معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

عملية "تل أبيب" نموذجًا: الشعب الفلسطيني يخلط الأوراق
11/04/2022

عملية "تل أبيب" نموذجًا: الشعب الفلسطيني يخلط الأوراق

جهاد حيدر

تحوَّلت عملية "تل ابيب" إلى محطة فاصلة في تشكيل مفاهيم العدو وتقديراته ازاء ما يتعرض له من عمليات متسلسلة، فأقر بما تخوف منه من أن الضربات التي يتلقاها في عمقه الاستراتيجي ليست ردات فعل عابرة وانما مسلسل متواصل. وفرض نجاح هذه العمليات ونتائجها القاسية على رأس الهرم السياسي، نفتالي بينت، الاقرار بحقيقة أن "اسرائيل" تواجه "فترة صعبة ومليئة بالتحديات، وقد تكون طويلة".

كشفت هذه المواقف أن قيادة العدو حسمت تقديراتها بأنها في مواجهة موجة قد تتطور الى مستويات أشد خطورة قد يصعب احتواؤها، خاصة في ضوء تطور أساليبها واختيار المدن الكبرى كساحة لتنفيذها، وأنه في حال فشلت "اسرائيل" في كبح هذا المسار التصاعدي فإن هذا المتغير قد يعيد خلط الأوراق الاقليمية.

تميّزت عملية الشهيد رعد خازم، بكونها استهدفت عمق "تل ابيب" - شارع ديزنغوف الرئيسي، وبفاصل زمني قريب من العمليات الثلاثة التي سبقتها، وبخسائرها القاسية وبأنها استهدفت العمق الاستراتيجي للكيان بكل ما للكلمة من معنى.

فرضت عملية ديزنغوف ايضًا، بما لا يقل عن الخسائر البشرية التي أصابت العدو، حالة هستيرية على الشارع الاسرائيلي، تعزَّزت بالفوضى التي اتسم بها أداء أجهزة النخبة، والمواكبة الاعلامية التي ساهمت في بث الرعب لدى "الجمهور الاسرائيلي"، الأمر الذي عرَّضها لانتقادات رسمية وعلى لسان كبار المسؤولين الاسرائيليين.

عملية "تل أبيب" نموذجًا: الشعب الفلسطيني يخلط الأوراق

هشَّمت العملية صورة الأمن المستقر الذي يتباهى به كيان العدو، ودفعت المستوطنين الى التردد في التنقل في الشوارع،. خاصة وأن الشهيد رعد نجح في تجاوز سلسلة اجراءات وقرارات سبق أن اتخذها كيان العدو بهدف استعادة ثقة المستوطنين بالأجهزة الأمنية.

تعمّق الشعور بفقدان الثقة لدى "الجمهور الاسرائيلي" كون الضربة التي تلقاها أتت في المكان الأكثر تأثيراً في الوجدان الصهيوني، (تل أبيب) والابلغ دلالة لدى المؤسستين السياسية والامنية.

في المقابل، أكد الشعب الفلسطيني بمواصلة عملياته، على تمسكه بخيار المقاومة وتصميمه على الرد على اعتداءات العدو التي يمارسها في كل ساحات فلسطين. وأظهر ابداعًا اضافيًا في الالتفاف على الاجراءات الأمنية والوقائية، خاصة وأن المقاوم أتى من منطقة جنين شمال الضفة الى عمق الكيان، بمعنى أنه نجح في تجاوز كل الاجراءات الامنية التي سبق أن عزَّزها العدو.

أدخلت قساوة العملية، ببعديها المادي والمعنوي، المنظومة الامنية والسياسية في كيان العدو، في حالة ارباك جعلته يتلمس محدودية خياراته وخطورة الانزلاق نحو سيناريو مواجهة أشد خطورة مما يواجه حتى الان.

بدَّدت العملية، وما سبقها، وهم الرهان على الجمع بين الاحتلال والأمن المستدام، وأظهرت لـ"الجمهور الاسرائيلي" أن الاستقرار الذي يتمتع به ليس إلا حالة زائفة ويمكن في أي لحظة أن تتكشف هشاشته، كما حصل على يد عدد محدود من المقاومين وبأسلحة متواضعة.

حسم العدو موقفه بأن ما يتعرض له من عمليات هو بقرار ذاتي ومباشر من الشعب الفلسطيني من دون واسطة تنظيمية. وهو خيار يدرك العدو خطورته، حيث يقول بينيت إن "الأفراد الذين ينفذون عمليات بدون بنية تحتية تنظيمية يشكلون تحديًا كبيرًا بالنسبة لأجهزة الأمن"، في إشارة الى كون هذه الميزة تحد من مفاعيل تفوق العدو الاستخباري والتكنولوجي والعملياتي.

تساهم هذه الميزة أيضًا في تقويض مفاعيل الردع الذي يستند اليه العدو لمنع مثل هذه العمليات. باعتبار أن المنفذين لا ينتمون أو لا ينفذون عملياتهم بناء على تعليمات من فصائل مُحدَّدة يمكن أن تتعرض لضغوط أمنية وسياسية.

 امتدادا للعمليات السابقة، شكَّلت عملية "تل ابيب" ردًا عمليًا على مخطط التطبيع الذي أراد الالتفاف على معاناة الشعب الفلسطيني وتجاهلها، بهدف نسج تحالفات مع العدو. لكن مسلسل العمليات وآخرها عملية "تل ابيب" المدوية، أعاد فرض القضية الفلسطينية في صدارة المشهد الاقليمي.

تبقى حقيقة ينبغي التأكيد عليها وهي أن مخاوف القيادة الاسرائيلية لا تقتصر على البعد العسكري للعمليات، بل لكونها ايضًا تأتي في ظل متغيرات اقليمية ودولية تحمل معها تحديات ومخاطر يُفترض أن يكون العدو متفرغًا لمواجهة الاستحقاقات الكامنة فيها. في المقابل، أظهر الشعب الفلسطيني قدرته على ارباك المخططات الاقليمية والدولية، وفرض أولويات وتحديات من خارج "صندوق" التقديرات السياسية والامنية في كيان العدو.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات