معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

قرار دفع ثمن الطاقة بالروبل.. تعويم اليوان وتقويض للدولرة؟
01/04/2022

قرار دفع ثمن الطاقة بالروبل.. تعويم اليوان وتقويض للدولرة؟

د. علي دربج ـ باحث ومحاضر جامعي

اليوم، يكون قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلزام الدول الأوروبية بدفع ثمن جميع واردات الغاز الطبيعي من روسيا، بالروبل بدلًا من الدولار الأمريكي أو "اليورو" قد دخل حيز التنفيذ. فالاتحاد الأوروبي يستورد من موسكو حوالي 40 بالمائة من احتياجاته من الغاز الطبيعي. وكما هو متوقع، وفي أعقاب هذا الإعلان في 23 آذار/ مارس الماضي، ارتفعت مباشرة أسعار كل من الغاز الطبيعي والنفط الخام البديل.
 

لكن لماذا أقدم بوتين على هذه الخطوة؟

إن الغاية الرئيسية للرئيس بوتين، من قبول المدفوعات بالعملة الروسية، تهدف فقط لزيادة الطلب على الروبل في السوق الدولية، وبالتالي تحويل التهديد الى فرصة، بعدما تراجعت قيمته أمام الدولار الأمريكي في الأسابيع التي سبقت انطلاق العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا. فبين بداية عام 2022 والعملية العسكرية في اوكرانيا في 24 شباط/فبراير الماضي، كان الدولار الواحد يساوي حوالي 75 روبل، ليرتفع لاحقًا ويصل الى 85 روبل لكل دولار (مما يعني أن هناك حاجة إلى 10 روبلات إضافية لشراء دولار واحد في السوق الدولية).

وبعد اندلاع المعارك الحربية وفرض الدول الغربية حزمة قاسية وغير مسبوقة من العقوبات الشاملة على موسكو - التي طالت كافة المرافق الحيوية والاقتصادية والمالية الأساسية - انخفضت قيمة الروبل إلى ما يقرب من 145 لكل دولار في غضون أسبوعين. وانطلاقًا من هذا كله أراد بوتين قلب الطاولة على الغرب، وخلق طلب على الروبل وبالتالي رفع قيمته.

هل سيساعد القرار الروبل؟
 
يوم الثلاثاء الفائت، تعافى الروبل، وارتفع ليصل إلى 85 مقابل الدولار (وبلغ أمس الخميس 81)، ويعود ذلك لأن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع تقليل اعتماده على واردات الطاقة من روسيا بين عشية وضحاها. الجدير بالذكر، أنه حتى قبل هذا القرار، كانت روسيا قد طلبت بالفعل من شركاتها التي تأخذ المدفوعات بالدولار واليورو، أن تستبدل 80 بالمائة من إيراداتها بالروبل".

وفي حين عدّ هذا وسيلة لخلق الطلب على الروبل، فإن العبء كان يقع على عاتق الشركات الروسية. لكن بموجب الإملاءات الجديدة حاليا أصبح عبء المطالبة بالروبل يقع على عاتق البلدان المستوردة.

كيف ستحصل الشركات الأوروبية على الروبل؟
 
بفضل العقوبات، لم يعد لدى الشركات الروسية أي استخدام للدولار أو اليورو. وعلى هذا النحو، سوف يكون لزاما على الشركات الأوروبية الآن أن تجد وسطاء، اي أولئك الذين يقبلون الدولار واليورو، ويحولونهما إلى روبل، ويعطونه للأوروبيين حتى يتمكنوا من دفع ثمن واردات الغاز الطبيعي.

لكن مهلا، ثمة سؤال مركزي يطرح نفسه وهو: إذا كان صرف الدولار/ اليورو المباشر إلى الروبل غير ممكن، فما هي العملة التي سيتم استخدامها كوسيط؟ الإجابة الأكثر ترجيحا هي اليوان الصيني. في مثل هذا السيناريو، سيتم تبادل الدولار/ اليورو، مقابل اليوان الذي بدوره سُيعمل على تحويله الى روبل.

ماذا عن تداعيات هذا القرار على روسيا نفسها؟

بقدر ما يتعلق الأمر بالتأثير الفوري الذي يتم تتبعه من خلال سعر صرف الروبل مقابل الدولار، يمكن اعتبار هذه الخطوة بمثابة ضربة رئيسية. لكن بالمقابل هناك عواقب طويلة الأمد على روسيا أيضًا.
 
أولاً: يرى الغرب أن هذه الخطوة من جانب روسيا هي انتهاك للعقد علمًا أن العواصم الغربية، على وجه الخصوص الاوروبية منها، قد لا تكون قادرة على الرد على الفور بسبب الاعتماد على روسيا في مجال الطاقة.

ثانيًا: تدفع هذه الخطوة الغرب بالفعل لإيجاد بدائل (وهو ما بدأت بالعمل عليه فعلا). علاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي الى اعتماد أشكال أخرى من الطاقة، على سبيل المثال الفحم أو الطاقة المتجددة.

ثالثا: ان اعتماد أوروبا الحالي على واردات الطاقة من روسيا يعمل في كلا الاتجاهين، نظرا لأن الأرباح من صادرات الطاقة نفسها هي التي تغذي الاقتصاد الروسي. وعليه إذا وجدت أوروبا المجاورة بدائل، حتى لو لم يحدث ذلك على عجل، فسيؤذي ذلك روسيا أيضًا في النهاية.

ما هي ايجابيات هذه الخطوة الروسية؟

بعيدا عن حسابات الكرملين الخاصة، ثمة تداعيات ايجابية أساسية لهذا القرار تتخطى حتى حدود موسكو وأوروبا. فإجبار المستهلكين الأوروبيين على اعتماد (اليوان) يمكن أن يضر بالولايات المتحدة ويقوض هيمنة الدولار باعتباره العملة الأولى في جميع أنحاء العالم.

وبناء على ما تقدم، إذا حل اليوان الصيني محل الدولار في التجارة مع روسيا ـ وعادة ما تبلغ قيمة التداولات اليومية مليارات الدولارات ـ فسيؤدي ذلك إلى "إزالة الدولرة" عن عرش النظام المالي الدولي الذي تربع عليه الدولار لعقود، فهل الوريث الصيني جاهز للتتويج؟
من بكين سيأتينا النبأ اليقين.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات