معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

قمم الانهزام العربية لا تقي الكيان رسائل المقاومة البطولية
31/03/2022

قمم الانهزام العربية لا تقي الكيان رسائل المقاومة البطولية

بغداد - عادل الجبوري

   في ظرف أسبوع واحد فقط، شهدت المنطقة عقد ثلاث قمم أو اجتماعات رفيعة المستوى، كان للكيان الصهيوني إما حضور مباشر فيها أو غير مباشر، باعتبار أن القضايا والملفات المطروحة على طاولة البحث تهم ذلك الكيان، بل انها تشكل صلب اهتماماته وهمومه وهواجسه.

   القمة الأولى عقدت في منتجع شرم الشيخ المصري المطل على البحر الأحمر، في الثاني والعشرين من شهر اذار-مارس الجاري، وشارك فيها كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وولي عهد الامارات محمد بن زايد، ورئيس وزراء الكيان الصهيوني نفتالي بينت.          

   أما الثانية، فتمثلت بقمة العقبة الرباعية في الاردن، التي عقدت في الخامس والعشرين من نفس الشهر، بمشاركة كل من رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي، والملك الاردني عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وولي العهد الاماراتي محمد بن زايد.

   في حين احتضنت قرية سدية بوكير (كيبوتس) بمدينة النقب بفلسطين المحتلة، لقاء سداسيا جمع وزراء خارجية كل من الكيان الغاصب والولايات المتحدة الاميركية ومصر والامارات والبحرين والمغرب، وذلك في التاسع والعشرين من اذار-مارس الجاري.

  الملاحظ على القمم الثلاث، أنها جمعت الأطراف المطبّعة مع الكيان الصهيوني منذ أربعة عقود من الزمن، كما هو الحال مع مصر والاردن، والأطراف التي تمتلك علاقات تاريخية عميقة مع اليهود الصهاينة، رغم انها لم تبرم اتفاقيات ومعاهدات سلام مع الكيان المحتل، مثل المغرب، والاطراف التي ابرمت قبل فترة وجيزة معاهدات سلام برعاية واشنطن، مثل الامارات والبحرين، وأطرافًا أخرى يراد جرّها الى سكة التطبيع بأي ثمن، مثل العراق.

   هذه نقطة جوهرية ومهمة، عند قراءة خلفيات ودوافع وأهداف القمم الثلاث، قراءة موضوعية عميقة ودقيقة، هذا الى جانب حراك متواصل على أعلى المستويات بين عواصم مختلفة خلال الشهور القلائل المنصرمة، اذ ان زيارة رئيس وزراء الكيان نفتالي بينت لأبو ظبي في الثاني عشر من شهر كانون الاول-ديسمبر الماضي، ومن ثم زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان اليها في منتصف شباط-فبراير الماضي، وغيرها تؤشر الى مساعٍ وجهود حثيثة ومحمومة لرسم معادلات جديدة للمنطقة تكون "تل ابيب" رقمًا مؤثرًا وفاعلًا فيها، وتؤسس تلك المعادلات الجديدة على مشاريع خطيرة جدا، من قبيل "الشرق الاوسط الكبير-الجديد"، و"صفقة القرن"، و"الشام الجديد"، وتجعل من الاقتصاد والمصالح الاقتصادية المشتركة بين مكونات المنطقة مرتكزا رئيسيا تقوم عليه تلك المعادلات.

   ولكن في واقع الأمر هذا جزء -او واحد من الاهداف- والهدف الأهم والأبرز، الذي لم يتحرج المشاركون في قمتي شرم الشيخ والنقب من الافصاح عنه بطريقة أو بأخرى، هو مواجهة ايران ومحاصرتها وعزلها، أو بتعبير أدق مواجهة واضعاف محور المقاومة الذي تتبنى ايران قيادته في مواجهة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الاميركية، وعموم القوى الدولية والاقليمية السائرة وراءهم. ولعل تصريحات رئيس وزراء الكيان الصهيوني، ووزير خارجيته يائير لبيد، وكذلك تصريحات وزير الخارجية الاميركية انطوني بلينكن وساسة عرب مشاركين، كلها تمحورت وانصبت في بوتقة واحدة، لا سيما وان هناك مخاوف وهواجس كبيرة من احتمال نجاح المفاوضات بين ايران والاطراف الدولية، وبالتالي اعادة احياء الاتفاق النووي الذي تنصلت منه واشنطن في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
   وفي سياق التحشيد والضغط المتواصل على طهران، تتجلى أهمية بغداد في الانخراط بمشاريع التطبيع، ارتباطًا بموقع العراق الجغرافي وثرواته الهائلة، وتركيبته الاجتماعية وإرثه التاريخي. بيد ان التساؤل المهم هنا هو: هل أن مشاركة رئيس الوزراء العراقي، سواء كان الكاظمي أو غيره، في قمة ثلاثية أو رباعية أو خماسية، في العقبة أو شرم الشيخ أو ابو ظبي، كافٍ لدخول أو ادخال العراق في متاهات التطبيع المذلة مع "تل ابيب"؟

   لعل الكثير من التجارب والحقائق والارقام والمعطيات السابقة والراهنة، تؤكد بما لا يقبل الشك ان العراق عصي على الاختراق من قبل الكيان الصهيوني وأدواته الاقليمية والدولية، رغم أن الظروف بدءا من ربيع عام 2003، وتحديدا بعد الاطاحة بنظام صدام وما رافقها من فوضى عارمة، بدت مهيأة أكثر من أي وقت مضى لذلك، بحكم وجود الاحتلال الاميركي، وظهور التنظيمات والجماعات الارهابية التكفيرية، كالقاعدة وداعش، واضطراب الاوضاع الامنية والسياسية، وضعف سيطرة السلطة المركزية-الاتحادية على مقاليد الامور في عموم البلد، لا سيما في اقليم كردستان، الذي يتمتع بوضع قانوني شبه مستقل.   

   ان الموقف العراقي، الذي تمثله من جانب المرجعيات الدينية، ومن جانب، القوى السياسية والمجتمعية المختلفة، ومن جانب آخر النخب الفكرية والثقافية، يعكس في ذات الوقت البعدين الواقعي والمبدئي في التعاطي مع التطبيع والقضية الفلسطينية، هذين البعدين اللذين يرفض دعاة التطبيع والمروجين له والمهرولين اليه قبولهما وتقبلهما.

  واذا كان البعد المبدئي غائبًا عنهم، فإن البعد الواقعي حاضر وبقوة، شاؤوا أم أبوا ذلك، وما يؤكد ويثبت حضوره، هو انه في الوقت الذي نرى فيه كبار الزعماء والساسة وصانعي القرار في "تل ابيب" وواشنطن وبعض العواصم الأخرى في المنطقة، يعكفون على بحث أفضل الوسائل والسبل، وتكريس كل الامكانيات والطاقات في كواليس شرم الشيخ والعقبة والنقب وابو ظبي وغيرها، لتمكين وتقوية الكيان الصهيوني واضعاف خصومه واعدائه، نشهد في الجانب الاخر، وتحديدا في داخل العمق الاسرائيلي، المقاومين الفلسطينيين وهم يوجهون ضربات قاصمة للكيان، وما عمليتا الخضيرة شمال فلسطين المحتلة، وبني براك في "تل ابيب"، واللتان تسببتا بمقتل وجرح عدد من جنود الكيان، ناهيك عن بث الرعب والفزع في مختلف الاوساط والمحافل السياسية والامنية والعسكرية الاسرائيلية، الا انعكاس وتعبير حقيقي عن الواقع في ميدان المواجهة والصراع لا في كواليس السياسة والصفقات.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل