استنادًا لخط الهدنة المسجل في دوائر الامم المتحدة عام ١٩٤٩ بين الانتداب الفرنسي على لبنان والانتداب البريطاني على فلسطين، وثانيا في تحديد المياه الاقتصادية الخالصة للبنان بعد تصحيح مقاربته السابقة واعتبار "جزيرة تيخليت" التي يدعي الكيان انها جزيرة، ليست أكثر من صخرة كبيرة غير مأهولة، ولا تعطي "اسرائيل" امكانية اعتمادها مرجعًا لحساب مياهها الاقتصادية الخالصة، وايضًا مستندًا الى أكثر من عدة اجتهادات لقرارات تحكيم دولية معتمدة عالميًا من قبل الأمم المتحدة.

الاتجاه الثاني: ويتعلق بالوضع الصعب الذي يعيشه لبنان حالياً من كافة النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية، والذي لا يختلف كثيرًا عن الانهيار شبه الكامل، بالإضافة للمسار التفاوضي المفتوح بين لبنان وبين صندوق النقد الدولي، حيث تجارب الأخير مع أغلب الدول التي عاشت الأزمات المالية والاقتصادية التي يعيشها لبنان اليوم، لم تكن لتنتهي بتلبية الطلبات النقدية والمالية لتلك الدول، إلا بعد ربطها بمشاريع وأجندات أخرى، ذات طابع سياسي أو شبه سياسي، فكيف اذا كان السبب الرئيس للأزمة المالية والاقتصادية التي يعيشها لبنان اليوم، مقصودا ومخططا له ليتم وضعه في موقف المضغوط أو المخنوق ماليًا واقتصاديًا، لكي "يرفع العشرة" طالبًا إنقاذه مهما كان الثمن؟

الاتجاه الثالث: ويتعلق بتزامن هذه المفاوضات "المتحركة" لترسيم الحدود البحرية بين "اسرائيل" وبين لبنان وما يعيشه الأخير حاليًا من وضع مالي واقتصادي، بالتزامن مع حملة إقليمية ودولية ناشطة حول تفعيل ملف التطبيع بين أغلب دول المنطقة وبين الكيان الاسرائيلي، واحدى ظواهر هذه الحملة: المناورة العسكرية "التطبيعية"، والتي تجري حاليًا في قطاع عمل الاسطول الخامس الأميركي، بين البحر الأحمر والخليج وشمال المحيط الهندي، بمشاركة "اسرائيل" مع 60 دولة، أغلبها اقليمية عربية، من التي لا علاقات لها رسميًا مع الكيان الصهيوني.  

بالنسبة لاغلب المتابعين، سيكون هناك صعوبة على لبنان بأن ينجو من هذا المخطط المشبوه الذي يتم جرّه اليه، والهادف لأن يُفرض عليه من خلاله، التطبيع مع "إسرائيل" كأمر واقع لن يستطيع الافلات منه. يظن المخططون أن لبنان على طريق الانهيار الكامل ويعيش حالة من الموت السريري ماليًا ونقديًا، وبالتالي، لا بد له بالنهاية -وفق مخططهم- أن يرضخ للمناورة المشبوهة التي يخطط لها الأميركيون، عبر الانطلاق من حالة ربط النزاع بينه وبين "اسرائيل"، دون ترسيم نهائي للحدود البحرية، مع توافق  على اعتماد آلية ادارية وقانونية بينه وبين الكيان ( مباشرة او غير مباشرة) لاقتسام عائدات بدل الغاز أو النفط المستخرج من المنطقة المتنازع عليها بين خطي الترسيم ٢٣ و٢٩، بواسطة شركة أميركية أو غير أميركية، فيكون بذلك لبنان قد دخل في دوامة مشبوهة، تقوم على التواصل المالي غير المباشر مع "إسرائيل"، والذي سيكون أشبه بتطبيع اقتصادي، من غير الواضح كيف يمكن أن يتطور أو أن ينتهي.

في الواقع، غاب عن بال أغلب هؤلاء المتابعين، والذين يرون حتمية رضوخ لبنان لهذه المناورة الملغومة، أن الأخير يملك الكثير من أوراق القوة التي لو أحسن إدارتها والاستفادة منها لتوصل الى فرض معادلة أساسية تثبت حقوقه الطبيعية بالحد الأدنى، من دون أن ينجر الى التطبيع مع "إسرائيل" رغمًا عنه أو نتيجة الضغوط الضخمة التي يتعرض لها، وهذه الأوراق يمكن تحديدها وبعناوينها العامة بالتالي:

1 - الورقة القانونية: حيث إن حقوق لبنان استنادًا للقوانين الدولية واضحة ويمكن اثباتها بوضوح.

 ٢- ورقة الالتزام الرسمي بحقوق لبنان في حدوده البحرية، وهذه الورقة، صحيح أنها خضغت لبعض التجاذبات السياسية المترددة، ولكنها ثابتة في المراسلات والمذكرات الرسمية التي تقدم بها لبنان مؤخرًا، واستندت الى دراسة علمية جريئة، نشرتها قيادة الجيش اللبناني بشكل تجاوز كل الدراسات السابقة حول الموضوع، وكمؤشر ثابت وأكيد لالتزام قيادة الجيش بها بشكل كامل مع ما يمكن أن ينتج عنها من تداعيات أو من تطورات.

٣- ورقة الردع وتوازن القوة التي أرستها وفرضتها المقاومة بمواجهة أي اختراق إسرائيلي لسيادة لبنان أو أي اعتداء على أراضيه وعلى حقوقه في البر والبحر، والأهمية الأساسية والفاعلة لورقة القوة هذه التي فرضتها المقاومة، أنها تترجم وتغطي وتدعم الموقف اللبناني الرسمي وموقف قيادة الجيش اللبناني التي بيّنت وأثبتت حق لبنان في حدوده وفي ثرواته البحرية.   

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات