معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

أمريكا تريدها حربًا غير باردة
25/04/2022

أمريكا تريدها حربًا غير باردة

إيهاب شوقي - العهد

كشف تقرير للمجلس الأطلسي الأمريكي، ملامح الإصدار العام لاستراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية القادمة (NDS)، حيث ذكر أنه تلقى لمحة عن ملامح الوثيقة التي ستوجه صنع سياسة البنتاغون خلال السنوات القادمة.

وقال المجلس عبر موقعه، إن الوثيقة الجديدة يبدو أنها أعادت ترتيب أولويات التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة إلى صيغة "1 + 1 + 3" ، حيث وصفت الصين بأنها "المنافس الاستراتيجي الأكثر أهمية"، تليها "التهديدات الحادة" من روسيا، ثم "التهديدات المستمرة"، بما في ذلك من كوريا الشمالية وإيران والمنظمات المتطرفة العنيفة".

وهنا لا نجد تطورات جديدة في سلوك أمريكا العدائي والذي لا يتجه للاعتراف بتوازنات القوى الجديدة والسماح بانتقال سلس للنظام العالمي الجديد وما يترتب عليه من نظم إقليمية، حيث تنوي أمريكا زيادة ميزانيتها العسكرية والقيام بتعديلات على المعاهدات وأسلحة الردع الاستراتيجي وتوزيع القوات، بحيث تكون في مواجهة ما وصفتهم بالخصوم والأعداء والمهددين لأمنها.

هنا ينبغي التوقف عند ما يلي:

1- لا توجد قوة تهدد حدود الولايات المتحدة أو أمنها، ولكن في العرف الأمريكي، فإن أي تهديد لهيمنتها أو انتقاص من القطبية الأحادية التي أدمنتها رغم عمرها القصير الذي لم يتجاوز ثلاثة عقود، هو بمثابة تهديد لأمنها، وهو ما يعني أن أمنها مرتبط بالهيمنة وأنها لا تصلح إلا أن تكون قوة استعمارية وإلا فلا وجود ولا مستقبل لها.

2- تكشف ملامح الوثيقة أن أمريكا تتجه للتصعيد مع الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية والتنظيمات المقاومة، وليس بالطبع التنظيمات الإرهابية التي تعمل للصالح الأمريكي في بقاع مختلفة من العالم وتحديدًا في المحيط الروسي ومحيط وعمق محور المقاومة.

ويبدو هنا أن العالم لا يتجه لحرب باردة جديدة، بل يتجه لأوضاع فوضوية وتصعيد خطير. ولعل ما يدق أجراس الخطر، هو نقاش حاد بين الخبراء وعلماء السياسة في الغرب، حيث يري بعض المؤرخين الأكثر خبرة ورصانة، أن العالم يتجه لأوضاع تشبه الأوضاع التي سبقت الحرب العالمية.

فعلى سبيل المثال، يرى المؤرخ النرويجي المتخصص في الحرب الباردة وأستاذ العلاقات الأمريكية الآسيوية في جامعة هارفرد "أود آرنه وستارد" أن "الصراع الحالي يختلف اختلافًا جوهريًا عن الحرب الباردة". يضيف وستارد، إن النظام العالمي الآن لا يبدو مستقرًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنه ليس ثنائي القطب ولكنه متعدد الأقطاب. إنه عالم أكثر صعوبة. وأضاف: "لقد قارنته أحيانًا بالعالم قبل الحرب العالمية الأولى عام 1914، وهي ليست مقارنة من شأنها أن تجعلك تنام بسهولة أكبر في الليل!".

والمتابع بالفعل لكثير من الشواهد يرى أن نذر التصعيد أكبر من بوادر التسويات، حيث تنوي فنلندا أن تصبح عضوًا جديدًا في الـ"ناتو" قبل نهاية هذا العام، وقد صوت 56٪ من أعضاء البرلمان الفنلندي لصالح انضمام البلاد إلى حلف شمال الأطلسي، وفي وقت سابق، حذرت روسيا فنلندا من عدم جواز الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، لكن السلطات الفنلندية تجاهلت المطالب والتحذيرات الروسية.

كما تعتزم السويد أيضًا الإعلان عن قرارها بالانضمام إلى حلف الـ"ناتو"، وحذرت روسيا فنلندا والسويد عبر القنوات الثنائية، من عواقب انضمامهما إلى الحلف، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إنه إذا اتبعا هذا المسار، فسيغير بالطبع الوضع الجيوسياسي في أوروبا، في الجوار المباشر لبلدنا.

وقد لوح ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، باحتمال نشر بلاده أسلحة نووية في البلطيق.

وجاءت تلك التحذيرات الروسية، فيما تخشى دول البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) التي كانت سابقًا ضمن الاتحاد السوفيتي ومن آخر الدول التي انضمت لحلف الأطلسي بعد توسعه عام 2004، من أن ترد موسكو على خطوة انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف لزيادة الضغط على الروس جراء عمليتهم العسكرية في أوكرانيا، على أراضي إحدى تلك الدول، في سيناريو شبيه بالسيناريو الأوكراني.

وعلى النطاق الإقليمي في منطقتنا، نلمح تحريكًا للأذرع الإرهابية بمعاونة "اسرائيل" حيث تتنامى أدوار المنظمات التكفيرية في المحيط الإيراني والروسي، وهو ما شاهدناه في التفجيرات الغادرة للمساجد في مزار شريف وقندوز، ومحاولة اغتيال قائد كبير في الحرس الثوري في سيستان وبلوشستان.

يضاف إلى ذلك اغلاق تركيا لمجالها الجوي أمام الطائرات الروسية المتجهة إلى سوريا، ليضاف إلى الإغلاق البحري لمضيقي البوسفور والدردنيل، وسط تسريبات عن عملية تركية قريبة في الشمال السوري لتمكين الفصائل الموالية لها ومن ضمنها التكفيريون، وهو وضع منذر بوقوع الجيش السوري بين فكي العدو الإسرائيلي والمنظمات الإرهابية بالداخل.

هذا الوضع يدحض الدعايات التي كانت تقول إن الاتفاق النووي بين ايران وأمريكا سيقلل من دعم إيران للمقاومة، ويؤكد ما قلناه دوما، أن إيران لن تفرط في ثوابتها، وهو ما أكدته وثيقة الدفاع الوطني الأمريكية الجديدة.

هنا لا مجال إلا الجهوزية والاستعداد لمعارك مزدوجة مع العدو الإسرائيلي من جهة ومع الأذرع الإرهابية التكفيرية من جهة أخرى، حيث تسعى أمريكا لإطالة أمد المعارك في أوكرانيا وأمد الصراعات الإقليمية على أمل عرقلة ولادة النظام الجديد عالميًا وإقليميًا.

ولعل المعارك الهامشية التي تفجرها أمريكا تعتمد على أنظمة التطبيع وعلى استمرار الوضع المأساوي للقضية الفلسطينية باعتباره مانعًا إقليميًا لتنامي الوجود الروسي ووجود محور المقاومة، وهنا تكون فلسطين عقدة للتقاطعات، وتصبح المعركة مع العدو الصهيوني خيارا حتميا للخلاص من هذا العدو ومن الشر الأمريكي وتواجده في المنطقة القائم على الأذرع والذيول من الأنظمة والحركات التكفيرية والعملاء.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات