آراء وتحليلات
أهداف الأميركي من تحريك الخلايا النائمة في سوريا
عبير بسّام
أواسط الأسبوع الماضي نشرت وكالة "نوفوستي" خبراً نقلاً عن هيئة الاستخبارات الخارجية الروسية، كشفت فيه عن خطط للولايات المتحدة لتوجيه جماعات "متطرفة" في سوريا لاستهداف القوات السورية والروسية والإيرانية تزامنًا مع تشجيع "الاحتجاجات" في البلاد. وأن الإستخبارات الأميركية تنوي دفع "المتطرفين" لمهاجمة القوات السورية والروسية في دمشق واللاذقية. وسيتزامن ذلك مع إطلاق حملة واسعة على مواقع التواصل الإجتماعي، مستغلة الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية الصعبة لتنظيم مظاهرات حاشدة ومناهضة للحكومة.
لم يكف سوريا ما أصابها في السنوات الماضية من حرب عالمية على أراضيها، وأسباب ذلك باتت معروفة ومنها أولاً الحنق التركي بسبب رفض سوريا تمرير خطوط الغاز القطري عبر أراضيها ليصل عبر تركيا إلى أوروبا. وثانياً، وقف خط الدعم الواصل ما بين إيران وسوريا إلى المقاومتين اللبنانية والفلسطينية. وثالثاً، تقسيم سوريا لأنها تشكل العقدة الأساسية في مؤامرة إعادة تقسيم المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط إلى دويلات إثنية وطائفية. والمشروع لا يوفر أحداً سواء كانت أفغانستان أو إيران أو تركيا أو حتى السعودية وليبيا و... ليأت الحصار بموجب قانون قيصر ويستفحل معه إنهاك الشعب السوري والدولة السورية، على أمل أن يؤدي ذلك إما إلى إنهاك الدولة والشعب، أو انفراط عقد الدولة، أو الإثنان معاً.
ويبدو حتى اليوم، أن الشعب السوري أظهر قدرةً هائلةً على التحمل. مع أن هناك الكثير من التأفف، الذي يظهر على مواقع التواصل الإجتماعي. وكلما اتخذت الدولة قراراً بإعادة تعيين موظف أو مدير عام أو وزير، تعود السحجات المعارضة والموافقة للصدح مرة أخرى. ولكن هذا بحد ذاته لا يعد مصدر خطر حقيقي بقدر الخطر الذي كشفته المخابرات الروسية في الأسبوع الماضي عن وجود خطة لئيمة من أجل إعادة تشغيل الجماعات المتطرفة لاستهداف القوات السورية والروسية والإيرانية في البلد. وأن ذلك يتزامن مع تشجيع الإحتجاجات والمظاهرات في البلد بسبب سوء الأوضاع المعيشية. إضافة إلى استخدام مواقع التواصل الإجتماعي من أجل تأجيج الإحتجاجات وإشعال المظاهرات مرة أخرى وخاصة في دمشق والمناطق المتاخمة لها، وفي اللاذقية.
وبحسب بيان هيئة الإستخبارات الروسية: "من أجل تحقيق أهدافهم سيقوم الأمريكيون باستخدام اتصالاتهم الوثيقة مع ما يسمى بالمعارضة المسلحة، و"الجماعات المتطرفة الإسلامية"". وهنا يفهم ما يحاول الأميركي القيام به من خلال توحيد الجماعات الإرهابية تحت لواء الجولاني وتنظيم هيئة تحرير بلاد الشام الإرهابي. وبالتالي فإن جزءًا من الخطة يتعلق بتمثيلية سجن غويران وإطلاق المساجين وبخاصة الدواعش، لأن ما حصل ليس إلا الخطوة الأولى في إعادة التنظيم الإرهابي للعمل في الشام والعراق. وإذا ما كنا نذكر فقد قامت القوات الأميركية بإنزالات عدة خلال الأعوام 2018 ـ 2020 واختطفت قيادات لـ"داعش" لم يعرف مصيرها. ويبدو أن محاولة تجميع التنظيم باتت على قدم وساق.
في خطاب ألقاه رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والقانونية في جدة أنور عشقي، خلال مؤتمر عام 2016 أمام مجلس العلاقات الدولية، تحدث عشقي عن تجربته كمستشار للسفير السعودي في أميركا. وأشار الى تجربته خلال زيارة إيران في زمن الشاه. وفند سبعة بنود تضمنت الخطوات التي يجب القيام بها في المرحلة القادمة لإحقاق التسويات والنهوض بالأمة. تتعلق البنود بـ"السلام" في اليمن، والعلاقة مع إثيوبيا وجيببوتي، والسلام مع "إسرائيل"، وفرض الديمقراطيات في الدول العربية. ويطال البند السابع أمراً يتعلق ببلاد الشام والعراق، ألا وهو: "العمل على إيجاد كردستان الكبرى بالطرق السلمية. لأن من شأن ذلك أن يخفف "المطامع الإيرانية" والتركية والعراقية، والتي ستقتطع الثلث من كل دولة من هذه الدول لصالح كردستان". وبذا يمكننا أن نفهم المحاولات المستميتة لقسد من أجل تجنيد الشباب في محافظة السويداء للقتال معهم أملاً بضم جزء من سوريا حتى شواطئ البحر المتوسط.
ما يزال حتى اليوم بناء دولة كردية مطلباً سعودياً، رغم التصريحات الأميركية بوجوب تفاهم الأكراد مع الدولة السورية. وبالتالي لا مصلحة للولايات المتحدة مع الأكراد، ولهذا تم تهريب سجناء غويران وهذا ما تسبب بإطلاق اتهامات لأميركا بالإنقلاب على الأكراد. لكن يبدو أن هناك دأبا سعوديا للوصول إلى الدولة الكردية استناداً إلى ما قاله عشقي. وهذا ما يبرر المحاولات السعودية لابقاء قوات لها في شرق الفرات. وهذا مرتبط حتماً بما طرحه الأكراد في مؤتمر أربيل حول الحاجة للسلام مع "اسرائيل"، فالمصالح السعودية الكردية تلتقي معاً. وتعود المصالح الأميركية لتلتقي جزئياً معها.
ولا يمكن تحقيق الأهداف إلا من خلال استغلال الظروف الإقتصادية الصعبة التي تمر بها سوريا بإشاعة الفوضى عبر عودة المجموعات الإرهابية. لأن عودة الفوضى تحقق الهدف الأميركي في البقاء في العراق وسوريا؛ ليس فقط من أجل السيطرة على منابع النفط والغاز فيهما، وقطع طريق العلاقة القائمة ما بين العراق وسوريا ولبنان من جهة، والعراق وسوريا وإيران من جهة أخرى. واليوم الهدف أكبر من تحقيق أمن "اسرائيل"، الهدف اليوم هو تحقيق أمن القواعد الأميركية، إذ ما نجحت أمريكا في إطلاق الحرب العالمية الثالثة في أوكرانيا.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024