آراء وتحليلات
محطة الحاويات في مرفأ بيروت: عقد جديد يعيد الحياة الى المرفأ
د. محمود جباعي
منذ 4 آب عام 2020 دخل لبنان في المرحلة الأسوأ خلال أزمته الاقتصادية والمالية والتي بلا شك تسارعت وتيرتها بفعل انفجار مرفأ بيروت وتداعياته الخطيرة على كافة الجوانب لا سيما على الصعيدين التجاري والاقتصادي. أدى الانفجار الى دمار هائل في معظم محتويات المرفأ والجوانب المحيطة به وهي مساحة لا يستهان بها من العاصمة بيروت. علمًا أن مرفأ بيروت يعتبر الشريان الحيوي للاقتصاد الوطني بفعل أهميته الجيو-اقتصادية والجيو-استراتيجية، وبالتالي فإن حجم الدمار الهائل فيه أثر بشكل سلبي جدًا على النمو الاقتصادي في بلد كان وما يزال يعاني من أكبر أزمة وكارثة مالية واقتصادية في تاريخه المعاصر.
ومنذ ما بعد الانفجار، انتظر اللبنانيون كثيرًا بدء عملية اعادة الإعمار في المرفأ لعودة النشاط التجاري المعتاد إليه، ورغم الحديث عن العديد من العروض الخارجية المقدمة في هذا المجال، إلا أنه لم يحصل أي تطور جدي طيلة الفترة الماضية، حتى أعلن وزير الأشغال الدكتور علي حمية عن الاتفاق على توقيع لبنان أول عقد جدي وفعلي في طريق إعادة الإعمار مع مجموعة الشحن الفرنسية CMA|CGM والذي حظيت الشركة بموجبه على الحق في إدارة وتشغيل وصيانة محطة الحاويات في مرفأ بيروت لمدة عشر سنوات وهذا ما يعتبر خطوة أولى مهمة جدًا في اعادة احياء النشاط الاقتصادي في المرفأ. وأكّد الوزير حميّة خلال الاعلان عن الاتفاق أنه "وفقًا للسعر الجديد المقدم من الشركة، سيتم رفد الخزينة العامة بعشرات الملايين من الدولارات الإضافية، وهذا يؤكد أننا نستطيع وبالإرادة والتصميم، القيام بما يجب فعله لتفعيل المرافق العامة دون وصاية من أحد".
بنود الاتفاقية تعزز الايرادات وتفعل النشاط
يتضمن العقد المبرم مع الشركة المذكورة والتي يشكل نشاط سفنها حوالي 55 % من حجم العمليات في محطة الحاويات أن تستثمر الشركة مبلغًا وقدره 33 مليون دولار - "فريش" - في المرفأ على أن تبدأ عملية الاستثمار هذه في بداية الشهر المقبل حيث ستعمل فورًا على تنفيذ تعديلات وتحسينات رئيسية بينها تحديث وتجديد كامل للمعدات والآلات الموجودة مما سيؤدي فعليًا الى تحسين الانتاجية بشكل كبير فيتعزز بذلك النشاط الاقتصادي والتجاري.
كذلك ستعمل الشركة على بناء مستوعب فني جديد لصيانة وتخزين قطع الغيار واعتماد أنظمة رقمية حديثة ومتطورة في عمليات المحطة، مما سينقل العمل في المرفأ الى مرحلة العمل التقني الحديث ذي المواصفات العالمية كما يحصل في مختلف المرافىء المتطورة في العالم وهذا بدوره سيرفع من قدرات المرفأ التقنية والعملية.
تجدر الاشارة الى أن محطة الحاويات هذه تشكل ما يقارب 85% من حركة مرفأ بيروت وتعتبر الركن الأساسي لعمليات التشغيل فيه على أنواعها وبالتالي، فإن تطور الاستثمار في هذه المحطة سيعود بالمنفعة العامة الكبيرة على كل الصعد، فبالاضافة الى التحسن الكبير الذي سيحصل في الانتاجية والنشاط الاقتصادي والتجاري ستستفيد خزينة الدولة من عائدات مالية مهمة في المرحلة القادمة بفعل هكذا استثمارات ناجحة وعلمية دون التأثير على مصالح المواطنين وهذا الأمر يعتبر حجر الزاوية في اعادة بناء مرفأ بيروت وغيره من مرافق الدولة الحيوية المتآكلة بفعل الهدر والمحسوبيات وغياب الادارة الفاعلة والرشيدة.
زيادة الايرادات ممكنة من دون المس بجيوب المواطنين
خطوة وزارة الاشغال في هذا المجال تعتبر اجراءً اقتصاديًا ماليًا متقدمًا على طريق اعادة اعمار المرفأ. والأهمية هنا تكمن في طريقة ابرام العقد الذي لا يكلف الدولة أي نفقات وأعباء، بل يوفّر على خزينتها مبالغ كبيرة. الأهم أن هذه الطريقة المتبعة لا تكلف المواطن أيضًا أي أعباء، وهذا يوضح ما يجب فعله من قبل كل الوزارات والمعنيين الذين يمكنهم السعي الى العمل على زيادة ايرادات الخزينة بشكل فعلي ومستدام لمصلحة الدولة والاقتصاد من دون السعي المستمر الى تحميل المواطنين وحدهم كلفة تغطية الأعباء المالية للدولة، لأن الاقتصاد الناجح والمتين يبنى من خلال تشجيع الاستثمارات وخلق مناخ ايجابي لها وهذا هو المدخل الوحيد لاعادة التوازن الى العمليات الاقتصادية المتنوعة مما سيحقق اعادة واعدة للنمو الاقتصادي.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024