آراء وتحليلات
ببركة الإدارة الرشيدة والقيادة الحكيمة: 43 عاماً على انتصار الاقتصاد المقاوم
د.محمود جباعي
منذ تأسيس الجمهورية الاسلامية بعد نجاح الثورة في شباط/ فبراير 1979 كانت ايران ولا تزال تواجه تحديًّا كبيرًا في المجال الاقتصادي بفعل العقوبات الغربية الكبيرة عليها لمنعها من تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي والمعيشي، وبالتالي منعها من تحقيق الاستقلال الحقيقي الذي يضمن سلامة شعبها وامنه الاستراتيجي.
إلا أن ايران لم تقف مكتوفة الايدي بل عمل قادتها منذ نجاح الثورة وتأسيس الجمهورية الاسلامية على تطوير الاقتصاد، وتمكين المواطن من العمل المنتج لخلق اقتصاد انتاجي متين ومستدام يكون سداً منيعاً امام العقوبات الخارجية والهيمنة الغربية والاميركية على خيرات دول العالم. علماً ان ايران تتمتع بخيرات اقتصادية واسعة وكبيرة جداً فهي تمتلك 10% من احتياطات النفط في العالم و15 % من احتياطات الغاز، كما ونجحت الدولة في تجهيز قطاع عام قوي حيث يشكل نسبة 60% من حجم الاقتصاد والانتاج المحلي الاجمالي ويدار بطريقة مباشرة عن طريق الدولة.
كذلك نجحت ايران في تطوير الصناعات المختلفة مما اعطاها قدرة انتاجية هائلة وضخمة ساهمت مع الزراعة الناجحة ايضاً في تحقيق شبه اكتفاء ذاتي وفي توفير الامن الغذائي على طول فترة العقوبات الممتدة منذ 43 عاماً.
واقع الاقتصاد الايراني بعد الثورة
تمكنت ايران من خلق نمو اقتصادي متوازن ومتين حيث تنمو القطاعات الاقتصادية من زراعة وصناعة وخدمات بشكل متوازٍ مع اعطاء افضلية منطقية لنمو القطاع الصناعي الذي بدوره يعتبر نموًا مترابطًا ومشغلًا لباقي القطاعات الاخرى، علماً ان ايران تمتلك بورصة قوية ومتينة، تشكل صناعاتها جزءًا كبيرًا من حجم التبادل فيها بالاضافة بالطبع الى النفط والغاز والمواد الاولية، مما خلق حالة من الفائض في الميزان التجاري العام حيث بلغ حجم الصادرات الايرانية في العام 2018 حوالي 107 مليارات دولار بينما بلغ حجم وارداتها حوالي 54 مليار دولار بفائض يبلغ حوالي 53 مليار دولار. وتعد الصين ابرز الدول في التبادل التجاري مع ايران حيث تقدر صادرات ايران الى الصين سنوياً بحوالي 51 مليار دولار بينما تستورد ايران منها سنويا بقيمة تقدر بحوالي 15 مليار دولار، وهو ما يؤكد على عمق العلاقات الاستراتيجية بين ايران والصين بالاضافة الى توقيع اتفاقية بينهما لمدة 25 سنة بقيمة تفوق الـ 500 مليار دولار وقد تصل الى اكثر من ذلك مع النمو المتوقع للاقتصاد الايراني في المرحلة المقبلة.
مواجهة العقوبات الاميريكية الاخيرة
بالطبع تضرر الاقتصاد الايراني في بداية العقوبات الاميركية التي دخلت حيز التنفيذ في منتصف العام 2018 بسبب توقف نصف وارداتها وصادراتها تقريباً حيث تم تخفيض 600 الف برميل من النفط المنتج. الا أن ايران حولت فيما بعد التهديد الى فرصة وعملت من خلال مفهوم الاقتصاد المقاوم الذي يعتمد على رؤية مفادها ضرورة التقليل من الاعتماد على الصادرات النفطية مقابل زيادة الانتاج وتوفير فرص العمل للشباب وتحويل الضغط والعقوبات الى عامل محفز على الانتاج المحلي باعتماد اساليب بديلة مدعومة من الدولة التي شجعت ودعمت الاستثمار المحلي وبالفعل نجحت ايران في تخفيض اعتمادها على النفط الى ما دون 30% من حجم الناتج المحلي.
وكذلك عمدت ايران الى الانضمام للعديد من الاتفاقيات الدولية ابرزها مع الصين من اجل تبادل الاستثمار والنشاط الاقتصادي في عدة مجالات وخاصة في مجال استيراد الصين للنفط الخام الايراني وتطوير الصناعات التكنولوجية، وايضاً توقيع ايران اتفاقية مع دول اوراسيا تتعلق بالتعاون في مجال التبادل التجاري وكذلك دخول ايران في منظمة شنغهاي التي ترأسها الصين وروسيا.
ان انضمام ايران الى هذه الاتفاقيات بالاضافة الى اعتماد الاقتصاد المقاوم ساهم في التخفيف من حدة العقوبات الاميريكية وتأثيرها الامر الذي دفع الادارة الاميركية الجديدة الى التفكير جدياً بمدى فعالية هذه العقوبات التي لم تمكنها من ارغام ايران على الاستسلام لشروطها، وهي باتت تعلم ان الحمهورية الاسلامية لديها كل الامكانيات العسكرية والاقتصادية للصمود والمواجهة مما عجل في الدفع نحو فكرة العودة الى الاتفاق النووي مع ايران الذي يعتبر الحل الوحيد امام الدول الكبرى من اجل التفاهم مع الجمهورية الاسلامية التي لم ولن تتنازل عن حقوقها الا من خلال اتفاق عادل ومرضٍ لها ولا يكون على حساب مصلحة شعبها ومبادئها الثابتة.
الخلاصة
تحتفل اليوم الجمهورية الاسلامية بالذكرى 43 لتأسيسها مؤكدة للعالم اجمع ان هذه الثورة وجدت لتبقى وتستمر بفعل الارادة والايمان الثابت بالمبادىء والحقوق مقدمةً درساً ومنهجاً واضحاً لكل شعوب العالم مفاده ان الدولة التي تعمل لمصلحة شعبها في شتى المجالات العسكرية والاقتصادية والتي تصمد في وجه الهيمنة الخارجية، يمكنها بفعل ادارة قادتها الحكيمة والرشيدة ان تجبر كل العالم على احترام عقائدها ومبادئها ومصالحها الوطنية والمبدئية وها هي ايران اليوم تمشي قدماً وبثبات لا متناهٍ من اجل الوصول الى اهدافها الاستراتيجية في شتى المجالات.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024